الرأي

مستقبل غامض للتحوّل الديموقراطي في مصر (1/2)

حيناً بعد حين، تتضاعف الأسئلة الحائرة المثارة حول مستقبل الديموقراطية في مصر.
حين وجّهت النائبة الإسبانية إرنيست مارجال، عضو البرلمان الأوربي، سؤالاً إلى الوفد المصري حول وضع التحول الديموقراطي في مصر، كانت خلاصة الرد أن العملية تستغرق ما بين خمس إلى عشر سنوات. هذه المعلومة أبرزتها الصحف المصرية الصادرة، يوم الجمعة الماضي (15/4)، في سياق استعراضها لما حققته زيارة الوفد البرلماني المصري إلى مقرّ البرلمان الأوربي في بروكسيل، لاحتواء آثار البيان الذي أصدره البرلمان المذكور وانتقد فيه انتهاكات حقوق الإنسان في مصر.
لم نتعرّف على الأساس الذي بنى عليه أعضاء الوفد المصري تقديرهم للفترة اللازمة لإنجاز التحول الديموقراطي، لكن الملاحظ أن المدة اختلفت عن تلك التي سبق أن أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي. ذلك أنه ذكر في الحوار الذي أجرته معه مجلة «جون أفريك» الفرنسية (في 14 فبراير الماضي)، أن الديموقراطية عملية مستمرّة يتطلّب تحقيقها في مصر فترة تتراوح بين 20 إلى 25 سنة. وعندما ألقى عليه السؤال نفسه في اجتماعه مع رئيس مجلس النواب الأمريكي، والوفد المرافق له (في 7/4)، كان رده أن العملية الديموقراطية مستمرة ولا يمكن تحقيقها بين عشية وضحاها.
هذه الخلفية تسلّط الضوء على ملاحظات عدة، هي:
ـ إن ثمة قلقاً أوربياً وأمريكياً على الحالة الديموقراطية في مصر.
ـ إن الاتفاق منعقد على أن الوضع الحالي ليس ديموقراطياً، وهو ما لم يختلف عليه المصريون مع الأوربيين أو الأمريكيين.
ـ إن السؤال لم يعُد مثاراً حول ما إذا كانت في مصر ديموقراطية، أم لا، ولكنه أصبح ينصب على الأجل الذي يمكن أن يتحقق فيه التحول المنشود.
ـ إنه ليس هناك معيار واضح يمكن أن تقاس به جدارة مصر بالاستحقاق الديموقراطي، كما أن أجل توفير ذلك الاستحقاق مفتوح. آية ذلك أن الوفد البرلماني قدره بما يتراوح بين 5 وعشر سنوات، في حين وصل به الرئيس السيسي إلى ما بين 20 و25 سنة.
ـ في كل الأحوال، فإن التحول الديموقراطي يظل حلماً مؤجلاً وليس حالاً.
هذه الخلاصة تبدو محيرة في بلد عرف الحياة الحزبية منذ أكثر من قرن من الزمان. ذلك أن أغلب المؤرخين المصريين يتفقون على أن «حزب الأمة» الذي تشكل في شهر شتنبر (أيلول) 1907، هو أول الأحزاب المصرية التي تكوّنت بشكل رسمي. وبرغم أن مجموعات سياسية عدة ظهرت قبل ذلك وقدّمت نفسها باعتبارها أحزاباً، إلا أنها كانت مجرد تيارات نهضت لمقاومة الاحتلال البريطاني. غير أن الأحزاب المصرية تبلورت بصورة أوضح وأكثر فعالية مع ثورة 1919، وانتعشت في ظل دستور 1923، الذي أسس لما سُمّي «بالمرحلة الليبرالية» التي استمرت حتى العام 1952. وخلال تلك الفترة كان حزب «الوفد» هو ممثل الأمة، كما أنها شهدت تداولاً للسلطة مع حزب الأحرار الدستوريين والحزب الوطني وغيرهما من أحزاب الأقلية.
خلال تلك المرحلة الليبرالية، شهدت مصر صراعاً بين ثلاث قوى، هي: الملك والاحتلال وحزب «الوفد». ويشهد المؤرخون بأنها اتسمت بحيوية سياسية نسبية، ساعد عليها أمران، أولهما أن الدستور أرسى أساس الحكومة الدستورية والحكم الملكي المقيد، كما أرسى الأساس لدولة القانون التي تقوم على الفصل بين السلطات، ووضع حدوداً عامة لسلطات الملك والحكومة والبرلمان. الأمر الثاني أن وجود الاحتلال البريطاني أعطى للجماعة الوطنية هدفاً واضحاً يبرر الاحتشاد حوله.
إزاء ذلك، بوسعنا أن نقول إنه في ظل دستور 1923، وطيلة ثلاثين عاماً تقريباً (حتى قامت «ثورة يوليو» العام 1952) خطت مصر خطوات عدة على طريق الممارسة الديموقراطية، فكان للمجتمع حضوره المعتبر ممثلاً في الأحزاب السياسية وفي مجلس الشيوخ والنواب، وعرفت تلك المرحلة تداول السلطة بين أحزاب الأغلبية كما عرفت الصراع بين تلك الأحزاب وبين «الوفد» وبين كل من الملك وسلطة الاحتلال، إلا أن المسيرة الديموقراطية توقفت مع سقوط الملكية وقيام الضباط الأحرار بثورة 1952، الأمر الذي أدى إلى وقف العمل بالدستور وإلغاء الأحزاب، وتولى مجلس قيادة الثورة إدارة دفة الأمور في البلاد.
في ظل النظام الناصري تمّ تجميد المسيرة الديموقراطية لأسباب يمكن تبريرها، يتعلق بعضها بإزالة آثار النظام القديم، ويتعلّق البعض الآخر بتغيير أولويات النظام الجديد الذي شُغل بالدفاع عن استقلال مصر ومساندة حركات التحرر الوطني، وتحدّى قوى الهيمنة في ذلك الزمان، وهو ما عرّض مصر للعدوان مرتين (في عامي 1956 و1967)، وبرغم زوال تلك الأسباب في مرحلة السادات، فإن تعطيل المسيرة الديموقراطية لم يستمر فقط، ولكنه تعرّض للتشويه في ظل التعددية المصطنعة التي سمح خلالها بإقامة ثلاثة منابر لليمين واليسار والوسط في العام 1976. وكان السادات هو مَن قوّضها باعتقالات شتنبر(أيلول) 1979. وحين جاء مبارك فإنه أبقى على الأنقاض السياسية التي خلفها السادات كما هي، في حين ظلت مراهنته الأساسية على جهاز أمن الدولة الذي أصبح حزبه الحقيقي. وخلال سنوات حكمه الثلاثين، ظلت المسيرة الديموقراطية محاصرة في غرفة الإنعاش، إلى أن ماتت السياسة بمضي الوقت، ولم تبعث إلا على وقع ثورة 2011. وحين أطلق دستور 2013 تشكيل الأحزاب، فإن قصر التجربة لم يسمح لها بأن تنمو ولا أتاح للبرلمان المنتخب أن يثبت حضوره. إلى أن سقط حكم «الإخوان» في العام 2013، وقادت القوات المسلحة التحوّل الذي أفضى إلى ما نحن بصدده. وبعد صدور دستور المرحلة الجديدة في العام 2013 أشرفت الأجهزة الأمنية على انتخابات مجلس النواب في العام 2015. وبه أصبح لدينا برلمان بلا معارضة وأحزاب بلا فاعلية. الأمر الذي أعاد المسيرة الديموقراطية إلى نقطة الصفر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى