الرئيسية

موس حلاقة

شامة درشول
في صيف السنة الماضية، انتشر على قناة «يوتيوب» فيديو يظهر عددا من النساء الغربيات يوجهن رسالة للرجل قلن إنها مهمة جدا، ولخصنها في كلمة واحدة «إما أنا، أو موس الحلاقة».
تقول هؤلاء النسوة إنهن يطالبن الرجال بأن يحافظوا على مظهرهم الرجولي، وإنهن سئمن من مظهر الوجوه الطرية، الناعمة، الملساء، وإن ما يجعل الرجل يبدو بمظهر رجولي هو عدم قيامه بحلق لحيته، لتنهي النسوة الفيديو بعبارة «إما أنا أو موس الحلاقة»، عليك أن تختار.
رغم أن الفيديو يبدو ساخرا، لكنه يطرح للنقاش موضوعا نتحدث عنه بيننا، ونكتفي بالتحسر، وأحيانا التذمر، لكن دون أن نقوم تجاهه بمبادرة أو موقف لتغييره أو إيقافه. هذا الموضوع هو صورة الرجل التي لم تعد هي نفسها الصورة النمطية التي اعتدنا عليها، أو كبرنا وهي في داخلنا.
في العالم الغربي، ستجد الحديث الكثير عن «النوع»، وهو ما بات يعرف بالعربية بـ«الجندرة»، حيث يراد نشر ثقافة عدم تحديد الجنس، بمعنى لا يهم أن أحدد إن كنت أنثى أو ذكرا، ولا يهم أن تحدد نفسك إن كنت رجلا أو امرأة، بل حتى بات الحديث عن تجريم هذا التحديد، واعتباره تصرفا لا حضاريا يقمع حرية الإنسان، ويحدده في قالب معين قد لا يكون القالب الذي يريد أن يكون فيه. وبغض النظر عن أن هذا النقاش في الغرب مرتبط بموجة الدفاع عن حقوق المثليين، والذين يقسمون لفئة «المثليات، المثليون، مزدوجو الجنس، المتحولون جنسيا»، والتي تعرف اختصارا بـLGBT، وباتوا يشكلون قوة ضغط قوية في العالم، -بغض النظر- عن هذا، هناك توجه في الغرب بدأ ينشأ حديثا، ويشمل محاولة الثورة على «دين الإلحاد»، والعودة إلى الدين، وبات هناك نوع من التأفف من الانقلاب على المتعارف عليه، وحنين إلى بعض القيود. فبعد أن كانت دول غربية تتباهى بأنهم في مجتمعها وصلوا من التحضر مكانة لأن يتقبلوا وجود رجال يضعون الماكياج، يرسمون حواجبهم، يرتدون التنانير القصيرة، يرقصون بالأحذية ذات الكعوب العالية، بات اليوم الإقبال على تعظيم المظهر الرجولي الخشن. لذلك، لا يجب التعامل مع مثل هذا الفيديو على أنه مجرد فيديو ساخر، بل هو صرخة نسائية تسمع في الغرب: «نريد بيننا رجالا لا رجالا بمظهر نسائي».
في الماضي، كانت الثقافة المنتشرة في المغرب، أن الرجل هو المهيب الشكل، طويل، عريض المنكبين، بشارب، أو لحية، أو هما معا، وبكرش دليل على الوجاهة، لكن هذا المظهر الرجولي كانت تصاحبه قواعد سلوكية على الرجل أن يلتزم بها حتى يحصل على لقب رجل، وإلا سيكون «شماتة». من هذه القواعد أن الرجل لا يترك المرأة تصرف عليه، ولا على البيت، وأن عليها أن تحتفظ بمالها لنفسها إلا إن أرادت هي تصرف منه وبموافقته هو.
نمط الحياة الذي بات مكلفا، لم يعد يسمح باستمرار هذه الثقافة في المغرب خاصة بالمدن الكبرى، فتحول إلى اتباع نمط جديد يقوم على المشاركة، وتقاسم المسؤولية الأسرية في شقها المادي، لكن هذا التغيير بدأت تدخل عليه سلوكيات جديدة وغير معهودة في الثقافة المغربية الرجالية، وهو ما يلخص في عبارة «الله يجيب لينا شي ميما لي تصرف علينا».
الشباب مقابل المال، والذي بات يعتبر نوعا من «القفوزية»، يسدل بظلاله أيضا على مظهر من يؤمنون بهذه القاعدة، فتلاحظ أنهم شديدو الاهتمام بأنفسهم، بأشكالهم، بنوع العطر الذي يستخدمونه، ومنهم من يترك لحيته ولا يحلقها اتباعا ليس فقط للموضة، لكن في محاولة لإبهار السيدة «لميما»، ولفت انتباهها إلى أن هذا الشخص يملك الشباب، والمظهر الرجولي، والوقت والرقة، وأن ما عليها إلا الدفع للحصول على كل هذا.
مفهوم الرجولة في المغرب تغير ويتغير، فأمهات الأمس يسخرن دوما من الرجال ذوي المظهر الأملس الناعم بالقول: «هادا ميهز حتى طرشا»، في إشارة إلى أن الرجل هو من يستطيع مواجهة قسوة الحياة.
كذلك نساء الفيديو القادمات من الغرب، هن يسجلن في هذا المقطع لمرحلة مراجعة يعيشها هذا الجزء من العالم، حول ما آمن به عقودا، وثار من أجله أو ضده، بدءا من الحرية، إلى الدين، إلى العائلة، واليوم أتى دور الثورة على موس الحلاقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى