شوف تشوف

كول مع الديب وبكي مع السارح

من حق الرأي العام أن يتساءل لماذا ذرف وزير التعليم العالي الدموع على مقتل الطالب الحسناوي في الوقت الذي لم يجد فيه من تعليق آخر على سؤال حول انتحار طالب لا ينتمي إلى حزبه سوى ابتسامة شامتة.
كما من حق الرأي العام أن يتساءل لماذا سارع رئيس الحكومة إلى حجز طائرة خاصة لحضور جنازة الطالب الذي كان ينتمي إلى منظمة التجديد الطلابي التابعة لحزبه وتقديم التعازي لعائلته، في الوقت الذي لم يبادر فيه رئيس الحكومة إلى أخذ سيارته الحكومية والذهاب إلى سيدي بطاش لزيارة عائلة الشاب الذي انتحر احتجاجا على حلق قائد لشعر رأسه.
من حق الرأي العام أن يتساءل هل رئيس حكومتهم يمثل جميع المغاربة أم يمثل فقط أولئك التابعين لحزبه والمنخرطين في تنظيماته الدعوية والحزبية الموازية.
من حق الرأي العام أن يتساءل عن السر وراء إعطاء رئيس الحكومة لشبيبته خطابا مغايرا لذلك الذي يعطيه لعموم المغاربة. فبنكيران هو من قال بعظمة لسانه في الحملة الانتخابية لحزبه إنه سيعمل على تحقيق سقف ثلاثة آلاف درهم كحد أدنى للأجور وسيرفع نسبة النمو، قبل أن يأتي إلى الجديدة و«يضربها بنكرة» ويقول أمام شبيبته إن من يقول هذا الكلام كذاب، وإنهم لم يأتوا إلى الحكم من أجل تحقيق هذه الوعود وإنما من أجل إنقاذ البلاد من الفوضى.
فهل يصف رئيس الحكومة نفسه بالكذب أم أن ما يقوله لشبيبته ليس هو ما يقوله لعامة الناس؟
ولماذا يصر رئيس الحكومة على التأكيد أن حكومته حكومة معارضة رغم أن الجميع يعرف أنها حكومة أغلبية؟ لماذا يريد أن يستفيد من امتيازات الحكومة وفي الوقت نفسه لا يريد أن يفرط في شرف المعارضة؟
ولعل ما يقوله رئيس الحكومة يندرج في إطار ما يسميه المغاربة «الطنز العكري»، أو ما يسميه آخرون «ياكل مع الذيب ويبكي مع السارح». فهو يتلذذ بمباهج منصب رئيس الحكومة ويريد في الوقت ذاته أن ينسب إلى نفسه نضال المعارضة. لكن هيهات أن يجتمع قلبان في جوف رجل واحد.
نسوق هذه الأسئلة ونحن نتذكر ما قاله بنكيران بعيد تنصيبه رئيسا للحكومة من كونه سيشتغل مع الذين صوتوا عليه، قبل أن يدرك فداحة ما قاله ويصحح بأنه سيشتغل أيضا حتى مع الذين لم يصوتوا عليه. وقد أعطى بنكيران الدليل على أنه كان يقصد ما قاله عندما بذل كل جهده ووقته في تنزيل قانون التعيين في المناصب السامية، بحيث أصبحت ملفات الترشيح توضع فقط على سبيل التمويه، لأن المسؤولين المحظوظين الذين سيتسلمون المنصب يكون أمرهم محسوما منذ البدء.
وأوضح مثال على ذلك تمديد مصطفى الخلفي أجل وضع الترشيحات لمنصب مدير المركز السينمائي المغربي بعدما تعذر على «المرشح المنتظر» وضع ملفه داخل الآجال القانونية بسبب التزاماته السينمائية مع الشيخة موزة ومؤسستها المانحة في الدوحة.
وهكذا يكون مصطفى الخلفي، الذي حول وزارته إلى شباك لتلقي شكايات الصحافيين المعتدى عليهم، قد استعمل سلطته الحكومية لكي يعطي مرشحا حظوظا أقوى من الآخرين.
ولا نعرف كيف يستطيع وزير الاتصال استقبال السفير الأمريكي في وزارته لكي يحدثه عن واقع الإعلام في المغرب دون أن يحمر وجهه خجلا بسبب الرتبة المتدنية التي أصبح يحتلها المغرب في التصنيف العالمي لحرية التعبير خلال السنتين ونصف من تولي معاليه وزارة الاتصال.
وربما يكون الخلفي قد استغل فرصة زيارة السفير الأمريكي لمقر وزارته لكي يفاتحه في شأن السيدة حرمه، الموظفة في ديوان بسيمة الحقاوي، والممنوعة من دخول الولايات المتحدة الأمريكية لأسباب تعرفها هي وزوجها، بحيث رفض طلب تأشيرتها لمرتين.
أما مؤسسة التعاون الوطني فقد سبق لنا أن شرحنا كيف نصبت وزيرة الأسرة مديرها الجديد بعدما حل ثالثا في ترتيب الأحقية قبل أن يفاجئ الجميع بوضعه على رأسها، رأس اللائحة طبعا. وللحقيقة والتاريخ فرئيس الحكومة تابع هذا الملف عن قرب ويبدو أنه سيذهب في اتجاه الأمر بإعادة الترشيحات والاختيار.
وحتى بالنسبة إلى الذين يتم تعيينهم في مناصبهم السامية، كالكاتب العام لوزارة الاتصال، يتضح بعد التعيين أن الخازن العام للمملكة يرفض التأشير على منصبهم المالي. والسبب حسب ما يبدو أن الكاتب العام الجديد لوزارة الخلفي سبق له أن استفاد من تعويض المغادرة الطوعية في الوظيفة العمومية، وبالتالي فالقانون يمنعه من التوظيف مرة أخرى في سلك الوظيفة العمومية.
وإذا كان الخازن العام قد قبل التأشير على راتب سمية بنخلدون، الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي، رغم أنها غادرت سلك الوظيفة العمومية بعد استفادتها من المغادرة الطوعية، شأنها في ذلك شأن وزيرها الداودي، فلأن منصب وزير منصب سياسي قبل كل شيء، أما منصب الكاتب العام للوزارة فمنصب إداري. ولذلك لا يمكن أن تقبل خزينة الدولة بصرف مرتب شهري لموظف سابق غادر الإدارة بعدما تسلم تعويضه السمين.
وإلا عليه أن يرجع أموال المغادرة الطوعية التي حصل عليها إلى خزينة الدولة وآنذاك يمكن أن يرجع إلى سلك الوظيفة العمومية.
ومن حق المغاربة أن يعرفوا الأسباب وراء اختيار كاتب عام لوزارة الاتصال سبق له أن استفاد من المغادرة الطوعية، وهل هذا الاختيار مفكر فيه أم أنه ناتج عن إهمال.
وطالما أن رئيس الحكومة لا يتوقف عن ترديد أسطوانته القديمة منذ أكثر من سنتين ونصف حول مجيء حزبه إلى الحكم من أجل القطع مع الفساد والاستبداد، فإنه مطالب بأن يشرح للرأي العام كيف يسمي ما يقوم به هو وبعض وزرائه الذين لا يتورعون عن لي عنق القوانين لتطويعها حسب هواهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى