الرأي

مقالة خطيرة لمسؤول «أحرار الشام» الإسلامية في «الواشنطن بوست»

تستحق المقالة المفاجئة التي نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، مساء الجمعة، للسيد لبيب النحاس، مسؤول العلاقات الخارجية في حركة «أحرار الشام» الإسلامية السورية، الكثير من التأمل، ليس في مضمونها فقط، وإنما في معانيها وتوقيتها أيضا.
فأن تفتح الصحيفة الأمريكية المحافظة صدر صفحاتها للسيد النحاس الذي يمثل هذه الحركة المقربة من تنظيم «القاعدة» الموضوعة على قائمة «الإرهاب» الأمريكية، فهذا يشكل تحولا مهما في النظرة الأمريكية لهذه المنظمة، وربما شريكتها وحليفتها وجبهة «النصرة»، في الحرب التي تخوضانها سويا في سورية لإطاحة النظام في دمشق.
السيد النحاس وجه في المقال انتقادات قوية لاستراتيجية الإدارة الأمريكية في سورية، ووصفها بأنها «فاشلة تماما» لأنها تعكس حرصا على عدم تقديم أي دعم للمجموعات الإسلامية المتشددة، وتشديدها على تقديم هذا الدعم للتنظيمات «المعتدلة» وحدها، واعتبر أن حركة «أحرار الشام» «اتهمت زورا» بقربها من تنظيم «القاعدة»، ووجهت إليها اتهامات «ظالمة» من قبل إدارة الرئيس باراك أوباما.
هذه الانتقادات توحي بأن السيد النحاس يريد من الإدارة الأمريكية تغيير هذه الاستراتيجية كليا، وتقديم الدعم المالي والتسليحي لحركته، وإسقاط كل الاتهامات التي توجهها إليها بقربها من تنظيم «القاعدة»، وهذا التوجه يعكس «انقلابا» في إيديولويجية هذه الحركة الإسلامية، وربما إيديولوجية جبهة «النصرة»، حليفتها الأساسية، تجاه الولايات المتحدة الأمريكية التي يعتبرها تنظيم «القاعدة» العدو الأول للمسلمين، بسبب دعمها لإسرائيل وحروبها (أي أمريكا) التدميرية في المنطقة، واحتلالها للعراق.
مثلما توحي هذه المقالة وصاحبها، باستعداد حركة «أحرار الشام» بالتحالف مع الولايات المتحدة في حربها ضد «الدولة الإسلامية» للقضاء عليها، ففي فقرة مهمة منها، أي المقالة، يقول السيد النحاس، ونحن ننقل حرفيا: «إن على الإدارة الأمريكية القبول بأن الإيديولوجية المتطرفة لتنظيم «الدولة الإسلامية» لن تهزم إلا ببديل سني محلي مع توصيف معتدل يحدده السوريون أنفسهم، وليس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية».
إن هذه المقالة على درجة كبيرة من الأهمية لأنها تمهد لتحالف استراتيجي بين حركة «أحرار الشام» الإسلامية وجبهة «النصرة» من ناحية، والولايات المتحدة الأمريكية من الناحية الأخرى، إن لم يكن هذا التحالف قد قام فعلا، لشن الحرب على «الدولة الإسلامية» والنظام السوري معا.
ويذكر أن التنظيمين «أحرار الشام»، وجبهة «النصرة» اندمجا عملياتيا، وشكلا «جيش الفتح» وأدى هذا الاندماج المدعوم من التحالف الثلاثي السعودي التركي القطري إلى الاستيلاء على مدينتي إدلب وجسر الشغور في الشمال الغربي لسورية، والاقتراب من عرين النظام في اللاذقية والساحل الشمالي، كما نجح جيش الفتح الثاني في الجنوب في الاستيلاء على مناطق عديدة في درعا، وكاد أن يستولي على جبل العرب والسويداء معقل الموحدين (الدروز).
مقالة السيد النحاس تعيد تذكيرنا بمقالة مماثلة نشرها السيد بسام أبو شريف، مستشار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في صحيفة «نيويورك تايمز» عام 1988، وأعرب فيها عن استعداد منظمة التحرير للقبول بحل الدولتين والاعتراف بإسرائيل بالتالي من خلال اعترافها بجميع قرارات الأمم المتحدة، بما فيها قرار مجلس الأمن رقم 242، وشكلت هذه المقالة بداية تحول خطير في سياسة المنظمة وإيديولوجيتها أدت ألى اتفاقات أوسلو في نهاية المطاف.
المقارنة ربما لا تكون دقيقة بين مقالتي السيدين النحاس وأبو شريف، ولكن من الواضح أن السيد النحاس، ونشر صحيفة «نيويورك تايمز» لمقالته، وما تضمنتها من تلميحات، أو حتى تصريحات، لم يكن من قبيل الصدفة مطلقا، وأن هناك «أمرا ما» سياسيا يتم التمهيد له إعلاميا، وأن وراء الأكمة ما وراءها.
إقدام السلطات التركية على حملة اعتقالات مكثفة لعناصر تابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية» قبل يومين في عدة مدن تركية، ونشر تقارير عن اتفاق أمريكي- تركي أبرز بنوده دخول تركيا الحرب بقوة ضد التنظيم المذكور بعد زيارة جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي لأنقرة، وكذلك زيارة أخرى للجنرال جون آلن، مستشار الرئيس الأمريكي العسكري في الملفين السوري والعراقي، كلها تؤشر على أن الحرب على تنظيم الدولة، وتشكيل «قوات صحوات» قد بدأتا وبشكل جدي، ولهذا يجب عدم أخذ مقابلة قناة «الجزيرة» التي أجراها السيد أحمد منصور مع زعيم جبهة «النصرة» السيد أبو محمد الجولاني، ثم مقابلته لاحقا مع الطيار السوري الأسير لدى الجبهة علي عبود بمعزل عن هذه التطورات.
أمريكا تعترف تدريجيا بالتحالف الجديد بين «جبهة النصرة» و«أحرار الشام» كرأس حربة في الحرب على تنظيم «الدولة» والنظام السوري معا، لن نستبعد أن تتم إزالة اسمي التنظيمين الإسلاميين «النصرة والأحرار» من قائمة الإرهاب الأمريكية قريبا جدا، ضمنيا أو علنيا، مثلما لا نستبعد، أو نستغرب، أن يبدأ جيش الفتح الذي يشكل نواة عسكرية لوحدة التنظيمين معركته الكبرى لإقامة «إمارة حلب» المستقلة كأول منطقة للحظر الجوي كمكافأة لتركيا على الانضمام بجدية للحلف الجديد ضد «الدولة الإسلامية».
هذا التحرك يعني أن التحالف الرباعي الذي اقترحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويضم تركيا والسعودية والأردن، الى جانب سورية الأسد، جرى وأده عمليا من قبل تحالف أمريكي مضاد، يستثني النظام السوري، ويتولى مسؤولية الحرب لتصفية «الدولة الإسلامية».
كيف سيكون رد موسكو والرئيس بوتين على إجهاض هذا التحالف الرباعي، واحتضان واشنطن لتنظيمات إسلامية قريبة من «القاعدة» إيديولوجيا؟
هذا ما ستجيب عنه الأيام، أو الأسابيع المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى