الرأيشوف تشوف

قضية عادلة ومحامون فاشلون

يجب أن نكون واقعيين وواضحين بخصوص قضية عزم السويد الاعتراف بالبوليساريو.
موقف السويد من المغرب معروفة منذ زمن طويل، وهو موقف يتناغم عموما مع مواقف الدول الاسكندنافية المتعاطفة بشدة مع البوليساريو والمطالبة بتقرير المصير لما تسميه الشعب الصحراوي.
دول أوربا الشمالية لديها موقف غير ودي من المغرب بسبب ملف الصحراء. وعوض أن تبادر الحكومة عبر وزارة الخارجية إلى تركيز حضورها الدبلوماسي في عواصم هذه الدول، نرى كيف أن الرباط تفتقر إلى سفير في السويد منذ سنوات.
والكارثة أن هذا الغياب الدبلوماسي لا يقتصر على السويد، بل يشمل سويسرا، القلب المالي والمصرفي لأوربا، والفاتيكان، العاصمة الدينية لمسيحيي العالم.
طبعا دون أن نتحدث عن افتقار المغرب إلى سفير في التشاد، وهو الغياب الفادح الذي تستغله الجزائر.
أما الكويت فمنذ أن تم استدعاء سفيرها ابن الجنرال الراحل بناني بسبب كارثة استقبال المعارضة الكويتية المكونة من برلمانيين ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين لسعد الدين العثماني عندما كان وزيرا للخارجية، لم يتم تعويضه بسفير آخر.
هناك اليوم أكثر من 25 سفيرا مغربيا لم يتوصلوا برواتبهم منذ أشهر، والسبب هو أنهم وصلوا سن التقاعد ومازالوا يشتغلون ولم يتم تعويضهم بعد.
وزير الخارجية وعد بتغيير سبعين بالمائة من القناصل، ثم انشغل بحملته الانتخابية وحمل البندير وذهب يرقص مع الراقصين بحثا عن أصوات لمرشحي حزبه، وكأن مشكلة السفارات تكمن في القناصل وحدهم وليس في السفراء الذين ينشغل كثير منهم بمشاريعهم الشخصية تاركين مشاكل الجالية جانبا، أما قضية الصحراء فالدفاع عنها وحشد الدعم لصالحها فهو آخر همهم.
السويد ليست لها مصالح اقتصادية في المغرب يمكن لي ذراعها بواسطتها، لذلك يبقى قرار توقيف شركة إيكيا السويدية عن افتتاح أول متاجرها خطوة رمزية لا تأثير لها في الدبلوماسية الاقتصادية.
وإذا كانت هذه السياسة قد نجحت مع فرنسا فلأن فرنسا لديها في المغرب شركات تابعة للسكك الحديدية الفرنسية، وشركة ألستوم وطاليس وكولاس ولافارج هولسيم وأورانج وفيوليا
والعديد من الشركات الفرنسية العملاقة التي تضررت بسبب تدهور العلاقات السياسية بين باريس والرباط.
وقد كان المغرب مضطرا لوضع النقط على الحروف في ملف التعاون القضائي بينه وبين فرنسا قبل الاستمرار في التعاون الاقتصادي، الذي يجب أن نقول إنه يصب في صالح الشركات الفرنسية العاملة بالمغرب والتي تستفيد من تسهيلات في تحويل أرباحها بالعملة الصعبة.
أما السويد فالمغرب بالنسبة لها ليس سوقا اقتصادية واستثماراتها عندنا تكاد تكون منعدمة.
وطبعا فالتساؤل الذي يطرح نفسه هو هل توقيف افتتاح محل إيكيا بالمغرب هو الرد الأنسب على موقف الأحزاب السويدية التي تدفع في اتجاه استصدار قرار بالاعتراف بالبوليساريو.
ولو أن القرار يخدم مصلحة كيتيا التي تهيمن على سوق أثاث التجهيزات المنزلية بمنتجاتها التي لا تكاد تمر شهرين على اقتنائها حتى تتبرقع.
وقد كان مثيرا للانتباه استباق كتائب إلكترونية لموعد افتتاح متجر إيكيا بحملة تنتقد غلاء سعر منتجات الشركة السويدية، وهي الحملة التي كانت تصب في صالح كيتيا ذات الأسعار المنخفضة، عملا بشعار “عند رخصو تخلي نصو”.
لذلك فإذا كان من مستفيد من عدم السماح لإيكيا بافتتاح متجرها فهي كيتيا، وتلك قصة أخرى.
ما يجب الانتباه إليه في هذا الصدد هو إمكانية وجود يد خفية وراء حملة السويد ضد المغرب في الآونة الأخيرة، خصوصا بعدما رفضت الدولة الخضوع لابتزاز الملياردير العامودي صاحب شركة سامير، والذي يوطن شركاته في السويد ويدفع للحكومة السويدية مليارات الدولارات كضرائب.
وفي عالم حيتان النفط هناك لوبيات تعيش على ممارسة الضغط بالمقابل، والسويد لديها شركات تنقيب عن النفط ولديها في الجزائر مصالح كبيرة.
ولذلك لا يجب استبعاد احتمال وجود ضغط من الخارج على السويد، سواء من طرف بارون النفط الذي صلبه الإعلام الفرنسي عندما قرر تنقيل شركاته من فرنسا وتوطينها في السويد، أو من طرف الجزائر التي تجمعها بالسويد علاقات تفوح منها رائحة الغاز والنفط.
ورغم أن السويد والدنمارك دولتان صغيرتان فإن الضرر الذي يمكن أن تتسببا فيه للمغرب كبير جدا، خصوصا بالنسبة لتصدير الفوسفاط والصيد البحري والسياحة. وقد قالها بوضوح إيريك هاغن Erik Hagen رئيس منظمة western sahara resource watch التي رأت النور سنة 2004، عندما صرح في شريط موجود على يوتيوب بأن المغرب فهم طريقة اشتغالهم في مؤسستهم على المستوى السياسي، ولذلك فعليهم تغيير تاكتيكهم في الحرب على المغرب، وذلك بدعوة نشطاء المؤسسة إلى التركيز في دعايتهم ضد المغرب على القطاعات الاقتصادية الحيوية بالنسبة لاستقراره، وذكر بالخصوص الفوسفاط والفلاحة والصيد البحري والسياحة، أي القطاعات التي يعيش المغرب أساسا على عائداتها.
بمعنى آخر فالدول الاسكندنافية أعلنت الحرب الاقتصادية على المغرب، وهي حرب أخطر بكثير من الحروب التقليدية لأنها تستهدف تشويه صورة المغرب على المستوى الدولي وتصويره كبلد محتل يقمع ويضطهد شعبا في الصحراء ولذلك تجب مقاطعته اقتصاديا بالتوقف عن اقتناء الفوسفاط والسمك والمنتجات الفلاحية بحجة أنها مستخرجة من مناطق محتلة.
أما السياحة فهناك حملة دؤوبة في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع السياحية والقنوات المتخصصة في السفر والسياحة لاستغلال نقاط ضعف السياحة المغربية، خصوصا مشاكل المطارات والطرق والبنيات التحتية وخدمات الفنادق والظواهر الاجتماعية السلبية كالتسول ودعارة القاصرين والإجرام، وتقديمها كمادة مثيرة للاستهلاك بهدف تخويف السياح من القدوم إلى المغرب.
إنها إحدى الحروب السرية الأشد خطورة ضد مصالح المغرب الحيوية، والتي تخاض بدعم من بترول دول في الجوار وأخرى في الخليج تريد للتنمية في المغرب أن تتوقف.
وإلى حدود اليوم نجحت مؤسسة إريك هاغن في التأثير على بعض زبناء المغرب في السوق العالمية الذين أصبحوا محرجين أمام الرأي العام داخل بلدانهم من اقتناء مواد يعتقدون أن مصدرها هو الصحراء.
وهنا نكتشف مدى تخاذل سفراء المغرب في اقتحام هذه الحرب ليس من أجل صياغة الخطب الإنشائية الفارغة وإنما بالوثائق والأدلة الدامغة.
وما يجهله كثيرون من الذين يروجون أن أرباح فوسفاط الصحراء تذهب لكي تنفق في الداخل هو أن المكتب الشريف للفوسفاط كلف مكتب محاسبة دولي للتدقيق في حسابات شركة فوس بوكراع التي تستغل منجم الفوسفاط بالصحراء، وهي شركة تأسست سنة 1962 أصبحت تمتلكها مجموعة OCP بأكملها منذ سنة 2002، فكانت النتيجة مخيبة لآمال خصوم المغرب، خصوصا عندما كشفت نتائج خبرة مكتب المحاسبات الدولي عن أن كل أرباح شركة فوس بوكراع يتم استثمارها في الصحراء وليس هناك درهم واحد يضخ في حسابات المكتب الشريف للفوسفاط كشركة أم.
إن نتائج هذه الخبرة المحاسباتية يمكنها لوحدها أن تغلق كل الأفواه التي تشرع في المحافل الدولية متهمة المغرب بصرف عائدات الفوسفاط المستخرج من الصحراء بعيدا عن الصحراء.
لكن من من سفرائنا حمل أوراق هذه الدراسة المحاسباتية التي أنجزها مكتب معترف به دوليا لا يرقى إليه الشك ودافع بها عن المغرب ضد الأطروحة التي تسوقها مؤسسات مثل western sahara resource watch ؟
للأسف الشديد لا أحد.
العمل الدبلوماسي عمل دؤوب ودائم ومستمر ولا يعرف الكلل. وعمل مماثل لا يجب أن يسند لمتقاعدين عمروا طويلا في سفاراتهم وأصبحوا منشغلين بالسهر على مصالحهم ومصالح أبنائهم عوض السهر على مصالح المملكة العليا.
المغرب يتعرض لحرب شرسة وعدوانية ومنظمة هدفها إنهاكه اقتصاديا وتشويه صورته أمام المنتظم الدولي، وطبقتنا السياسية غارقة في حروبها الصغيرة بحثا عن مقعد هنا ومقعد هناك.
أما إعلامنا الرسمي والعمومي فقد وصل حدا من الإفلاس والفشل بحيث لم يعد يقنع الأصدقاء فبالأحرى الأعداء.
إنه لا يكفي في هذا الزمن المتوحش الذي نعيش فيه أن تكون صاحب حق وصاحب قضية عادلة، بل المطلوب أن يكون لديك محامون ناجحون يستطيعون الدفاع عن قضيتك العادلة.
وكم قضية عادلة ضاعت بسبب محام فاشل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى