الرأي

قنبلة إيران النووية

بتاريخ 14 يوليو 2015م أعلنت إيران بفرحة عظمى أن التاريخ انفتح أمامها بتوقيع الاتفاق النووي مع أعضاء النادي النووي في العالم. أرسلت نسخة من الاتفاقية إلى إسرائيل أما العرب فلا بواكي لهم. في الواقع كلما مر أمامي في الأخبار أن أمريكا نجحت في إبعاد إيران عن امتلاك السلاح الذري عشر سنين أتذكر كلمات الوزير اللبناني العريض في أحد لقاءاتنا السنوية في مؤتمر أبو ظبي، قال يومها جملتين لا أنساهما: اعتبروا أن إيران امتلكت السلاح الذري، وحين تعرض لحزب الله قال إن الإمداد المالي من إيران لحزب الله بلغ 10 مليارات دولار، أوقفه البعض: لعلك تقصد عشرة ملايين؟ فكرر بلهجة مؤكدة عشرة مليارات؟ ما يوازي ميزانية دولة أفريقية. وفي الواقع فإن حزب الله أصبح دولة ضمن دولة، لنقل بكلمة أدق التهم الدولة مثل سندويش فلافل. مازلت أتذكر نصر الله وهو يطل بابتسامة ساخرة على مساعي (ميليس) حول اغتيال الحريري في يوم الحب 14 فبراير وأنه قد تمتد يد التحقيق للحزب وأنصاره من النظام السوري.
قناعتي العميقة أن إيران قد امتلكت السلاح النووي سوى أنها لم تفجره أو تستخدمه وسوف نكون شهود التجريب في بضع سنين، مؤيدا قول الوزير اللبناني العريضي، وأنا متيقن أكثر أن تجربة تفجير السلاح النووي الإيراني قادمة كما حصل مع باكستان، حين فاجأت العالم بتفجير ستة قنابل ضربة واحدة.
بنفس الوقت أتعجب من أوباما وسعيه الحثيث لتسليم منطقة الشرق الأوسط، للقوة الإقليمية الصاعدة إيران، وهو يعرف أنها أشبه بلعبة شارون مع مخيم تل الزعتر أو الجنود الهولنديين في مذبحة سيبرينشكا. شارون وذوي القبعات الزرق من القوات الهولندية وقفت تتفرج، مثل قن دجاج سمح لأفعى الصل بدخوله.
لقد أخطأت إيران كثيرا وفي أكثر من موقف، الأول محاولة دخول النادي النووي، في الوقت الذي يحاول جماعته إغلاقه، مثل من يذهب إلى الحج والقوم راجعون من عرفة. وأخطأت ثانيا بالانحياز إلى جانب الديكتاتورين، مثل بشار البراميلي.
مازلت أذكر (صباح زنكنا) حين كنت في طهران (عام 1982م في الذكرى الثانية للثورة الإيرانية) ومذبحة حماة شغالة، حين قلت لعضو مجلس الشورى هذا أن يتدخلوا لإيقاف المذبحة، فنظر إلي بتعجب وقال إنهم يستحقون الذبح. قلت في نفسي أما السوريون فلا بواكي لهم.
كان معي في الرحلة يومها عام 1982م رشيد عيسى من الجزائر، وكنت أرى فيه الحلم والعقل؛ فهو التلميذ رقم واحد لمالك بن نبي، ففقد كلاهما وتحول إلى (مستبصر) أي خرافي، يرى أن الإمام سيخرج من السرداب بعد ألف سنة، وكان يقفز بخفة ويهتف بحماس عجل الله فرجه.
مع ذلك فإن العالم الذي نعيش فيه عجيب مضحك، فما معنى أن يمكن الغرب إسرائيل من بناء ترسانتها النووية بمفاعلات فرنسية وماركات ألمانية وتشجيع خفي من الأم الحنون أمريكا.
قنبلة إيران قادمة ولن تزيد عن خرافة كبيرة؛ فالسلاح النووي هو صنم لا يضر ولا ينفع ولا يملك موتا ولا حياة ولا نشورا.
أذكر من كتاب (فؤاد زكريا) خطاب إلى العقل العربي، كيف وقف مغتاظا محتارا في موضوع السلاح النووي فقال: إذا كان هذا السلاح لن يستخدم ويكلف ميزانية هائلة فلماذا يصنع إذن؟؟
السلاح النووي استخدم مرة واحدة ولم يتكرر ولن يتكرر إلا إذا ارتكب طرف حماقة كبيرة، عندها لا يعلم إلا الله أين ستصل النتائج. كلنا يعرف مصيبة تشرنوبل التي غطت بفسادها آلاف الكيلومترات وتم تحذير كل أوربا من مآكل معينة، حتى انجلت الغمة.
بين يدي بحث أقرأ فيه أن كارثة قد تكون أفظع من تشرنوبل قادمة في مدى 27 سنة القادمة.
في سورة سبأ يتحدث القرآن عن شهوة التوسع وكيف أنها كانت نذير شؤم لحضارة سبأ: فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فمزقناهم كل ممزق وجعلناهم أحاديث. وذهب المثل تفرقوا أيادي سبأ.
وهذه القانون لا تشذ عنه أية قوة، وحاليا نحن شهود انحدار أعظم أمتين على وجه الأرض، الأولى الاتحاد السوفتي الذي انهار وانتهى، وقريبا سنرى نهاية أمريكا بعد أن مدت قواعدها العسكرية إلى 63 منطقة في العالم، بكلفة 4 مليارات دولار لحاملة طائرات واحدة. إنها الصدمة الحضارية غير المرتجعة (Irreversible Sock). وإيران تمشي على نفس خط الهلاك ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
إنها العلل القاتلة للإمبراطوريات: شهوة التوسع، وهي قصة مكررة في التاريخ؛ ونهايتها مختومة محتومة؛ الاسكندر ومعركة جواجاميلا، وقوبلاي خان ومحاولة اجتياح اليابان، ونابليون ومحاولة ابتلاع أوربا، ومدرعات جودريان الهتلرية في الحرب العالمية الثانية، فكانت النتيجة وبالا على الغازي المتمدد. يذكر هذا القانون المؤرخ الأمريكي كيندي في كتابه صعود وسقوط القوى العظمى من خلال دراسة تاريخية قام بها على القوى العالمية التي تمددت في القرون الخمسة الفارطة. نفس الشيء قام به جاك أتالييه في كتابه آفاق المستقبل مطبقا النظرية الاقتصادية العالمية في نشأة القلوب الاقتصادية ثم إصابتها بداء القرون وتحول المكان من بلد إلى آخر بل ومن قارة إلى قارة، كما حدث في تحول القلب الاقتصادي من هولندا إلى بريطانيا ثم إلى نيويورك.
ليس من مثل مضحك مثل الجرذ ووقوعه في المصيدة مع كل الحذر بسبب رائحة الجبن المشؤومة.
مع ذلك فهناك استثناءات على القاعدة كما عرفنا عن الملك آشوكا الهندي، ولعل في قصة نبي الله يونس ما يشبه ذلك، من نجاة المجتمع بعد تنكره للمصلح؛ فيقول القرآن إلا قوم يونس كنموذج شذ عن قاعدة التدمير.
في عام 273 قبل الميلاد اعتلى عرش الهند الملك (آشوكا فارذانا)، وكانت مملكة عريضة تضم كل الهند الحالية، ماعدا مناطق التاميل في الجنوب بالإضافة إلى بلوشستان وأفغانستان.
وكان ملكاً جباراً يحكم بالحديد والنار، مثل سائر الطغاة في التاريخ، ومما فعله أنه بنى سجناً رهيباً شمال العاصمة، أطلق عليه الناس (جحيم آشوكا). وكانت تعاليمه أن من دخله لم يخرج حياً.
وفي يوم أخبره السجان أن راهباً بوذياً ألقي في القدر المغلي فلم يصب بأذى؛ فهرع الإمبراطور ليطلع على أمر الراهب؛ ليجد الراهب معافى لم يصبه سوء.
هكذا تقول الرواية، ويجب أن نعمل الخيال، حتى ننزل بالوقائع إلى عالم الحقيقة، والأساطير في العادة تحفز الخيال، وتحرك الشعوب، وتصنع التاريخ ولو من وقود وهمي أحيانا.
تقول الرواية إن الملك رجع إلى قصره في ذلك اليوم؛ فلم يذق طعم النوم، ولم يخرج عليه الصبح، إلا وقد انقلب على عقبيه، واستولت عليه مشاعر الرحمة للعباد.
وكان الشيء الأول الذي فعله، أن أمر بهدم سجن الجحيم، ثم أصدر أوامره بالكف عن الحرب، وبدأ في حملة بناء المدارس والمشافي بما فيها مستشفيات للحيوانات.
وهكذا كفت طبول الحرب عن القرع، ونطق القانون كما يقول المؤرخ الأمريكي (ديورانت) في كتابه (قصة الحضارة)، واعتنق مبدأ الطريق ذو الحكم، أو (المراحل الثمانية) التي تقول ـ كما جاء في كتاب (الحكماء الثلاثة) لـ (أحمد الشنتاوي) ـ إن هذا الطريق يتألف من المراحل التالية: (الآراء القويمة والأهداف الصحيحة والقول السديد والأفعال الصالحة والمعيشة الصحية والمجهود المكافئ والذاكرة بتركيز ملائم والتأمل الباطني) وهذه المراحل تؤدي إلى التنوير الكامل.
وبدأ الرجل يعيش ببساطة، وبنى 48 ألف مركز ثقافي للبوذيين، وأرسل اعتذارا عجيباً لقبيلة (كالنجا) عن الحرب معهم، وأعاد إليهم أراضيهم وعوضهم عن خسائرهم.
لم يصدق الناس كيف تحول الوحش إلى ملاك، وفي الواقع كان آشوكا قد انقلب جذرياً، وآمن بالسلم وسيلة لحل المشاكل بين البشر، وكف عن شن أية غارة، أو حرب مع الجيران، أو أي مصادرات لحياة الناس داخل بلده.
وبدلاً عن ذلك بدأ بنشر تعاليم الرحمة، وأوصى موظفيه أن يحسنوا إلى الناس بالحب والمرحمة، وأن يعاملوهم مثل أبنائهم.
تقول الرواية إن الرجل في النهاية حصل معه كما حصل مع الإمبراطور الفيلسوف (ماركوس أوريليوس)، أو قبل ألفي عام مع الفرعون المصري (إخناتون) حيث انهدم كل أثر بعدهم، ورجعت الدولة كما كانت تمارس لعبة السيف والدم.
وسوف يدوم هذا إلى حين ولادة دولة عالمية، تمسك مقادير البشر، وينضج الجنس البشري بما فيه الكفاية، لينعم الناس بالسلام.
وأبرز ما ترك هذا الرجل الذكرى العطرة في التاريخ، كما أن الفضل في نشر البوذية من سيلان إلى اليابان هي من أثر هذا الرجل، شاهداً على أثر السياسة في المذاهب، والله أنزل الحديد فيه بأس شديد، ومنافع للناس، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى