شوف تشوف

من شابه أباه

غطت فضائح هبيل فاس وتصريحاته الهوجاء ضد كل من ينتقده أو يطالبه بتبرير ثروته على قضية استفادة ابن بنكيران من نفوذ والده وحزبه للحصول على منصب أستاذ زائر بكلية عين الشق بالدار البيضاء، لتدريس ماستر حول إخراج الزكاة أشهرا معدودة على حصوله على ماستر في هذا الركن من أركان الإسلام.
حصول ابن بنكيران على هذا المنصب يأتي في إطار التوغل في مؤسسات الدولة بكل أنواعها، وهو أمر ليس جديدا إطلاقا، وإلا هل لهؤلاء أن ينفوا حقيقة استفادة ما يفوق 170 عضوا في الحزب من امتياز تغيير الإطار من أساتذة في التعليم المدرسي إلى التعليم العالي، وذلك منذ تعيين الداودي وزيرا للتعليم العالي ؟
هل يمكن أن ينفوا أنهم بعثوا شباب الحزب نحو الجامعات التركية، مستفيدين من اتفاقات تجمع حكومتي البلدين تخول لهم الاستفادة من منح ؟
هل يستطيع انكشارية البيجيدي أن ينفوا ما طبخه الداودي وتتمه المصلي بعده لتحيين الاتفاقات مع الجامعات التركية لتأمين عودة أبناء الحزب بالشواهد من تركيا نحو المغرب وحصولهم على المعادلة ؟
إن المعطيات المؤكدة التي نملكها من مصادر بوزارة التربية الوطنية تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن العشرات من طلبات تغيير الإطار، حملتها نقابة البيجيدي عبر كاتبها العام عبد الإله دحمان إلى مكتب مدير مديرية الموارد البشرية السابق، في الفترة ما بين 2012 و2015، وحرص شخصيا على حصولهم على هذا «الحق»، فيما العشرات من الأطر ظلوا لسنوات محرومين منه بدعوى الخصاص، وعندما تم فتح هذا الباب السنة الماضية رسميا، فإن أبناء الحزب كانوا أيضا على رأس المستفيدين، حتى أن شعبا مثلا في كليتي الآداب والحقوق في وجدة وتطوان أضحت «ضيعة» محفظة باسم الحزب هناك، ويمكن أن ندلي بلائحة المعنيين بالأمر والذين كانوا يشتغلون في نيابات الراشيدية ومكناس وسلا ووجدة، وأغلبهم قادة محليون للحزب والنقابة، لذلك ليس من الصدفة إطلاقا أن نجد أن حملة اكتساح الجامعات هذه تزامنت مع حدث إعلان الحزب عن خلق ذراعه النقابي في قطاع التعليم العالي بعدما كانت الوحدة النقابية ميزة لهذا القطاع منذ الاستقلال، لكون هؤلاء هم الذين أصبحوا يمثلون هذه النقابة في الجامعات المغربية.
ولننظر إلى الذين يقودون نقابة البيجيدي في التعليم العالي في الدار البيضاء وفاس ومكناس ووجدة، إنهم أساتذة للتعليم العالي مساعدون، أي مجرد «أساتذة متدربين» بلغة أخرى، ليس لهم حتى الحق في تأطير أطروحات جامعية. والغريب هنا هو السلاسة التي قوبلت بها طلباتهم لفتح مكاتب مجهزة للغاية في مختلف كليات المغرب، علما أن أعضاء بعض مكاتب هذه النقابة لا يتعدون خمسة أو ستة أفراد في أحسن الأحوال.
وإذا عدنا إلى نفس الفترة السابقة، وتحديدا سنة 2014، نجد أن سمية بنخلدون قامت بمجهود خرافي لحل مشكلة المعادلة للشواهد التي تمنحها الجامعات التركية التي تدرس ابنتها وابن زوجها في إحداها، وسافرت مرارا إلى هناك لتطالب أتراك حركة غولن بمضاعفة المنح ومضاعفة عدد المستفيدين منها، وقد كانت مرفوقة في حلها وترحالها هناك بأعضاء من جمعية الطلبة المغاربة بتركيا، وكلهم بدون استثناء من شبيبة الحزب، أي أبناء نافذين في الحزب، نقابيين ودعويين وحزبيين، وهو الطلب الذي تجاوبت معه وزارة التربية التركية، حيث تم رفع عدد المستفيدين من المنحة ليصل إلى 600 طالب، كلهم بدون استثناء من أبناء الحزب.
وطبعا هؤلاء الطلبة من أبناء قياديي حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح كانت لديهم مشكلة اسمها معادلة الشواهد، ولكي يتم حل هذه المشكلة طلبت سمية بنخلدون ومعها الداودي من بعض الجامعات المتعاطفة من «البيجيدي التركي» إضافة بعض التدريبات هناك، ولو بشكل صوري ليتم القبول السلس لطلبات المعادلة عندما «تدرس» ملفاتهم.
وهذا فعلا ما حصل، حيث إن الفوج الأول من خريجي الجامعات التركية، والذين ذهبوا تحت يافطة الحزب قد عاد السنة الماضية، وهؤلاء يسكنهم هاجس واحد هو دخول الجامعات كأساتذة، وذلك لدعم وجود الحزب فيها بعد عقود اقتصر وجوده على الطلبة فقط دون الأساتذة، ونحن هنا نتحدى انكشارية الحزب أن ينفوا حقيقة اكتساح شبيبة الحزب للجامعات التركية تحت يافطة الحزب، وحقيقة تهيئة الظروف القانونية لمنحهم المعادلة، ثم حقيقة تدخل الداودي وبنخلدون لدى «الإخوة الأتراك» لتشجيع التحاق أبناء الحزب بالجامعات والاستفادة من مختلف مذكرات التفاهم التي تم توقيعها بين الحزبين باسم الدولتين، وعددها فاق عشر مذكرات تفاهم تم التوقيع عليها في السنوات الخمس الماضية، تخدم بالأساس أبناء الحزب، ومنها المحاولات الدؤوبة لتطابق مسارات التكوين في تلك الجامعات مع مسارات التكوين عندنا هنا، ولو بتكوينات صورية موازية.
والمثير في الأمر أن هذا الكم من الاتفاقيات لم يتم توقيعه حتى مع فرنسا في هذه المدة القياسية، وهي المعروفة تقليديا بكونها منبت الأطر العليا بالمغرب منذ الاستقلال.
إذن هل حزب يُسخر وسائل الدولة وتشريعاتها لخدمة المصالح الخاصة للمنتمين إليه، سواء في الداخل أو الخارج، هل هو حزب سيتعفف عن إيجاد منصب لابن أمينه العام في الجامعة مهما كان الثمن ؟
المؤسف، هو أن هذا الحزب الذي يعطينا يوميا أمثلة في النفاق والازدواجية، مستمر في سياسة خداع الرأي العام، فالحزب الذي لا تمر عملية تعيينات جديدة دون أن يحصل على نصيبه منها، يريد أن يقنعنا بأن تشغيل ابن بنكيران في جامعة الدار البيضاء كأستاذ زائر هي عملية شفافة، متذرعا بكون المعني بالأمر سبق له أن اشتغل في جامعات أخرى بنفس الصفة في تطوان وسطات، مع أن هذا عذر أقبح من الزلة، فكل هذه التبريرات ليست سوى استراتيجية ينهجها المقربون من الحزب لتهيئة الطريق أمام هذا الشاب للحصول على منصب دائم، وإلا هل يمكن لأي من انكشارية الحزب أن ينفوا الأسبقية التي تعطى لكل من اشتغل مع الجامعات كزائر في الحصول على كرسي دائم، لكون ابن بنكيران سيحصل على شواهد تعطيه الأسبقية عن أبناء الشعب الذين لا يجدون فرصة كهذه ؟
وإلا هل الذين يسروا له طريق دخول جامعات تطوان وسطات والدار البيضاء كزائر أو متعاون غير قادرين على تيسير التحاقه بإحدى هذه الجامعات كأستاذ رسمي ؟
ابن بنكيران أثبت صدق مقولة «من شابه أباه فما ظلم»، وأن هذا الشبل، في صفات «تخراج العينين» والمزايدات والتمويه والازدواجية في الخطاب هو فعلا من ذاك الأسد الذي نلمس كل يوم تناقضاته وأزمته الأخلاقية المزمنة.
فالسي أسامة رد على الخبر الذي نشرناه بأن عَدَّد لنا الشواهد التي حصل عليها، لكنه لم يقل لنا لماذا استفاد هو دون غيره من هذا الامتياز من زملائه ؟
هل وحده يملك هذه الشواهد من الشباب المغاربة ؟ لماذا لم يتح لمئات من المغاربة الحاصلين على شواهد الماستر مثلما أتيح له هو ؟
وفي الوقت الذي يكرس فيه أعضاء هذا الحزب الفساد والريع في أبشع صوره، ها هم يهيئون الطريق لابن أمينهم العام ليدخل الجامعات لكونه، «تبارك الله»، الوحيد الذي «يفهم» في الاقتصاد الإسلامي وقوانينه وأدبياته، فيما باقي زملائه في المدارس والجامعات التي درس فيها لا يفهمون شيئا، بدليل أن طلباتهم لتسجيل الدكتوراه ترفض في حين يقبل طلبه هو ليكون، ليس فقط طالبا من ضمن الطلاب، بل وأستاذا يدرس الطلبة، ويبدو أن هذا هو فهم أعضاء هذا الحزب لمبادئ الاستحقاق والجدارة.
فالحزب الذي لا يمل من تكرار أسطوانة «الدولة العميقة» كلما تم إفشال مخطط من مخططاته الحزبوية الضيقة، ها هو ينهج منذ توليه زمام الشأن العام سياسة اكتساح الإدارات والمرافق العامة، ولم تسلم هنا كل مديريات وزارة التعليم العالي والمؤسسات التابعة لها من هذا الأمر، وإلا هل يمكن لانكشارية الحزب أن يجيبونا عن حيثيات تعيين قيادية في الحزب مديرة الموارد البشرية في الوزارة ؟
هل يمكنهم أن يجيبونا لماذا يستمر مدير مركز تكوين الأساتذة بوجدة، وهو القيادي في حركة التوحيد والإصلاح، في منصبه حتى الآن، مستفيدا من تعويضات تصل إلى 30 ألف درهم شهريا، علما أن الوزارة سبق لها أن أعفته قبل خمسة أشهر من الآن؟ هل يستطيعون أن ينفوا العلاقة الموجودة بين الداودي ومسؤولي جامعتي سطات والرباط وتدخله المستمر للتستر على فضائحهم ؟
نعم أسامة بنكيران مواطن مغربي، وله الحق أن يحصل على نفس الحقوق التي لغيره من الشباب المغاربة، لكن لهؤلاء الشباب أيضا الحق في الحصول على الفرص التي تتاح له هو بسبب نفوذ حزب أبيه، أولا ماديا لكون العمل كمتعاون أو زائر في الجامعات ليس عملا تطوعيا، بل هو عمل مؤدى عنه بمبالغ يحلم بها كل الحاصلين على شواهد أرفع من التي حصل عليها هو، والذين يجوبون شوارع العاصمة كل يوم بحثا عن من يحاورهم دون جدوى، وثانيا إداريا لكون هذا النوع من العمل في الجامعات يعطي لأصحابه امتيازات لا توصف في جميع مباريات الالتحاق بالجامعات بشكل رسمي، وهي الامتيازات التي نتحدى ابن بنكيران أن ينفيها، فهذا الشاب حاول أن يظهر بمظهر «المضحي» وقال بأنه اشتغل في تطوان دون مقابل، لكن نتحداه أن يقول بأنه لم يحصل على شهادة من نفس الجامعة تفيد تدريسه هناك.
أما الأساتذة الجامعيون الذين انبرى بعضهم لتبرئته من تهمة توظيف نفوذ والده، فهؤلاء إما لا يعرفون ما يجري في الجامعات أو كذابون ببساطة، حيث إن منح شخص ما فرصة التدريس بماستر معين لا يستلزم بالضرورة الكفاءة، وإلا كيف نفسر أن عددا كبيرا من المتعاونين مع عشرات من تكوينات الماستر مجرد حاصلين على شواهد الإجازة أو الماستر، وتتم إضافة أسمائهم للوائح الأطقم التربوية لاعتبارات لا علاقة لها بالكفاءة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى