شوف تشوف

فيل في مملكة من فخار (2/2)

وسط كل هذه «الفوضى الخلاقة» بتعبير فأرة البيت الأبيض كوندوليزا رايس، أصبحت المملكة العربية السعودية كجزيرة معزولة وسط تسونامي عات لا يقهر من الثورات والحروب المدمرة.
ويبدو اليوم أن نبوءة ديك تشيني قد تحققت وأصبحت الفاكهة ناضجة وجاهزة للجني ولا يلزمها سوى طلقة الرحمة.
فأمريكا ربحت على كل الجبهات، فقد تقاضت أثمان ما يكفي من صفقات بيع الأسلحة للسعودية التي تعاني اليوم من انخفاض حاد في أسعار النفط، الشيء الذي سيؤدي إلى إفلاس قريب لخزينة الأموال السعودية والتي وجدت نفسها على آخر أيامها تقترض في السوق الدولية.
ولإكمال الدائرة ضد المملكة العربية السعودية تتم مطالبتها بقيادة التحالف لمكافحة الإرهاب، في حين أن البلاد لديها 10 ملايين من الفقراء وما يقرب من 200 مليار دولار من العجز في ميزانيتها!
وطبعا ليس قرار الرياض، بضغط أمريكي- فرنسي، السماح للمرأة بالترشح للانتخابات المحلية مع ممثلتين اثنتين في مكة المكرمة، هو ما سينجي المملكة من التسونامي القادم. فلا شيء سيوقف الآلة الجهنمية التي تحركت تحت أقدام المملكة منذ خمس عشرة سنة ولم تشعر الأسرة الحاكمة بهدير محركاتها إلا مع فصل رأس القيادي الشيعي نمر النمر.
إن ما يحدث للسعودية اليوم ليس سوى نهاية طبيعية لمسلسل «لعبة العروش» التي انطلقت مع تدمير الجيوش العربية القوية التي كانت تحيط بالسعودية وتهدد أمن إسرائيل.
وقد كانت الخطة هي تفتيت الجيش العراقي البعثي، أحد أقوى الجيوش العربية عقيدة عسكرية، وقد تمكنوا من ذلك.
ثم حاولوا مع الجيش السوري ذي المرجعية البعثية أيضا، ومازالوا منذ أكثر من ثلاث سنوات يحاولون، بلا نتيجة.
وقد كانت الخطة في مصر هي إحكام تنظيم الإخوان المسلمين سيطرتهم على الجيش المصري لتطبيق الخطة الأمريكية، والتي بموجبها تمنح الحكومة المصرية جزءا من صحراء سيناء للفلسطينيين لإنهاء تواجدهم في فلسطين، لكن الخطة فشلت، فاكتفت إسرائيل من الكعكة بسد النهضة الذي سيمنحها حق التصرف في مياه النيل انطلاقا من إثيوبيا قاعدتها الخلفية في إفريقيا، وهو السد الذي تبرع الملياردير العامودي، صاحب «سامير» المتوقفة بسبب الديون، من أجل بنائه بمبلغ 88 مليون دولار.
والواقع أن موقف إيران من إعدام نمر باقر النمر، بغض النظر عن مدى عدالة الجهة التي أصدرته من عدمها، يظل مثيرا للانتباه، فالأمر في نهاية المطاف يتعلق بمواطن سعودي أعدمه نظام سعودي، وليس لإيران أن تحتج بتلك الطريقة العدائية فقط لأن القيادي الذي أعدم شيعي الطائفة، خصوصا وأن إيران ليس لها ما تغبط السعودية عليه في ما يخص الإعدام، فقد نفذت طهران سنة 2014 ما مجموعة 289 حكما بالإعدام متفوقة على السعودية التي نفذت 90 حكما بالإعدام.
فهل مثلا لو فعل شيعي مغربي ما يستوجب إصدار حكم الإعدام فيه ستحتج إيران على المغرب وتتوعده بالعقاب الإلهي، فقط لأن المدان شيعي؟
ونحن هنا لسنا في موطن الدفاع عن السعودية، لاقتناعنا التام أن العدالة السعودية غير مستقلة وأن نظام البلد غير ديمقراطي، لكننا مقتنعون أن المملكة تدفع ثمن تمويلها للحرب بتفويض أمريكي على إيران بواسطة عراق صدام حسين، ثم تمويلها للحرب على صدام بعد غزوه للكويت، وإسقاط النظام العراقي وإعطاء بلاد الرافدين هدية لملالي طهران.
إن ما يحدث حول بلاد الحرمين الشريفين من مؤامرة كبرى يدفعنا إلى إعادة الاستماع إلى ما قاله أوباما عندما نصح السعودية بمعالجة أوضاعها الداخلية لأن الخطر لم يأتها من الخارج كما تعتقد بل من الداخل تحديدا.
لذلك فالهدف الآن هو إشعال الوضع في الداخل السعودي عبر دفع إيران بشيعة المملكة إلى الانتفاضة ضد النظام الحاكم بعد إعدام النمر، وخصوصا في المناطق الشيعية حيث تنتج الشركات النفطية الثروة، التي تظل تلك المناطق محرومة من عائداتها.
والنتيجة اليوم أن السعودية، بسبب سياساتها الفاشلة، محاطة بجيران إما معادين لها أو مدمرين بالكامل، مما يعني أن خطة عزل المملكة نجحت، كما أن خطة إنهاكها اقتصاديا نجحت أيضا بسبب وقوع المملكة في فخ خفض أسعار النفط من أجل سواد عيون أمريكا التي كانت تبحث عن إنهاك القيصر الروسي.
لقد وثق حكام المملكة بشكل أعمى في الحليف الأمريكي، متناسين أن الولايات المتحدة الأمريكية ليس لها أصدقاء بل كل ما لديها مصالح ولا شيء آخر سوى المصالح.
ومصلحة الولايات المتحدة الأمريكية اليوم تقتضي التحالف مع العالم الإسلامي الشيعي، وذريعتها الوحيدة لتبرير ذلك أنه في نهاية المطاف بين كل الانتحاريين الذين يفجرون أنفسهم في مناطق متفرقة من العالم، لن تعثر على شيعي واحد، فكل الأشلاء المتناثرة في التفجيرات الإرهابية هي لمسلمين سنة.
وحسب القراءة الأمريكية، فالإسلام السني الوهابي المتشدد، الذي تمارسه وتسوقه وترعاه المملكة العربية السعودية، هو أصل كل الإرهاب الذي يضرب العالم اليوم، وهو البذرة التي أعطت «داعش».
وهذا طبعا حق أريد به باطل، فالولايات المتحدة الأمريكية والغرب يتحملان أيضا مسؤولية خروج مارد «داعش» من قمقمه، فإذا كانت المملكة قد وفرت مليارات الدولارات من أجل تمويل غزو العراق، فإن أمريكا وحلفاءها الغربيين هم من وضع الخطط وأعطى التعليمات والأوامر.
لكن لسوء الحظ التاريخ يكتبه الغالبون ولا أحد هناك ليشهد للمهزوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى