الرأي

مذكرات امرأة.. وصمة حزن

أستغرب تلك الأشياء التي التقطتها ذاكرة والدتي عن طفولتها، تقول: «بينما كنت أنمو كنت زهرة متفتقة بالحياة، شعري ذهبي ناعم، خداي وردتان متفتحتان، جبيني شمس مشرقة، نهداي وارفا الظلال كثمرتي ليمون فلسطيني، ساقاي مرسومتان كنهري دجلة والفرات.. كنت وطنا من أجمل الأوطان لي ابتسامة تستكين لجواهرها النفوس، لكن قبيلتي كانت تشعر بالتهديد من بروز فتنتي الطافحة، فأصبحت ملزمة بمنع جسدي من اشتعال فتنته، إذ بدأت ألف نهدِي بحزام عريض كي أمنع نموه وأذيبه بشمس العيب كجبل جليدي غير موطنه من الشمال ليستوطن بالجنوب، كسروا مرآتي وكل أدوات زينتي، لم يكن جمالي ليغيب رغم كل محاولات الاستنزاف و طمس المعالم..». استغربت كيف كان لهم أن يحاربوا نمو جسد بشكل طبيعي.. كان يكفي أن تستر نفسها بزي لا يشف ولا يصف وانتهى الأمر. من يمنع الطبيعة من أن تفوح بجمالها وتنعكس على مرايا الشلالات والأنهار؟ المرأة تشبه الطبيعة، كل امرأة على وجه الأرض جميلة بطريقة ما. أستغرب هل من أجل الحفاظ على وهم ما نقتل سوانا؟ لم يقتلوا أمي لكنها كانت أحيانا على قيد الموت تمارس الحياة. قانونهم هنا يتحد مع قانون الغاب، هناك حيث ترغب الشجرة في أن تثبت فروعها كي تنمو أكثر قد تحتاج لقتل من يجاورها خنقا حتى الموت تحت الأرض. كي تستمر في النمو والاغتيال. حتى تغتالها يوما من تكبرها. اغتالتهم أمي بالزواج بمن أحبت، لكنه اغتالها بأنسب فرصة، هجرنا ولم أره، فقط بالصورة مررت لي ذكراه، ولم أصادفه، ولم يزرنا يوما ليطمئن إن كنا لازلنا على قيد الحياة أو على قيد الموت، اكتفى بالرحيل وتركني على قلبها وصمة حزن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى