شوف تشوف

الرأي

غابات تتلون حسب درجات القتل

لا شيء يمر دون أن يُـحدِث صوتا في ذاكرتنا، فما بالك بالأشياء التي تُـحدِث ألما مضاعفا قد لا يندمل أبدا،ـ وهذه حكاية سردتها لي شابة لي أثناء لقائي بها جعلتني أتساءل: كيف وصلنا إلى هذه المحنة؟ كيف صرنا كائنات مفترسة لا قلب لها؟ تقول الحكاية: كانت جودي شابة مقبلة على الحياة، تدرس الهندسة المدنية، وكانت رومانسية جدا لدرجة أنها تتأثر بسرعة لمن يهتم بداخلها المتشظي، كان الفراغ القاتل يقضمها خاصة مع تفرغ أسرتها لمراكمة الثروة، إلى أن صارت تبحث تحت هاجس النقص عن أي كائن جميل محتمل يعوض نقصها الرهيب؛ ولأنها كانت تعلي من قيمة روحها، كانت تخاف من ذئاب الحديقة المفترسة الذين يمدحون تضاريسها الخارجية بصوت جهوري مقرف، وهي التي تحمل ثقوبا في كيانها الباطني. تعلقت جودي بطبيب يكبرها بعقدين، كانت ترى فيه طبيب روحها، وتوهم نفسها في لحظات التجاهل القاسية بأنه إنسان مشغول، ويتوجب عليها أن تزيد من درجات اهتمامها حتى وإن كان قانون اللاحب يعاقب عليه.. ولأنها كانت ترى فيه خلاصها كانت تفكر في أن تساعده ليحارب إدمانه الكحول، وفتيات «الكونطوار». كان حبها مفخخا ببعض القبل الخاطفة على متن السيارة. صار هو عالمها، واندثرت شخصيتها أمامه. بدأت جودي تسأل عن طبيبها المتخصص في قنص كل شيء، إلى أن اكتشفت كل أشكال الأقنعة التي يتفنن في ارتدائها. جودي لم تتوقع أن القناص الطبيب سيطلق رصاصة غدر في قلبها؛ حيث رأت أن الرجل-العربي-تُبَّانِي الهوى حتى وإن دخل العُشَّ، تفاجأت، وبعد سنوات من الانتظار، أن طبيب قلبها سيتزوج من طبيبة قلبه الأخرى بقناع آخر تناسب سنه ووضعه وأحلامه التي لربما لا ترتبط بالعيش المشترك بقدر ما ترتبط بالتخلص المريح من تبعات اجتماعية كثيرة يمارس فنونه الحربية في أكل أرواح العذراوات، ورميهن بالتقسيط المريح إلى الشارع، ولربما ليعرض عليهن إجراء عمليات بالتقسيط المريح.
تركها وحيدة تأكل «كبدة» القلب، وتكره معها كل الرجال، وتدخل في هستيريا جنونية لدرجة الاكتئاب الحاد، هذا أول درس في الحب. جودي بكت وحكت لي حرقتها، بعدما تماثلت للشفاء، وصار وزنها بحجم الأرض، وفقدت طراوة الحياة في عينيها، وصارت تضاريسها تحمل لعنة تطاردها نظرات الشفقة والقتل العمد. تتحاشى كل شيء، تكره كل ما يحيط بها، لن أستطيع أن أصور جرحها بسبب رجل تبَّاني مخادع، بل تجعل كل من يمارس هذه القيم محط إعجاب باعتباره ذكاء. إن نظرة الرجل-التبان إلى المرأة تصبح اختزالا صريحا ومكشوفا لإنسانيتها في تضاريسها سواء أكانت مستترة أو علنية، وهنا يصير العالم أشبه بغابات تتلون حسب الرغبة في درجات القتل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى