شوف تشوف

مناصب سامية وسلوكات هابطة (2/1)

فضيحة التعيينات في المناصب السامية كشفت حقيقة لطالما تحدثنا عنها، وهي أن هذه الحكومة ليست في مستوى دستور 2011.
ففضلا عن الكسل، أو التكاسل الواضح في إخراج القوانين التنظيمية، هناك أيضا فساد حزبي وإداري تجسده تعيينات رئيس الحكومة في المناصب العليا. وما تجميد تعيين الكاتب العام لوزارتي الشبيبة والرياضة ووزارة الوظيفة العمومية سوى غيض من فيض، فالحقيقة المؤسفة هنا هي أن كل حزب يعتبر الوزارة التي يدبرها ضيعة خاصة به، وبالتالي فكل المناصب العليا تعد ملكا لأبناء الحزب.
ففي حالة وزارة الشبيبة والرياضة مثلا، تقدم مجموعة من الأشخاص الذين تتوفر فيهم شروط الترشح، ولكن لأن الحزب الذي ينتمي إليه الوزير يعتبر المناصب السامية فيها من نصيبه وحده، فإن التباري كان شكليا تماما، حتى أن هناك بعض المترشحين الذين تم استدعاؤهم قبل ساعتين من الموعد المحدد للمقابلة، ومنهم من يقطن خارج الرباط.
والمؤسف أكثر أن هذه القاعدة الفاسدة تم تطبيقها في مئات المناصب التي وقع عليها رئيس الحكومة منذ تعيينه، ويمكننا هنا أن ندلي بعشرات الأسماء التي تحوم حولها شكوك حقيقية، وفي مختلف القطاعات، لعل أكثرها راهنية قطاع التعليم.
فقبل أشهر أعلنت وزارة التربية الوطنية عن 32 نيابة شاغرة، وفتحت باب الترشح لها، والملاحظة الأولى هي غياب المعايير وسيادة الارتجال والفساد الواضح. حيث تتواجد في لائحة هذه النيابات مناصب أحيل أصحابها على التقاعد منذ سنتين، فيما توجد باللائحة ذاتها مناصب لم يمض على أصحابها فيها أكثر من سنتين. والأدهى هو أن هؤلاء تم إعفاؤهم دون أن يعرفوا السبب، ومع ذلك سمح لهم بالترشح مرة أخرى. وهناك نيابات أخرى شاغرة منذ سنتين، ومع ذلك لم يتم الإعلان عنها. أي أن أحدا ما حجزها لنفسه فتم تركها له، فيما هناك نواب أثبتت تقارير المجلس الأعلى للحسابات وتقارير المفتشية العامة للوزارة أنهم فاسدون، لتلاعبهم بميزانيات البرنامج الاستعجالي، ومع ذلك احتفظوا بمناصبهم. وآخرون، بسبب جداتهم اللواتي في العرس، تم تنقيلهم فقط دون أن يخضعوا لمسطرة التباري، وذلك لكونهم من أفراد عائلة مدير مركزي أو الكاتب العام أو عضو في ديوان سعادة الوزير.
أما عن مناصب مديري الأكاديميات فتلك قصة أخرى، إذ تم الاتصال بمسؤولين مركزيين وإخبارهم بكونهم سيدبرون جهات بعينها، قبل فتح باب الترشح.
أي أن المقابلات كانت شكلية تماما، وهكذا فكل العارفين بدواليب الوزارة يعرفون جيدا من سيكون مديرا لأكاديميات الدار البيضاء وأكادير ومراكش، فيما سيدبر باقي الأكاديميات مديرون قدامى شاركوا في البرنامج الاستعجالي الذي تزكم رائحة ملفاته الأنوف. وكل هؤلاء سيوقع رئيس الحكومة على تعييناتهم للأسف وكأن شيئا لم يكن.
وبالعودة لكارثة النواب، فالطريقة التي أجرت بها الوزارة عملية اختيارهم تستحق أن تدرس إلى جانب القرارات الغريبة التي تصدر في كوريا الشمالية، حيث المزاجية والتكتم في نفس الوقت.
فبعد فتح 32 منصبا للتباري، قدم ما يفوق 290 شخصا ملفاتهم، وتم إخضاعهم لمقابلة لنصف ساعة فقط، وبعد أسابيع تم الإعلان عن لائحة المتفوقين التي ضمت 26 فقط، ليتم استدعاؤهم للخضوع لتكوين. النكتة هنا هي أن الذين تم استدعاؤهم لا أحد يعرف النيابة التي سيُعين فيها.
ولكي يذر هؤلاء الرماد على العيون، ويظهروا أنهم تحلوا بالشفافية، فقد تركوا 6 مناصب فارغة للتباري مرة أخرى.
والحقيقة أنه لسنا في حاجة لعبقرية استثنائية لكي نفهم أن الفساد في وزارة التعليم وصل مستويات لا تطاق. ففي مرحلة الانتقاء الأولي تم خرق المادة 7 من قرار وزير التربية الوطنية والتكوين المهني رقم 15- 0034 الصادر في 02 نونبر 2015 والمتعلق بفتح باب الترشيح لشغل منصب نائب إقليمي بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، والتي تنص على أن لجنة دراسة الترشيحات تتولى القيام بالانتقاء الأولي للمترشحين وإجراء المقابلات معهم، حيث إننا نجد أن اللجنة التي قامت بدراسة الترشيحات والانتقاء الأولي والمحدثة بموجب قرار وزير التربية الوطنية والتكوين المهني رقم 15-0035 الصادر في 02 نونبر 2015، ليست هي نفسها التي قامت بالمقابلات الانتقائية.
كما تم خرق المادة 4 من المرسوم رقم 2.11.681 الصادر بتاريخ 25 نونبر 2011 في شأن كيفيات تعيين رؤساء الأقسام ورؤساء المصالح بالإدارات العمومية، وكذا المادة 2 من قرار وزير التربية الوطنية والتكوين المهني المشار إليه أعلاه، واللتين تنصان على أن يكون المترشح قد مارس مهام رئيس مصلحة، إذ إن لائحة المترشحين المقبولين لاجتياز المقابلات الانتقائية التي أعلنت عنها الوزارة بموقعها الرسمي تضم ما لا يقل عن 50 في المائة من المترشحين الذين لا يستوفون هذا الشرط، من مفتشين ومتصرفين وغيرهم، بل إن بعض المترشحين يمارسون مهام التدريس ولم يسبق لهم القيام بمهام إدارية طيلة حياتهم المهنية. وعلى فرض أن المصلحة اقتضت تجاوز هذا الشرط، فقد كان من اللازم على الوزارة الإعلان عن ذلك في القرار المذكور وكذا في الإعلان عن فتح باب الترشيح، وذلك لإعطاء الفرصة لكل من لا يتوفر فيه هذا الشرط لتقديم ترشيحه تحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص.
والأدهى هو أنه تم قبول جميع الترشيحات الخاصة بالعنصر النسوي دون التقيد بمدى توفرهن على الشروط المطلوبة لشغل المنصب، بمبرر إعطاء الفرصة للنساء لتحمل المسؤولية، ودون الإعلان عن ذلك في القرار المنظم لإعطاء الفرصة لجميع الموظفات المعنيات لتقديم ترشيحاتهن.
أما في مرحلة المقابلات الانتقائية، ففي خرق سافر للإعلان المتعلق بفتح باب الترشيح لشغل منصب نائب إقليمي، والذي يحدد عدد المناصب التي يحق لكل مترشح الترشح لها في خمسة مناصب على الأكثر، لجأت الوزارة إلى إرغام جميع المترشحين الذين حضروا لإجراء المقابلات الانتقائية على تعبئة بطاقة شخصية يحدد فيها المترشح قبوله للتعيين في أي منصب بالتراب الوطني أو رفضه لذلك، ومع هذا، ورغم أن معظم، إن لم نقل كل، المترشحين عبروا عن استعدادهم للتعيين في أي منصب أينما وجد، فإننا نجد مجموعة من المترشحين الحاصلين على مراتب متقدمة في لائحة الاستحقاق لم يتم إسناد أي منصب لهم ودون مبرر يذكر، رغم بقاء 6 مناصب شاغرة لم يتم إسنادها إلى أي من المترشحين وهي نيابات الرباط ومراكش والناظور والدار البيضاء وطاطا وفجيج.
أما العلة القانونية لتشكيل اللجان العشر المكلفة بإجراء المقابلات الانتقائية مع المترشحين، فقد تم بالإضافة إلى ذلك خرق مبدأ تكافؤ الفرص بين المترشحين خلال إجراء المقابلات الانتقائية، إذ إن المتنافسين على شغل منصب معين لم يمثلوا أمام نفس لجنة المقابلة الانتقائية، ما يجعل عملية تقييم المترشحين غير عادلة وغير موضوعية.
وأما الكارثة الأخرى فهي مثول بعض المترشحين أمام لجان تضم في عضويتها رؤساءهم المباشرين، ما يفتح الباب أمام جميع التأويلات ويضرب مبدأ الحياد والموضوعية في التقييم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى