الرئيسية

عبد السلام الصباح.. زوج المغنية منانة ووالد الإذاعية شفيقة الصباح

تعتبر الفنانة منانة الخراز من أوائل نساء تطوان اللواتي امتهنّ الطرب في زمن كان فيه من الصعب على المرأة أن تظهر للعيان، فأحرى أن تطربهم.
ولدت منانة بمدينة تطوان سنة1921، ونشأت وسط أسرة يغمرها الفن، فوالدها هو الفنان محمد الخراز، الذي كان من منشدي الزاوية العيساوية، والذي لم يمنع ظهور ابنته رفقة أفراد فرقته، قبل أن يدفع بها نحو نواة المعهد. هناك تلقت منانة دروس الموسيقى على يد كبار الموسيقيين بتطوان، وفي بيت محمد بن البشير الريسوني وعلى يد عبد السلام الصباح، خصوصا في مادة العزف على العود، والذي سيصبح زوجها.
في سنة 1956 التحقت منانة بالمعهد الموسيقي بتطوان، أستاذة للعزف على العود، ولعبت دور ملقنة للطرب الأندلسي على مدى 25 سنة. وخلال هذه الفترة، تتلمذت على يدها مجموعة من الفنانات التطوانيات على غرار الزهرة أبطيو وعالية المجاهد، قبل أن تتخصص في نظم الأغاني الشعبية والوطنية، بل كانت تعد لها الكلمات والألحان بنفسها، ومازالت هذه الأغاني تغنى على المستوى المحلي والوطني، دون الإشارة إلى اسمها، كما قالت ابنتها الإعلامية شفيقة الصباح في تأبينها.
حين تعرف عبد السلام الصباح الشهير بلقب «السعيدي»، على منانة، وافق على مطلب والدها المتمثل في استمرارها مطربة وعازفة، وعدم مصادرة طموحها الفني، وهو ما استجاب له، إذ منحها تأشيرة تنشيط مجموعة من السهرات سواء داخل المغرب أو خارجه، وغالبا ما كان يرافقها في العزف على العود إن بالاستشارة أو التنظيم، حين تعتمد على جوق نسائي خالص، فضلا عن أنه أشرف على أشهر جولة لها، والتي توجت بالظهور في مسرح «الأوبرا» في فرنسا مطلع الاستقلال.
كان عبد السلام حافظا للقرآن الكريم، وبسبب حداثة زواجه بمنانة، رفض عرضا للسفر إلى المشرق العربي، ضمن بعثة ثقافية وفنية، إذ كان اسمه ضمن المقبولين لدراسة الموسيقى في مصر وسوريا، إلا أن حبه الشديد لمنانة جعله يصرف النظر عن العرض.
هذا ويجمع الباحثون في تاريخ الطرب الأندلسي شمال المغرب، على أن عبد السلام كان يؤمن بأن الغناء غذاء للروح، وكان يدعو زوجته للغناء في أعراس الفقراء أيضا، دون أن تتقاضى عن ذلك أجرا، ويروى عنه إصراره على تقديم دروس لفائدة الأيتام والمعوزين من نزلاء الجمعية الخيرية الإسلامية بشكل تطوعي، سواء في مقر «الخيرية» أو في المعهد الموسيقي، وكانت زوجته من أوائل تلاميذه.
عاشت منانة وعبد السلام في وسط فني، بل إن الأسرة رزقت في سنة 1941 بمولودة زادت المكان دفئا، أطلق عليها اسم «شفيقة»، التي تتمتع، على غرار والدتها، بصوت حسن، وإتقان الضرب على العود، بل إنها ظلت ترافق والدتها والمغنيات في كثير من الحفلات، وفي طفولتها غنت قطعا من الطرب الأندلسي.
وعلى الرغم من حسه الفني المرهف، فإن عبد السلام كان يرفع درجة التأهب داخل البيت كلما لاحظ أن زوجته منانة تدفع بأبنائها إلى الانضمام إلى الجوق النسوي، بل كان يحرص على مرافقة أبنائه إلى المدرسة، خاصة في مرحلة الثانوي التي كان يرابط فيها أمام ثانوية «خديجة أم المؤمنين» بتطوان، لمرافقة فلذات كبده إلى البيت، ودفع بهم إلى تعلم اللغات مبكرا. ففضلا عن اللغتين العربية والإسبانية، كان عبد السلام يدعم أبناءه في اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وهو ما مكن كبرى بناته «شفيقة الصباح» من ولوج الإذاعة الوطنية سنة 1964، حيث أسندت لها مهمة الإشراف على برنامج موجه إلى موريتانيا وإفريقيا والصحراء، إلى جانب ممارسة عملها مذيعة ومنتجة برامج. إلا أن الوالد ضاق درعا بالفراق، فتدخل لدى مدير الإذاعة لدعم انتقال شفيقة إلى طنجة، وتحديدا إلى إذاعتها الجهوية غير بعيد عن الأهل والأحباب.
تناوبت النكبات على أسرة منانة وعبد السلام، ففقدت معيلها وزوجته، قبل أن تغادر شفيقة الحياة الدنيا في العام الماضي، عن عمر يقارب 74 سنة، وبوفاتها ضاع كثير من أرشيف هذه الأسرة الفنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى