الرأي

فندق رواندا

حل المنتخب المغربي للمحليين بمدينة كيغالي عاصمة رواندا، للمشاركة في نهائيات كأس إفريقيا. وفرت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم طائرة خاصة للبعثة المغربية ومنحا خاصة للاعبين، وامتيازات استثنائية للطاقم التقني.
قبل الإقلاع صوب رواندا، استقبل رئيس الجامعة ورئيس العصبة الاحترافية والكاتب العام للجامعة وسائق كل فرد من هؤلاء، لاعبي ومدربي المنتخب المحلي، وتلوا على مسامعهم نفس الرسالة التي تليت على منتخب الزاكي قبل سفره الأخير إلى غينيا الاستوائية، ففي الخطب يستوي الجميع ويصبح اللاعبون سفراء للوطن من حيث لا يحتسبون، رغم أن المغرب لا يملك سفارة في كيغالي.
رافق بعثة المنتخب نفر من الصحافيين، تكفلت الجامعة بنقلهم إلى كيغالي على نفقتها، شريطة عدم الاختلاط باللاعبين والمدربين والمدلكين والإداريين والمكلفين بالأمتعة. حين وصلت الطائرة إلى مطار العاصمة الرواندية قيل للصحافيين انتشروا في أرض «الهوتو» الواسعة مع توصية بعدم الاقتراب من الفندق الذي يقيم فيه المنتخب وضربوا لهم موعدا بعد انتهاء تعبئة الانتصارات.
شاءت الصدف الماكرة أن يقيم المنتخب المغربي في فندق رواندا الشهير، الذي يحمل اسم فيلم يكشف عن جرائم القتل البشعة التي وقعت في رواندا في تسعينيات القرن الماضي، ومذابح «الهوتو» لـ«التوتسي». في هذا الفندق يستنشق اللاعبون كل صباح رائحة الموت الراقدة في ثناياه، ويلعب فاخر دور الجنيرال الذي واجه مقاتلي «الهوتو» بالحيلة والخديعة وهو يرسل أمره اليومي «اربطوا الأحزمة، البسوا الخوذات وادخلوا بأرجلكم اليمنى آمنين»، لكن لا أحد يستطيع أن يتكهن بآخر المشوار، ولا أحد من المدربين الذين تعاقبوا على تدريب المنتخب المغربي نال رضا المغاربة، ليبدأ التفكير من الآن في استيراد مدرب من جمهورية الصين، لذا يبدو من العبث الحديث عن المحاسبة في بلد لا توجد فيه محاسبة إلا في المدارس العليا للتجارة والتدبير.
في كيغالي يمكنك أن تشاهد الماء والجفاف معا، أن تلمس الخصب والجدب معا، أن تسافر إلى منابع النيل وإلى جانبهما الفقر والمرض يتعايشان. هناك كنت يوما في سالف العصر والأوان أقضي الساعات إلى جانب زملائي بحثا عن صبيب الأنترنيت الخجول، وقبعة تقي الرأس من شمس لا فرق بينها وبين «السيشوار».
لا يعترف الاتحاد الدولي لكرة القدم بهذه البطولة الإفريقية، ربما لأنها غير دسمة، ولا تحظى بالاهتمام الإعلامي الكافي، بل إن المشاركة فيها ليست إلزامية، لكنها تضع كرتنا في الميزان أمام المنتخبات الإفريقية الراسخة في الكرة، وتجعل بطولتنا التي تسمى احترافية في مواجهة لبطولات هاوية، وما أقسى خسارة المحترف أمام الهاوي، لقد أقنعتنا لجنة المنتخبات بأن كأس إفريقيا للمحليين فرصة لتأكيد «نباهة اللاعب المغربي وحسن تفكيره، واستعمال «مخه» في الكرة. صدقنا كلام المسؤولين رغم إيماننا العميق بأننا الشعب الوحيد الذي يستعمل المخ في المقالب وفي السندويتشات.
ما يجهله رئيس بعثة المنتخب المغربي، هو الشق السياسي للرحلة، فرواندا ظلت حليفا استراتيجيا للبوليساريو، وفي كيغالي يوجد «كراج» يسمى سفارة يشرب فيها «سفير» الكيان الانفصالي الشاي الأسود، ويبيع مساعده أمامها فواكه استوائية، بينما لا توجد تمثيلية دبلوماسية مغربية.
ظلت الجزائر حاضرة في مراسيم إحياء ذكرى الإبادة الجماعية لسنة 1994، حيث لا يتردد الجيران في استعارة الحسرة والألم واستئجار تقاسيم الحزن في منصة ملعب أماهورو بالعاصمة، حين يلقي الرئيس الرواندي بول كاغامي خطبه المهيجة، يلعن فيها الفرنسيين ويلقي باللائمة على الأوربيين، ويعيد تذكير الروانديين بالمجزرة الرهيبة، فيبتلعون فقرهم.
زار رئيس رواندا، مؤخرا، مدينة طنجة في إطار ملتقى ميدايز، فألقي عليه القبض من طرف رئيس جهة طنجة تطوان الحسيمة، وغسل مخه بالماء والكافيار، وقبل أن يغادر عاصمة البوغاز، أعلن توبته وقرر تغيير الموقف الرواندي من قضية الصحراء وأصدر قرارا يسحب اعترافه بالجمهورية الصحراوية الوهمية. عبدت هذه المبادرة الطريق للمنتخب الذي يجب أن يلعب دوره الدبلوماسي، ويحقق الانتصارات التي ستجعل النظام الحاكم يعيد ترتيب أوراقه، فالمهمة تعني وزارة الخارجية أيضا ولا يمكن اختزالها في مشاركة قارية كروية، يتحول الإقصاء فيها إلى فرصة للذين تعذر عليهم حج بيت الله الحرام، لرمي الجمرات في مطار محمد الخامس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى