شوف تشوف

الرئيسية

كوليت.. زوجة محمد امجيد التي تنتظر الإفراج عن وعود حفلات التأبين

حسن البصري

عاش محمد امجيد متنقلا بين مدن عديدة قبل أن يجد مستقره في مدينة الدار البيضاء، حط ابن مدينة آسفي الرحال في الرباط التي تابع فيها تعليمه بثانوية مولاي يوسف، وانتقل إلى مدينة فاس ومنها إلى مراكش ثم الجديدة لينتهي به المطاف في مقبرة الرحمة بالدار البيضاء تاركا وراءه رصيدا نضاليا في ميادين الرياضة والسياسة والعمل الاجتماعي.

ارتبط محمد امجيد مبكرا بكريستين كوليت التي رافقته في مساره الطويل، وجاء الارتباط نتيجة علاقة حب بدأت من ملاعب التنس، في زمن كانت فيه هذه اللعبة حكرا على الأعيان وفئة محدودة من الأجانب، لتتحول إلى رفيقة درب «امجيد» رغم أنها ظلت بعيدة عن الأضواء، وهي التي عرفت برفضها لمجموعة من الممارسات التي كانت تقدم عليها السلطات الاستعمارية الفرنسية، رغم أنها فرنسية الجنسية.

كانت كوليت تقول لصديقاتها إن الرياضة شريكتها في امجيد، حيث تقتسم معها زوجا حول بيته إلى مجرد غرفة نوم، حيث غالبا ما يقضي وقته خارجه، قبل أن تدخل شريكات أخريات في هذه القسمة كالسياسة والعمل الخيري.

«أعيش حياتي مع امجيد كأي متفرج على مباراة تنس، أتابع بنظراتي يمينا ويسارا امجيد كما أتابع الكرة الصفراء، فهو كثير التحرك داخل الوطن وخارجه، حتى في آخر أيام حياته، ورغم المرض يرفض أن يتمدد على السرير، فيتمرد على تعليمات أطبائه».

إلى جانب اهتماماته الرياضية والجمعوية والسياسية، فقد كان محمد امجيد من مهنيي قطاع السياحة أيضا، حيث كان يملك فندقا بسيطا يسمى «لاسييندا» في مدينة أكادير، وكانت زوجته وأبناؤه يشرفون على تدبير شؤونه بحكم الغيابات الكثيرة لامجيد والتزاماته، بل إن الملك الراحل الحسن الثاني كان معجبا بالوجبات التي كانت تقدم في مطعم هذا الفندق.

تذكر زوجته هذه الواقعة التي حل فيها ضيف استثنائي على المطعم، إذ لأول مرة سيتناول ملك البلاد وجبة في مطعم عمومي، «طلب منه مولاي حفيظ العلوي لائحة الوجبات كي يطلع عليها الملك. وفعلا عرضت عليه اللائحة ووافق عليها تقريبا كلها، كما اشترط مولاي حفيظ أن يكون الحسن الثاني في المطعم لوحده دون زبائن آخرين، لهذا كان امجيد مضطرا إلى توزيع «بونات» العشاء على بقية الزبناء ودعوتهم إلى تناول وجباتهم خارج المطعم بعد أن أخبرهم بالأسباب القاهرة وراء هذا الإجراء الخارج عن إرادة الفندق طبعا، فلم يعترض أحد واعتبروا تواجدهم في مطعم اختاره الملك لتناول وجبة العشاء ذكرى تستحق التدوين. بعدها انتشر أفراد من الشرطة في الفندق وقاموا بالترتيبات الأمنية اللازمة، ومنهم من أخذ موقعه خلف الأشجار».

أسر لي محمد امجيد في حوار سابق، بأنه كان يفاجأ حين يتردد ملك البلاد على مطعمه العمومي، وهو يمتطي سيارة من نوع «فيات» صغيرة وبرفقته مولاي حفيظ العلوي الذي كان يشغل منصب وزير القصور والتشريفات والأوسمة. «حين اقترب من الفندق ووجدنا في انتظاره أنا وزوجتي وابنتي أسماء وابني كريم وكانا صغيري السن، ولدى وصوله أهدته أسماء باقة ورد، وحين تسلمها وخزته شوكة وآلمته، فقلت في قرارة نفسي «الله يحضر السلامة». قبل أن يجلس حول المائدة، قام بجولة عبر مرافق الفندق والمطعم ودخل إلى المطبخ حيث صافح، جميع العاملين وسألهم عن عددهم، قبل أن يمنحهم غلافا ماليا وزعوه في ما بينهم».

تحولت زوجة مجيد إلى ممرضة، وهي تقضي الجزء الأكبر من ساعات يومها في ترتيب الأدوية الخاصة بزوجها، وقبل أن يخلد إلى النوم تذكره بتعليمات الأطباء وتتأكد من تناوله للدواء.

في فيلا بشارع أنفا في وسط العاصمة الاقتصادية، تقضي كوليت ما تبقى من حياتها في هدوء، سندها أبناؤها سفيان وأسماء ثم كريم وما تبقى من رائحة امجيد وقفشاته التي تستحضرها في جلساتها مع أصدقاء العائلة، لكنها وعلى الرغم من تقدمها في السن تظل حريصة على القراءة إذ نادرا ما يفارقها «خير أنيس».

في حفل تأبين أقيم في الدار البيضاء استحضارا لروح الراحل امجيد، رفضت زوجته تقديم شهادتها على غرار شهادات رفاق دربه، فقد كانت تخفي حزنها خلف نظارتها السوداء، وتمني النفس بتنزيل وعود التأبين على أرض الواقع، خاصة حين وعد مصطفى لكثيري المندوب السامي للمقاومة بـ«إطلاق اسم المرحوم محمد امجيد على شارعين ومؤسستين وملاعب رياضية بكل من مدينتي الدار البيضاء ومسقط رأسه آسفي».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى