شوف تشوف

شوف تشوف

مدن الملح (2/1)

صراحة «مكاينش اللي كايعرف لهاد عريبان قد هاداك المصندل ديال ترامب، جميع دول التعاون الخليجي غادي يدفعو ليه الجزية عن يد وهم صاغرون، مشا للسعودية ودا ليهم معاه الصاطة ديال بنتو دارت ليهم الطلاميس، بقاو حالين فيها فامهم حتى هترو وحطو ليه 400 مليار دولار ديال الصفقات»، أما قطر فعندما لم تدفع الجزية فقد تحولت فجأة إلى دولة داعمة للإرهاب، رغم أن طلعات طائرات «الحرب على الإرهاب» انطلقت من فوق ظهر القاعدة الأمريكية في قطر نحو العراق وأفغانستان.
ولعل أحسن ما يجسد واقع الحال ببلدان الخليج هي مجموعة عبد الرحمان منيف الروائية «مدن الملح»، التي تنبأ فيها بهذا الخراب العظيم الذي سوف يحل بصحراء العرب بسبب النفط.
الحكاية القريبة لهذا الصراع بدأت منذ زار ترامب السعودية وأعلن من خلالها أن إيران تدعم الإرهاب، وأخذ منها أموالا طائلة مقابل استمرار أمريكا لدعمها، والحكاية القريبة البعيدة بدأت منذ لوح ترامب بنيته محاربة الإرهاب الإسلامي، وقبله، وفي عهد أوباما الذي غازل إيران كثيرا ودعم الإخوان وراضى قطر على حساب السعودية، تم تهديد السعودية بدفع مليارات التعويضات لضحايا أحداث الحادي عشر من شتنبر تحت ذريعة أن أغلب الذين نفذوا التفجير ينحدرون من السعودية.
أما الحكاية البعيدة فقد بدأت منذ ذاك الوقت الذي قررت فيه قطر أن تكون دولة خليجية مستقلة تنافس السعودية والإمارات، بل حتى تتسيدهما، وهو ما لم يتقبله هذان البلدان فكانت الحرب الخليجية الباردة.
هذه الحرب التي خرجت إلى العلن، بدأت أخيرا بالحرب الإعلامية بين قنوات الجزيرة والعربية وسكاي نيوز، كل قناة منها تحاول لوم بلد الآخر وتقريعه، ولم توفر هذه القنوات في حربها حتى الأعراض. الحرب ازداد سعيرها حين ردت قطر على الهجوم الذي تعرضت له في أمريكا بعد عودة ترامب إلى دياره محملا بالجزية، ومن قبل كبريات الصحف التي دعا كتابها إلى الضغط على قطر من أجل وقف دعمها للإرهاب، ويقصدون به دعمها لحركة الإخوان المسلمين ولحماس وتحالفها مع إيران أيضا.
إيران ذاك الغول الذي يخيف دول الخليج، ويخيف قطر بشكل أكبر، ويجعلها تعيش على الخوف من أن تحذفها إيران من الخريطة بدعوى أنها منطقة كانت تابعة للأراضي الإيرانية، بدليل أن سوق الواقف، ذاك السوق الشهير في الدوحة، كان في الأصل موقفا للتجار الإيرانيين. لهذا اختارت قطر أن تهادن الغول الفارسي، وأن تنضم إليه بعيدا عن موقف دول مجلس التعاون الخليجي الذي يرى في إيران الخميني تهديدا له.
لهذا قالت قطر إن ما قامت به الدول التي قاطعتها هو في الحقيقة عقاب لقطر لأنها ترفض الوصاية، ولأنها دولة مستقلة.
وطبعا لم يكن هذا الموقف الوحيد الذي اتخذته قطر قبل وبعد القطيعة وأثناء الحرب الإعلامية التي لا تزال مستمرة، فقد دافعت عن نفسها من خلال قناة الجزيرة وباقي أذرع إمبراطوريتها الإعلامية التي تنشرها في كل بقاع بلدان المنطقة بأن قطر تعاقب بسبب دعمها للقضية الفلسطينية، ودعمها لحركة حماس بشكل خاص، واتهمت الإمارات بالتعاون مع إسرائيل.
قطر التي توجه هذه الاتهامات وغيرها هي نفسها التي جعلت من شخص مثل عزمي بشارة مسيحي، بجنسية إسرائيلية، وعضو كنسيت سابق، مستشارا للأمير حمد، ووصيا على ابنه تميم، ثم مستشارا له.
عزمي بشارة، الذي يدعم بشكل فج حراك الربيع العربي، ويرى في ما تتعرض له الشعوب من تشريد والبلدان من تخريب مجرد ضريبة يجب أن تدفع في سبيل الوصول إلى الديمقراطية في الشرق الأوسط، هو نفسه عزمي بشارة الذي يرى في التقرب من إيران واجبا، وعلى العرب أن يتقبلوها بينهم، وحتى أن تتسيدهم، وأن ينفضوا عنهم سيادة بلدان مثل السعودية ومصر، بل هو يرى في تغيير الأنظمة فيها وفي بلدان الجوار أفضل طريق من أجل «الديمقراطية البشارية»، نسبة إلى بشار.
فهل تدفع قطر شعبا وحكومة ثمن ثقتها العمياء في شخص يلعب بالورقة الفلسطينية وهو يحمل الجنسية الإسرائيلية ويحذر من إيران ويدعو إلى التحالف معها ويرى في إسقاط الأنظمة في المنطقة خير طريق للديمقراطية ؟ شخص مسيحي علماني ويدعم الإخوان ؟ شخص تسبب في خراب دول وتشريد شعوب من خلال نظرياته وتنظيراته، شخص يحتفل بنفسه رئيسا لإمبراطورية إعلامية تتجاوز قطر وجعل من لندن مقرا لها وأنشأ ودعم بفلوس قطر منابر إعلامية تبشر بربيع آخر، لن تكون فيه السعودية والإمارات الدول الكبرى في المنطقة، ولا مصر، ولا المغرب، ولا أي من الدول التقليدية.
فهل كان هذا هو الطعم الذي ابتلعته قطر ذات القطر الصغير مساحة وجغرافية وسكانا، والكثيرة الثروات فأرادت أن تكون سيدة المنطقة ؟
في إسرائيل، التفاعل مع ما يحدث في الخليج انقسم إلى قسم كبير احتفل بما يقع نكاية في حماس العدو رقم اثنين بعد إيران وطبعا حزب الله، وقسم آخر يرى أن ما يقع هو في الحقيقة بسبب كراهية شديدة بين الأميرين الشابين الأمير السعودي سلمان والأمير القطري تميم، وأن تلك الاتهامات حول الإرهاب وما شابه مجرد غطاء يتخفى وراء هذه الكراهية المتبادلة.
ولعل من سخريات القدر أنه في ذكرى نكبة 1967 وبعد مرور خمسين سنة على هذه الحرب وهزيمة العرب فيها، يجد العرب لهم عدوا جديدا، اسمه قطر.
والواقع أن «صاحب دعوة» أمير قطر الذي دغدغ وتعهد داخله جنون العظمة هو عزمي بشارة، وكثيرون يجهلون مدى تأثير هذا الإسرائيلي في تكوين تميم حاكم قطر وتوجهاته السياسية في المنطقة.
يقول محمد الباز، أحد المتخصصين في هذا الشأن، إن عزمي بشارة شخصية قلقة ومقلقة، ويعتقد أن مصيرها سيكون مروعًا، فمن يشارك في التخطيط لقتل كل هؤلاء البشر على الأرض العربية، لا بد أن ينتهى مقتولا بلا ثمن.
وفي إطار تفتيشه عن كل ما يتعلق بالأسرة الحاكمة في قطر، عن سر قوة ونفوذ عزمي بشارة في الدوحة، سمع ما فهم منه أن الرجل مقرب من حمد وموزة وابنهما تميم إلى درجة كبيرة.
ويروي كيف أن شاهد عيان قال له إنه رأى عزمي بشارة يقف على باب الأمير تميم وهو ولي للعهد، ينتظره حتى ينتهي من شؤونه الخاصة، ليجلس معه ما يقرب من الساعة كل يوم، ليتحدث معه ويشرح له ما يدور في العالم من أحداث، ويفسر تشابكات السياسة وتعقيداتها، ويطلعه على آخر ما صدر في العالم من كتب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى