شوف تشوف

الرأي

قراءة في تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول الجبايات المحلية

أصدر المجلس تقريرا موضوعاتيا حول الجبايات المحلية، يبين فيه الاختلالات العميقة التي تعرفها منظومتنا الجبائية المحلية، وأهم النقط السلبية التي تجعل هذه المنظومة غير قادرة على لعب دورها على النحو المطلوب. في حين أننا مقبلون على جهوية متقدمة، لن تستقيم إلا بموارد مالية تساهم في تحقيقها لأهدافها. وفي ظل ما تعرفه المنظومة الجبائية المحلية من مشاكل، لاشك أنها ستؤثر بشكل كبير على الموارد المالية المتأتية من الجبايات المحلية، وستساهم لا محالة في إعاقة النمو الحقيقي والهدف الأسمى للجهوية المتقدمة، مما وجب معه إصلاح القوانين المحلية حتى ترقى لما هو مأمول وما هو مسطر ومرتقب.
ويقصد بالنظام الجبائي المحلي مجموعة الضرائب والرسوم المستحقة لفائدة الجماعات المحلية وهيآتها، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أي تلك التي يرجع حق استخلاصها للجماعات الترابية بواسطة إداراتها الجبائية مباشرة من لدن الملزمين بأدائها، أو تلك المحولة لفائدتها من طرف الدولة. وإذا كانت الضريبة اقتطاعا نقديا جبريا نهائيا يتحمله الملزم بأداء الضريبة وفقا لمقدرته التكليفية، مساهمة في الأعباء العامة، وذلك وفقا لنص الفصل 39 من دستور 2011، فإن الرسم يعتبر بمثابة اقتطاع نقدي بواسطة الدولة أو الهيآت المحلية يدفعه جبرا، مقابل نفع خاص يحصل عليه.
ويعتبر القلب النابض للجبايات المحلية القانون رقم 47.06، الذي يتضمن مختلف الرسوم المستحقة لفائدة الجماعات الحضرية والقروية، والبالغ عددها إحدا عشر رسما، نصت عليها المادة 2 من هذا القانون إلى جانب ستة رسوم أخرى خصصت لكل من العمالات والأقاليم والجهات، أي ما مجموعه سبعة عشر رسما. وأيضا القانون رقم 39.07 المتعلق ببعض الرسوم والحقوق والمساهمات والأتاوى المستحقة لفائدة الجماعات المحلية.
فهل استطاع التقرير الذي أصدره المجلس الأعلى للحسابات الإحاطة بجل النقط السلبية التي تعتري منظومتنا الجبائية المحلية؟ وما هي الحلول من أجل إصلاح منظومتنا الجبائية المحلية؟
الآليات المنهجية للتشخيص
جاء تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول الجبايات بمجموعة من الآليات المنهجية لتشخيص المنظومة الجبائية المحلية، قسم خلاله التقرير إلى ثلاثة أجزاء، ترك الجزء الأول منه كتقديم للجبايات المحلية، وذلك من خلال قراءة في مكونات هذه المنظومة وفي مداخيلها ما بين سنتي 2012 و2014، بما في ذلك حصتها من الضريبة على القيمة المضافة المحولة إليها من طرف الدولة، والتي بلغت سنة 2012 ما مجموعه 19.339 مليون درهم، أما في ما يتعلق بسنة 2013 فقد بلغت الموارد الجبائية نسبة 21.970 مليون درهم، أما سنة 2014 فقد بلغت هذه الموارد حد 20.232 مليون درهم بانخفاض واضح عن السنة التي قبلها، والتي كان سببها الرئيسي مجموعة من الاختلالات والمشاكل التي سنوردها في هذا المقال.
أما في ما يخص نسبة القيمة المضافة المحددة في 30 في المائة والمخصصة للجماعات الترابية، فقد بلغت سنة 2013 ما مجموعه 22.578 مليون درهم، مقارنة بسنة 2012 التي بلغت نسبة مداخيل الجماعات الترابية من هذه الضريبة 22.431 مليون درهم، وذلك وفقا لإحصائيات صادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية. وتبعا للتقرير، فقد ارتفعت حصة الضريبة على القيمة المضافة ضمن مجموع المداخيل الجبائية من 37 في المائة سنة 2009، إلى 43 في المائة سنة 2013. ومثلت حصة كل من الدولة والجماعات الترابية على التوالي 30 في المائة و13 في المائة من مجموع المداخيل الجبائية لسنة 2013. كما سجلت حصة الضريبة على القيمة المضافة العائدة إلى الجماعات الترابية من مجموع المداخيل ارتفاعا بلغ معدله السنوي 4.6 في المائة.
ويرتبط توزيع المداخيل الجبائية المتأتية من الضريبة على القيمة المضافة بآليات مختلفة محددة بواسطة الدورية رقم 49 بتاريخ فاتح يناير 1996، ومرتبطة في الغالب بحاجيات التمويل، تتوزع على الخصوص إلى إمدادات جزافية تهدف إلى تأمين نفقات التسيير، وإمدادات تسمى بالإمكانيات الجبائية وهدفها التقليص من الفوارق الجبائية بين الجماعات الترابية، وإمدادات خاصة بتنمية الموارد الذاتية بهدف تشجيع الجماعات التي تبذل مجهودات في مجال تحسين سقف استقلالها الجبائي. وتستفيد الجماعات الترابية أيضا في إطار ميزانية الاستثمار من دعم خاص يقتطع من منتوج الضريبة على القيمة المضافة، وهي إمدادات تهم بالخصوص الجانب المتعلق بنفقات التسيير والتجهيز.
في ما يخص الجزء المتعلق بالحكامة الجبائية المحلية، فقد بين التقرير تعدد المتدخلين في عملية تدبير الجباية المحلية، نجد من بين هؤلاء الجماعات الترابية والمديرية العامة للضرائب، والخزينة العامة للمملكة، والولاة والعمال الذين يمارسون اختصاصات في مجال الجباية، وأيضا المحاسب المختص التابع للخزينة العامة للمملكة، ووزارة الداخلية كذلك كوصي على قطاع الجماعات الترابية للمصادقة، أو اتخاذ قرارات جبائية.
كما حاول التقرير رصد الموارد المالية المرتقبة لفائدة الجهات، في ظل التنظيم الترابي الجديد الذي جاء به دستور 2011، طبقا للمادة 168 من القانون التنظيمي للجهات، حددت في 5 في المائة من منتوج الضريبة على الشركات (IS)، و5 في المائة من منتوج الضريبة على الدخل (IR)، و4 في المائة من منتوج الضريبة على القيمة المضافة (TVA)، و50 في المائة من منتوج الرسم المفروض على عقود التأمين، و50 في المائة من واجبات التسجيل والتنبر، و50 في المائة من منتوج الضريبة الخصوصية السنوية على السيارات، وحسب التقرير وبالعودة إلى ما تم تحقيقه خلال سنة 2014 وإلى توقعات سنة 2015 بخصوص الضرائب والرسوم المعنية، يتبين أن الموارد الجبائية الإضافية التي سيتم تخصيصها للجهات تقدر بما يناهز 14 مليار درهم.
تشخيص الجبايات المحلية
في ما يخص الجزء الثاني من التقرير المتعلق بتشخيص الجبايات المحلية، جاء فيه أنه لابد من إيجاد إطار قانوني مبسط، متناسق ومجتمع، فالجمع ما بين نظام جبائي محلي قائم على مبدأ الاستقلالية، وآخر يعتمد مبدأ التوزيع، الشيء الذي يؤدي إلى التكرار والرفع من الضغط الجبائي، مما يستوجب اتخاذ تدابير الدمج اللازمة من أجل التحكم في هذه المخاطر، ففي فرنسا مثلا بلغت نسبة الجبايات الذاتية 49 في المائة، بينما نسبة الجبايات المتقاسمة بلغت 6.5 في المائة، وفي السويد واللوكسمبورغ وهولندا وإيرلندا بلغت نسبة الجبايات الذاتية 100 في المائة، بينما استقرت نسبة الجبايات المتقاسمة في 0 في المائة. لذلك فنظامنا الجبائي المحلي، حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات، يفرز نظاما يتسم بتراكم أصناف الجبايات، وبمحدودية الوعاء الضريبي، مما يضفي عليه طابع التعقيد ويحد من مردوديته. وأيضا غياب دورية تطبيقية حول الجبايات المحلية، وخصوصا بالنسبة إلى الرسم المهني ورسم السكن ورسم الخدمات الجماعية، مما يمثل عائقا جديا يحد من التطبيق الأمثل لهذه الرسوم. كما أن بعض مقتضيات القانون 47.06 المتعلقة بالرسوم الثلاثة السابق الإشارة إليها، تحتاج إلى توضيحات من أجل تفادي حالات الغموض التي يمكن أن تؤثر سلبا على مردودية هذه الرسوم.
كما يسجل التقرير انعدام وحدة الاتجاه بين السياسة الجبائية للدولة وتلك المتعلقة بالرسوم المحلية. وعلى خلاف ضرائب الدولة الثلاث (الضريبة على الشركات، الضريبة على الدخل، الضريبة على القيمة المضافة) التي يخضع ملزموها لمراقبات جبائية (مراقبة في عين المكان)، لا تفرض على الأشخاص الخاضعين للرسم المهني أية مراقبة من هذا النوع. كما أن النظام المعلوماتي للمديرية العامة للضرائب لا يخصص للجباية المحلية سوى برامج عادية تقتصر على تحيين وإحداث الملفات الضريبية، وكذا تصفية واحتساب الرسوم وإصدار الجداول، خلافا لضرائب الدولة التي تخضع لنظام معلوماتي حقيقي ومندمج للفرض الضريبي. كما تعرف الجبايات المحلية تشتتا بين عدد من الرسوم التي تتسم بضيق وعدم تجانس وعائها، وبأنماط إصدار وطرق تحصيل معقدة ومتباينة.
مقترحات الإصلاح
في ما يخص الجزء الثالث المتعلق بتوصيات ومقترحات الإصلاح، أكد التقرير الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات ضرورة انسجام وفعالية النظام الجبائي المحلي، وفق مقاربة تدريجية تستدعي تقوية الموارد الجبائية الذاتية، وتوزيع ضرائب الدولة وفق معايير موضوعية، وتخصيص الموارد الجبائية المحولة وفق ضوابط تسمح بالحد من الفوارق بين الجماعات الترابية. وفي سياق الجهوية المتقدمة، فإن المجلس يوصي ببلورة منظور موحد للجبايات المحلية تتيح تنمية الموارد الجبائية اللازمة للجماعات الترابية، وتبسيط وتحقيق الانسجام والتركيز أكثر على النجاعة والعدالة والشفافية الجبائية التي من شأنها تسهيل انخراط الملزمين وتقوية تقبلهم للجبابات المحلية. كما أوصى التقرير بضرورة اعتماد منهجية تقوم على تدوين موحد للتشريع الجبائي، يضم في الوقت نفسه تشريعا خاصا بالدولة وآخر بالجماعات الترابية، ومراجعة بعض المساطر الجبائية قصد جعلها أكثر مرونة وبساطة وانسجام، وإيلاء الأولوية لنشر دورية تطبيقية للجبايات المحلية. كما يوصي المجلس بضرورة إعداد تقرير سنوي حول الجبايات المحلية يتضمن على الخصوص الإصلاحات الجارية، أو المرتقبة، وكذا إنجازات السنة المالية المعنية في ما يتعلق بالرسوم المحلية المدبرة من طرف الدولة، والمدبرة من طرف الجماعات المحلية والموارد المحولة، وإحداث لجنة مالية للجماعات الترابية تكون ذات بعد أفقي. إن ما يعاب على هذا التقرير توصياته السردية الاستقرائية غير العملية، في حين أنه كان لابد من ضرورة إيجاد حلول بديلة للمشاكل والمعيقات التي تعتري المنظومة الجبائية المحلية تكون ذات طابع تقني عملي واقعي تطبيقي، فقد استعان المجلس بخبراء في الميدان الجبائي ومسؤولين سامين بالإدارة المركزية لوزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد والمالية، لذا كان من المفروض أن يقترحوا حلولا واقعية وعملية ملموسة بدل نقط سطحية عابرة، كما أن التقرير لم يتحدث عن إصلاح شامل للمنظومة الجبائية، أو استبدال المنظومة القديمة التي تعتبر متجاوزة في ظل واقع ترابي جديد وجهوية متقدمة لا يفصلنا عن تطبيقها سوى أيام قليلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى