شوف تشوف

شوف تشوف

عندما يهدد التعليم الخاص بالإضراب 2.2

لسان حال أرباب مدارس التعليم الخصوصي يقول بوضوح «دعونا نشغل من نشاء بالشروط التي نشاء ودون أن نعطيه أي حق صحي أو اجتماعي، وعليكم أيضا أن تعطونا امتيازات ضريبية وإعفاءات، وأيضا أن تعفونا من صندوق الضمان الاجتماعي، بل وعليكم أيضا ألا تسمحوا للأجانب بأن يزاحمونا، بل وحتى المؤسسات العمومية الكبرى عليها أيضا ألا تستثمر في القطاع، بل دعونا لوحدنا نغتني، وإلا فأنتم لا تفهمون شيئا في معنى الشراكة، ولا تفهمون شيئا في التضحيات الجسيمة التي نقدمها للوطن».
الوجه الآخر لهذا الوضع الكارثي، وهو وجه مسكوت عنه، هو تزامن منع وزارة الداخلية لمدارس تابعة لفتح الله غولن مع الدعوة إلى هذا الجمع العام لأرباب مؤسسات التعليم الخاص، والسؤال هو لماذا الاحتجاج في هذا التوقيت بالذات؟ لماذا ظلت الرابطة صامتة طوال خمس سنوات؟ أليس غريبا أن يكون عبد الهادي زويتن شريك بنكيران إلى جانب قادة آخرين كالراحل عبد الله بها في مدارس خصوصية كثيرة في القنيطرة وسلا هو الذي يتزعم هذا الاحتجاج؟ أليست هناك علاقة بين حرص بنكيران على الحصول على حقيبة المالية و150 مليارا التي تدين بها مديرية الضرائب لمؤسسات التعليم الخاص؟
فزويتن الذي يشتكي اليوم من تشغيل ألفين من مستخدمي المدارس الخاصة من طرف الأكاديميات، هو نفسه زويتن الذي تخلى عن تشغيل العشرات من الشباب في مدينة القنيطرة، والذين تم تكوينهم في مركز تكوين الأساتذة هناك، بحجة «عدم الكفاءة»، ولا تزال حتى الآن عشرات الشكايات التي وضعها هؤلاء في «الأنابيك» وعمالة القنيطرة بسبب هذا «المقلب»، ولحسن حظ أغلبهم أنهم تمكنوا من الحصول على وظيفة في القطاع العام، وهو أيضا نفسه زويتن الذي كان إلى جانب بنكيران عند انطلاقة مشروع تكوين عشرة آلاف مدرس موجهين للتعليم الخاص، وكان رئيس الحكومة يذكر اسمه مرارا في كلمة ألقاها في هذه المناسبة، باعتباره «نموذجا ناجحا» للاستثمار الخاص في التعليم، لكن هذا النموذج الناجح لم يلتزم بتعهداته بتشغيل هؤلاء، ليجدوا أنفسهم أمام البطالة، في عملية تشبه كثيرا مقلب «النجاة» التي تورط فيها عباس الفاسي، إذ من بين عشرة آلاف متخرج تم تشغيل ما يقل عن سبعين منهم فقط بشروط أقل ما يقال عنها أنها عبودية.
هكذا تتضح معالم الجريمة التي ارتكبها حزب العدالة والتنمية في حق التعليم في هذا البلد، حيث عمل على تكريس مشاكل التعليم العمومي بتقليص ميزانيات الاستثمار في القطاع بشكل متوال على مدى خمس سنوات، ورافقت ذلك خرجات متوالية لرئيس الحكومة يدعو إلى خوصصة التعليم، كل هذا لدفع الأسر المغلوبة على أمرها نحو التعليم الخاص الذي يسيطرون عليه، معتقدين أن حصولهم على السلطة سيمكنهم من توظيف نفوذهم فيها بإلغاء الضرائب والتغاضي عن التزامات صندوق الضمان الاجتماعي والتغاضي عن الظروف المزرية للتشغيل، لكن لحسن حظ هذا الوطن أن بعض مؤسسات الدولة نجت من «تحكمهم»، لذلك تم إجبارهم على دفع عشرات الملايير التي ظلوا يكتنزونها من أجل الخزينة العامة.
إن علاقة قياديي حزب العدالة والتنمية مع التعليم الخصوصي هي علاقة قديمة، حيث كانوا من أوائل الذين انتبهوا إلى مناخ الريع الذي يترعرع فيه، لذلك كانوا السباقين إلى اكتساح مدن بأكملها، بل واحتضان النموذج التركي تماما كما احتضنوا هذا النموذج في السياسة، فعندما بدأ نموذجهم التركي في التحكم في مقاليد الدولة التركية، كان التعليم إحدى واجهات التحكم في عقول المواطنين، حيث عمل أستاذ أردوغان، فتح الله غولن، على خلق العشرات من المدارس والجامعات في تركيا، قبل أن يعمل على خلق العشرات منها في أغلب الدول العربية والإسلامية، وهي مدارس تعمل كلها وفق منهج وفكر غولن، والذي يؤمن بأن السيطرة على النظام السياسي تتم بالسيطرة على عقول المواطنين، وكان المغرب إحدى هذه الدول، حيث استغل إخوان بنكيران مناخ الانفتاح السياسي الذي عرفه المغرب أواخر التسعينات، ليسيطروا على حزب الخطيب، وعندما غيروا اسم حزب الخطيب إلى العدالة والتنمية كان نموذج غولن أمام أعينهم، إذ إن سبيل الحصول على السلطة يتم عبر التعليم، فسارعوا إلى مساعدة غولن على الاستثمار في المغرب، وتكفلوا هم بإدارة هذه المدارس، مستفيدين من الهالة الإعلامية التي خلقها أردوغان دوليا.
لكن انقطاع حبل الود بين أردوغان وغولن سنة 2013، جعل مدارس هذا الأخير موضوع استهداف من طرف السلطات التركية داخليا وخارجيا، وقد استفحل الأمر أكثر بعد المحاولة الانقلابية الأخيرة هناك، والتي شكلت إعلانا عن طلاق نهائي بين الأستاذ الداعية وتلميذه السياسي، ليجد إخوان بنكيران أنفسهم بين نارين، نار أن يتخلوا عن الملايين التي تجلبها لهم هذه المدارس أو يلتحقوا بجناح أردوغان، لذلك حاولوا مرارا النأي بأنفسهم عن هذا الخلاف الدموي بين هذين الشخصين في تركيا، لكن قرار وزارة الداخلية توقيف هذه المدارس أنهى لعبهم على الحبلين التركيين، لذلك فهذا بالنسبة إليهم خسارة كبرى.
وإذا أضفنا إلى هذا المراجعات الضريبية وملايير صندوق الضمان الاجتماعي التي توصلوا بها، فإن هذا يعني ببساطة أن هؤلاء أصيبوا في جوهر تجارتهم المربحة، وزاد من يأسهم أن حقيبة التعليم لن تكون من نصيبهم ولو انشق القمر، لذلك من الطبيعي أن يتناسوا في غمرة الخسارات المالية الفادحة التي منوا بها أنهم حكموا لمدة خمس سنوات وسيحكمون مرة أخرى لخمس سنوات قادمة، ولبسوا قبعة المعارضين المتضررين والذين يهددون بالإضرابات في قطاع التعليم الخاص وطرد أبناء الشعب إلى الشوارع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى