شوف تشوف

لا غلا على وزير 2

 

 

 

إن مسؤولية وزير التعليم الجديد تتمثل في مواجهة «جشع» لوبي المؤسسات التعليمية الخاصة، والتي يسعى أربابها إلى استنساخ تجربة مدارس البعثات، بدليل أن مدارس خاصة كثيرة غيرت اسمها وحملت أسماء لأعلام فرنسية، وتفتخر بكونها تطبق النظام المعمول به في مدارس فرنسا، بما في ذلك البرامج التعليمية والكتب المدرسية، مع أن همها هو المتاجرة في التعليم، باستغلال الفراغ القانوني الذي يجعل الوزارة غير قادرة على مراقبة المبالغ المالية الخيالية التي تفرضها مؤسسات التعليم الخاص مقابل تسجيل التلاميذ، خاصة أن هذا اللوبي يتزعمه قياديون بحزب العدالة والتنمية الذين يستثمرون في قطاع التعليم الخاص.

وعندما نسمع مثلا البرلماني والقيادي حامي الدين، الذي لا يكل من إعطاء دروس الوعظ والإرشاد في كل شيء يتبادر إلى الذهن أنه يدرس أبناءه في مدارس التعليم العتيق، لكن عندما نبحث في الأمر نجد أنه يدرس أبناءه في مدرسة saint Gabriel  بالرباط التي أسستها الكنيسة الكاثوليكية عام 1941.

لذلك، فالمفروض في الوزير الذي احتج بسبب زيادات هزيلة قياسا لراتبه عندما كان رئيسا للجامعة، أن يبادر إلى تعديل القانون 00- 06 المنظم لقطاع التعليم الخصوصي بالمغرب، لكي تفرض الوزارة رقابتها على الجانب المالي وتحديد أسعار التمدرس ورسوم التسجيل، لأن دور الوزارة حاليا يقتصر فقط على مهام التأطير والمراقبة التربوية ومراقبة جودة الخدمات، ومدى تقيد تلك المؤسسات بالمناهج والبرامج التربوية والكتب والمعدات التعليمية المعتمدة من طرف وزارة التربية الوطنية، لكن هذه المراقبة لا تطول الأثمنة التي تحددها المؤسسات الخاصة، سواء بخصوص رسوم وواجبات التسجيل، التي لا يعرف تفاصيلها سوى أرباب تلك المدارس، أو المبالغ التي تطالب الآباء بأدائها شهريا مقابل تدريس الأبناء.

المصيبة هنا، هي أنه في الوقت الذي لا أحد يقدر على مراقبة مدارس البعثات الأجنبية، فإن المدارس الخاصة هي أيضا منفلتة من أي مراقبة، إذ إن المفتشين على صعيد الأكاديميات والمديريات الإقليمية، والذين يتوجب عليهم القيام بذلك أغلبهم يشتغلون في هذه المدارس أو يدرسون أبناءهم بها، لنكون في وضع أشبه بهؤلاء الطباخين الذين يطبخون أكلات يعافونها ويشيحون عنها بأنوفهم.

فالوزيران الجديدان والمسؤولون الكبار في الوزارة يدرسون أبناءهم بمدارس البعثات الأجنبية، وأغلب المدرسين والمفتشين يدرسون أبناءهم في القطاع الخاص، إذن من سينقذ المدرسة العمومية؟

الآن لم يعد المشكل محصورا في القطاع الخاص أو تعليم البعثات الأجنبية، فبسبب مشروع إلغاء مجانية التعليم الجميع أصبح في ورطة حقيقية.

في المجلس الوزاري الأخير حمل العديد من الوزراء المسؤولية لرئيس الحكومة لحثه على تعديل المواد المشيرة لإلغاء المجانية، وحدث انقسام بين معسكر يدعو إلى تبني معايير المندوبية السامية للتخطيط ومعسكر آخر يدعو إلى انتظار إحصاء تجريه وزارة الداخلية بخصوص مدخول الأسر.

من جهته، عبر عمر عزيمان، في آخر اجتماع لمكتب المجلس، الأسبوع الماضي، عن ندمه بسبب مساندته لإلغاء مجانية التعليم، واعترف بأن المجلس ارتكب خطأ فادحا. كل هذا لا يعرفه تاجر الإشهار عيوش ولن يستطيع فهمه، لأن الأمر يتعلق بحسابات «الكبار»، إنما، وبسبب نزعته الاستثمارية التي لا تقدس أي مبدأ، فهو يستغل المكانة الخاصة التي يحظى بها عند عزيمان لينصب نفسه خبيرا ناطقا باسم المجلس الأعلى لأنه يعرف جيدا أن منع الأعضاء من الحديث باسم المجلس إنما يهم عموم الأعضاء أما هو فعضو «فوق العادة»، لذلك ساند إلغاء مجانية التعليم تماما كما ساند الدارجة والفرنسة، وفي حالة، لا قدر الله، تم تبني هذا القانون بصيغته الحالية، فإننا لا نستبعد أن يقترح مشاريع على الوزارة تمكنه من أرباح أخرى أكثر من الأرباح التي يجنيها حاليا من مدارسه، بسبب الطابع الإلزامي للقانون.

إن من يقرأ قانون إلغاء مجانية التعليم بتمعن، سيجد أنه يعكس بصدق سياسات حكومية بدأت منذ بنكيران واستمرت مع العثماني، مع تناقضات أخلاقية لكون الأول من المستثمرين في التعليم الخاص، فنلاحظ هنا أن هذا القانون- الإطار المثير للجدل يعطي للقطاع الخاص مكانة متميزة، فبعد عموميات عن ضرورة تحمل أرباب المؤسسات الخاصة للواجبات التي يقتضيها مفهوم المرفق العام في التعليم، وهي قاعدة فشلت الحكومات المتعاقبة منذ سنة 2000 في ضمان احترامها من طرف مؤسسات التعليم الخاص، عمل هذا القانون- الإطار على التنصيص على منح هذا القطاع امتيازات جبائية أخرى غير التي منحت له إبان عشرية الإصلاح، وهي الامتيازات التي حولت الاستثمار في التعليم الخاص إلى «دجاجة تبيض ذهبا»، وسمحت بظهور سلوكيات كلها تدليس من طرف بعض أرباب هذه المؤسسات، من قبيل الاستفادة من خمس سنوات من الإعفاءات الضريبية، وبمجرد انتهاء هذه الفترة، يتم تغيير اسم المؤسسة ومعطياتها القانونية باسم جديد أو بمالك وهمي جديد لتستفيد مرة أخرى من فترة خمس سنوات من الإعفاءات وهكذا..

نعم فالقانون- الإطار أعاد التذكير ببعض واجبات القطاع الخاص، لكنه لم يدقق كيفية إلزامه بذلك والعقوبات التي تنتظر من لم يلتزم بها، حيث ظلت مؤسسات البعثات الأجنبية، وعلى الرغم من طابعها الاستثماري الخالص، خارج اهتمامات واضعي هذا القانون.

وهذا طبيعي «شكون يقدر يكول للسبع فمك خانز«

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى