دين و فكر

قبسات من القرآن الكريم

ذكر القرطبي في قوله تعالى (فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا) أن العبد هو الخضر عليه السلام في قول الجمهور، وبمقتضى الأحاديث الثابتة. وخالف من لا يعتد بقوله، فقال: ليس صاحب موسى بالخضر بل هو عالم آخر. وحكى أيضاً هذا القول القشيريّ، قال: وقال قوم هو عبد صالح، والصحيح أنه كان الخضر؛ بذلك ورد الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال مجاهد: سمي الخضر لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله. وروى الترمذيّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما سُمّي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء) هذا حديث صحيح غريب. الفروة هنا وجه الأرض؛ قاله الخطّابي وغيره. والخضر نبيّ عند الجمهور. وقيل: هو عبد صالح غير نبيّ، والآية تشهد بنبوّته؛ لأن بواطن أفعاله لا تكون إلا بوحي. وأيضاً فإن الإنسان لا يتعلم ولا يَتَّبع إلا من فوقه، وليس يجوز أن يكون فوق النبيّ من ليس بنبيّ. وقيل: كان مَلَكاً أمر الله موسى أن يأخذ عنه مما حمله من علم الباطن. والأوّل الصحيح؛ والله أعلم. وأشار أبو السعود إلى أن التنكير هنا للتفخيم والإضافةُ للتشريف، أي أن التنوين في «عَبْداً» للتفخيم والإضافة في «عِبَادِنَا» للتشريف والاختصاص أي عبداً جليل الشأن ممن اختص بنا وشرف بالإضافة إلينا، كما في تفسير روح المعاني.
وقال شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في شرحه على البخاري في كتاب العلم: «واختلف في الخضر أهو نبي أو رسول أو ملك أو ولي؟ والصحيح أنه نبي. واختلف في حياته، والجمهور على أنه حي إلى يوم القيامة لشربه من ماء الحياة». وذكر الصاوي في حاشيته: والجمهور على أنه حي إلى يوم القيامة لشربه من ماء الحياة، يجتمع به خواص الأولياء ويأخذون عنه، وقد اجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ عنه فهو صاحبي.
وأورد الألوسي أن من العلماء الذين ذهبوا إلى وفاة الخضر هم: البخاري وابن تيمية وإبراهيم الحربي وشرف الدين المرسي وأبو الحسين المنادي. ومن أهم ما استدلوا به الحديث النبوي في صحيح البخاري «لا يبقى على رأس المائة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد». ثم أردف قائلا: وذهب جمهور العلماء إلى أنه حي موجود بين أظهرنا وذلك متفق عليه عند الصوفية قدست أسرارهم، قاله النووي، ونقل عن الثعلبـي المفسر أن الخضر نبـي معمر على جميع الأقوال محجوب عن أبصار أكثر الرجال. وقال ابن الصلاح: هو حي اليوم عند جماهير العلماء «والصالحين» والعامة معهم في ذلك – وإنما ذهب إلى إنكار حياته بعض المحدثين – واستدلوا على ذلك بأخبار كثيرة: منها ما أخرجه الحاكم في «المستدرك» عن جابر قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمع الصحابة دخل رجل أشهب اللحية جسيم صبيح فتخطى رقابهم فبكى ثم التفت إلى الصحابة فقال: إن في الله تعالى عزاء من كل مصيبة، وعوضاً من كل فائت، وخلفاً من كل هالك، فإلى الله تعالى فأنيبوا، وإليه تعالى فارغبوا، ونظره سبحانه إليكم في البلاء فانظروا، فإنما المصاب من لم يجبر. فقال أبو بكر وعلي رضي الله تعالى عنهما: هذا الخضر عليه السلام.
وفي تفسير قوله تعالى «آتيناه رحمةً من عندنا» قال ابن عجيبة: هي الوحي والنبوة، كما يُشعر به تنكير الرحمة، وإضافتها إلى جناب الكبرياء. وقيل: هي سر الخصوصية، وهي الولاية. «وعلَّمناه من لَّدُنَّا عِلْمًا» خاصًا، لا يكتنه كُنْهه، ولا يُقدر قدره، وهو علم الغيوب، أو أسرار الحقيقة، أو علم الذات والصفات، علمًا حقيقيًا. وقوله تعالى «وعلّمناه من لدُنَّا علمًا»، العلم اللدني: هو الذي يفيض على القلب من غير اكتساب ولا تعلم، قال عليه الصلاة والسلام: « من عَمِلَ بِمَا عَلِمَ أَوْرَثَهُ اللهُ علمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» وذلك بعد تطهير القلب من النقائص والرذائل، وتفرغه من العلائق والشواغل، فإذا كمل تطهير القلب، وانجذب إلى حضرة الرب، فاضت عليه العلوم اللدنية، والأسرار الربانية، منها ما تفهمها العقول وتدخل تحت دائرة النقول، ومنها ما لا تفهمها العقول ولا تحيط بها النقول، بل تُسلم لأربابها، من غير أن يقتدى بهم في أمرها، ومنها ما تفيض عليهم في جانب علم الغيوب؛ كمواقع القدر وحدوث الكائنات المستقبلية، ومنها ما تفيض عليهم في علوم الشرائع وأسرار الأحكام، ومنها في أسرار الحروف وخواص الأشياء، إلى غير ذلك من علوم الله تعالى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى