الرئيسية

من يذكر فضيحة إيران – غيت؟

عندما انفجرت فضيحة «إيران – غيت» كانت الثورة الإيرانية لا تزال في عنفوانها، وحدّت وقائع الارتباط الذي أطاح بمسؤولين في جهاز الاستخبارات الأمريكية (سي. أي. إي) من «عذرية» ثورة لم تمانع في إقامة تحالف عسكري مع الكيان الإسرائيلي.
وقتها تردد صراحة أن تشابها كبيرا في الأطماع التوسعية يجمع بين إيران وإسرائيل، فالأولى تحتل الجزر الثلاث التابعة لسيادة دولة الإمارات العربية المتحدة منذ عقود، وترفض فتح أي حوار سياسي لإنهاء المشكل، بينما إسرائيل تمثل النموذج الأعمى الذي يقضم أراضي الغير، ويسارع إلى تهويدها وإتلاف معالمها، ولا يمتثل لقرارات الشرعية الدولية. وكان طبيعيا لهذا التشابه أن ينعكس في صورة تصرفات لا تقيم وزنا للأعراف والمواثيق والقوانين الدولية.
مناسبة استحضار الحادث، ما دبجته وكالة أنباء «فارس» لدى وصفها المغرب بأنه «أسير السياسة الصهيونية» ولا أحد يدري إن كانت الدولة التي تورطت في صفقات أسلحة لمتمردين، هي الواقعة فعلا تحت الأسر، أم أن البلد الذي أغلق مكتب الاتصال الإسرائيلي وحظر أشكال التطبيع السياسي، يستحق هذا التعنت القدحي. إلا أن الثابت أن في كل مرة يتمكن فيها المغرب وإيران من معاودة ربط علاقاتهما الدبلوماسية تدخل بعض الأطراف على الخط للإساءة لأي توجه بهذا الصدد.
لا مفاجأة في الأمر، إذ يرتبط بأطراف إقليمية أو حسابات سياسية، لكن أن تأتي المعاكسة من داخل بلد معني بفتح صفحة جديدة ارتضاها عنوانا لحسن النية، فذاك دليل على أنه لا يتحكم في قراراته ذات الطابع السيادي. هذا على افتراض أن الموضوع يخص جناحا داخل توليفة الحكم في إيران، أما في حال كان تعبيرا عما يخالجه حقيقة، فالقضية ترتدي طابعا آخر، ليس أقله انعدام الجدية والمصداقية واستمرارية التلاعب في مسائل لا تحتمل اللجوء إلى «سياسات صغيرة».
كيف لبلد أن يجاري هكذا سياسات تضرب مبدأ بناء علاقات الثقة في العمق، ذلك أن الخلافات في المواقف لا تفسد للعلاقات مودة. وأعتى الدول التي تصارعت مع بعضها إيديولوجيا أذعنت لضرورات إقامة مثل هذه العلاقات، التي يفترض فيها أنها تنطلق من رجاحة الالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير. ولم يكن المغرب في أي وقت لينتظر من يملي عليه ما يجب أن يتخذه من مواقف، لأنه ذو سيادة غير قابلة للتصرف، تفرض ضمن بواعثها احترام سيادة الغير.
إذا كانت بعض الأطراف داخل إيران لا تريد تغيير نظرتها وسياستها القائمة على تغلغل مفهوم «تصدير الثورة» وإذكاء نزعات الحروب والصراعات المذهبية، ومحاولة إقامة جيوب تابعة لها، تتمدد في أجزاء من العالم العربي، فإن الرسالة التي وجهها المغرب، لدى تعليقه الروابط الدبلوماسية مع إيران يبقى مفعولها ساريا. وما على إيران إلا أن تذعن لمنطق الاحترام المتبادل، إن كانت ترغب فعلا في فتح صفحة جديدة. فالعبرة ليست بوجود بعثات دبلوماسية، وإنما في العمل المجدي لما ينفع العالم الإسلامي، ويجنبه المزيد من الكوارث، جراء استباحة إيران للأراضي والمشاعر العربية. وليس من الحكمة والعقل تعريض العلاقات الجديدة الناشئة للتصدع والارتياب.
ترسيم العلاقات الخارجية للمغرب، ليس مسألة طارئة أو عارضة، فمن ثوابتها أنها ترتكز على نصرة القضايا العادلة للأمة العربية والإسلامية. وإذا كان التاريخ ينصف المغرب في أنه كان دائما دولة مواجهة ضد الغطرسة الإسرائيلية، حيث يرقد رفات شهدائه في الجولان السورية، فإن ذلك لم يحل دون اضطلاعه بأدوار مشهودة في البحث عن تكريس السلام العادل في الشرق الأوسط. وما الشهادات الصادرة عن زعماء الثورة الفلسطينية وعن قادة ومفكرين عرب وأجانب، لناحية الإشادة بجهوده التي كانت تسير بانسجام كامل مع أصحاب القضية الشرعيين، إلا أوسمة استحقاق يعتز بحملها، عدا أن تطورات الأحداث أبانت دائما عن مصداقية ووجاهة توجهاته السلمية، كما معاركه الحربية.
لا يمكن لمناورات رخيصة من هذا النوع أن تغفل عن بعض الحقائق، وفي مقدمتها أن اضطلاع الملك محمد السادس شخصيا بأمانة الإجماع الإسلامي في رئاسة لجنة القدس المنبثقة عن المؤتمر الإسلامي، حقق اختراقا ميدانيا وعمليا على أرض الواقع، فقد انتقلت جهود لجنة القدس وذراعها بيت مال القدس إلى ساحة الميدان، تواجه سياسة التهويد ومحاولات اقتلاع جذور الهوية الحضارية لمدينة القدس الشريف.
أسطع برهان على ذلك أن كافة مؤتمرات القمة الإسلامية أشادت، بجهود المملكة المغربية في هذا الاتجاه، لذلك فإنه من قبيل العبث والرجم بالوهم أن يصف تقرير صادر عن وكالة «فارس» الإيرانية بنعوت قدحية، يصدق عليها المثل القائل: كل إناء بما فيه يرشح. ولن تسهم هذه التصرفات في ثني المغرب عن الوفاء بالتزاماته الروحية والقومية والمبدئية، كما أنها لن تغير من مسار توجهاته المعبر عنها في تحالفات استراتيجية أعادت الدفء إلى علاقات المغرب بالمشرق. وإذ تشكل هذه السلوكات غير المسؤولة مظهر انزعاج إيراني، فما ذاك إلا دليل إضافي على أن المغرب يسير في الاتجاه الصحيح. تماما كما أن حلفاءه في الخليج والمشرق يواجهون نفس التحدي، واختار الجميع شركاء ذوي مصداقية، ولا حاجة للبحث في خلفيات ما حدث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى