شوف تشوف

الرأي

متجردة من كل شيء.. إلا منك

تهفو قلوبنا شوقا لمن يعتني بها، وتتعلق دائما بمن يمعن الإصغاء لها. هكذا نحن، كتل من المشاعر تبحث عن مرفأ آمن تنزل عنده أشرعتها بكل ثقة وسلام.
بعض من عبقرية الخلق يتجلى في هذه المشاعر التي تلفنا وتتملكنا في حضرة من نحب ونعز ونود.. هذا البريق المبحر في العينين وتلك الرعشة المتمركزة في القلب والخدين، وذاك التردد والتشنج الذي يشوه الكلمات والعبارات، فيتحول أعتى شعراء لشخص لا يكاد يبين، حائر بين الأفعال والمرادفات، وتتحول أقوى النساء لهزيلة مستسلمة لا حول لها ولا قوة.
كلنا، أو معظمنا جربنا ما يعنيه الشوق، وما هو الوجد، وكم هي متعبة قسوة البعد، كلنا تساءلنا عن غرابة ما يحدث داخل عقولنا وقد أتلفتها اللهفة وقلوبنا وقد عذبتها المسافات، كلنا بحثنا عن أجوبة، فلمَ يحصل معي أنا بالضبط كل ذلك؟! لماذا لأجل هذا الشخص بالذات دون سواه.. وحده عن باقي الخليقة؟!
تختلف الإجابات، وليست هي ما يهم، فلا وجود لـ «لماذا!؟» في الحب، هي الأسئلة فقط، ونعيم حيرتها وغموضها، هو الشك المباح والقلق الممتع، والخوف الجميل، والترقب الذي ينسينا عداد الوقت وطول الشهور والسنوات.
لا يجتمع حب حبيب والتكلف، ولا يلتقي شوق وتصنع، ولا يعرف معنى اتحاد قلبين من لم يتجرد من كل شيء أمام محبوبه، تجرد من الاسم والصيت والسمعة والنسب.. حتى آخر ذرة كبر أو تغطرس، فالحب لا يفتح أبوابه إلا لمن جاء متخليا عن كل شيء، عن مستواه الاجتماعي والتعليمي والبنكي والسلطوي عن الشهادات وعن الممتلكات، عن الرسميات وعن اللغة الخشبية القاتلة لكل شعور عفوي حر. فلا يحق لك أن تحب وأنت مثقل بكل هذه الأشياء، كل هذه الحواجز التي تقف بين قلبك وقلب من تريد.
اتحاد قلبين وانصهارهما يبدأ حيث تنتهي الأنا، وينمحي العجب، هنا فقط ترى الآخر أنت، تعيش كأنك هو، تفكر فيكما كأنك أنت وحدك، لا تخجل من شيء أمامه، لا من أذنيك الكبيرتين ولا من أنفك العريض، ولا تخافي أن يتركك لأن وزنك قد زاد أو شعرك تساقط، فكل الأشكال لم تعد لها قيمة ما دام اتحاد القلوب قد تم.
التجرد من الأنا، من التكبر، من عشق الذات المتشبع بالغرور الإبليسي، هو سر الحب الأكبر، العثور عليه واستمراره. فلا يستمر حب مهما كانت قوته بين شخصين تحكمهما الأنا وتوجههما حيث شاءت، مرة على هيئة السؤال الغبي.. كيف يجرؤ على قول ما قال وأنا فلانة الدكتورة بنت فلان الفلاني؟! ومرة على هيئة الجملة المتداولة.. أنا أفضل منها فأنا صاحب المشاريع والعقارات وألف فتاة تتمنى فقط نظرة مني!
تخففوا وتجردوا من شوائب هذه النفس المتعالية.. ليفتح لكم الحب كل أبوابه ونوافذه.. وثغراته المتخفية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى