الرأي

هاو آر يو؟

بعد كل هذه السنوات التي مرت على اختراع الكتاب العجيب الذي يدّعي أنه يعلّم اللغة الإنجليزية في ستة أيام فقط، وبدون معلم، ها هو رئيس الحكومة يحاول هو الآخر أن يتعلم اللغة الإنجليزية في المدة نفسها، لكن بمعلم هذه المرة، وفي بلجيكا، في إطار دورة مكثفة، كان فيها رئيس الحكومة ممنوعا من إلقاء النكت والتشويش على زملائه في القسم.
لا يمكننا، بطبيعة الحال، إلا أن نهنئ رئيس الحكومة على «تيساع» الخاطر الكبير الذي يتمتع به، فليس سهلا أن يقرر الإنسان دراسة لغة جديدة بعد تقدمه في العمر واشتعال رأسه شيبا، والأكثر من هذا أن الانتخابات على الأبواب. ففي الوقت الذي يهذي بعض أمناء الأحزاب السياسية ويحلمون ليلا ونهارا بكوابيس انتخابية، كان بنكيران يحزم «الباليزة» إلى بلجيكا، وحلمه الوحيد أن يعود متقنا اللغة الإنجليزية.
وهنا بالضبط يجب أن يسمح لنا وزير التعليم العالي، الذي منذ اليوم الذي وصل فيه إلى كرسي هذه الوزارة المسكينة، وهو يردد أن المستقبل كله للغة الإنجليزية، ويهدم بمعوله أحلام أبناء المغاربة ونفسياتهم، عندما يستغل كل مناسبة يظهر فيها خلف الميكروفون، كيفما كان، ليقول من جديد إن الإنجليزية هي الحل، لكنه نسي أن رئيس حكومته بجلال قدره، لا يتحدث بهذه الإنجليزية! ونسي أيضا أن معه في الملعب، وزراء وبرلمانيين وأمناء أحزاب، لا يربطهم بالعلم إلا الخير والإحسان، ومع ذلك فإنهم جميعا يمثلون «نخبة» هذا البلد.
هناك دائما علاقة عويصة بين السياسيين المغاربة واللغة الإنجليزية. وإذا استثنينا بعض الوزراء السابقين وقلة أخرى، فإن نسبة السياسيين الذين ينفتحون على اللغات ضئيلة جدا.. حتى أن هناك وزراء وناطقين باسم الحكومات، كانوا لا يتقنون أي لغة.
إذا كان رئيس الحكومة اليوم يعتقد أنه بمكوثه لستة أيام أو شهر حتى، في مكان مغلق مع مدرّسين سيتعلم اللغة الإنجليزية، فإنه مطالب بقضاء العمر كله في تعلم الحمولة الثقافية لهذه اللغة، هذا، بطبيعة الحال، إذا كان يخطط لاستغلال اللغة الإنجليزية في الانفتاح سياسيا. أما إذا كان يخطط لاستعمالها في الفنادق والمطارات والمطاعم، فإن ستة أيام تبدو كثيرة، ولا شك أنه أضاعها هناك مجانا، وكان بإمكانه استعمالها في التركيز على الانتخابات المقبلة. خصوصا إذا علم أن هناك مغاربة في مدن سياحية صغيرة يتحدثون جميع اللغات ويقنعون الزبائن من جميع الجنسيات بشراء بضائعهم التي تكون تقليدية في الغالب. حتى أن المعجزة اللغوية المغربية تفتقت في الأخير عن مغاربة يتحدثون اليابانية، ويبهرون السياح القادمين من اليابان عندما يتواصلون معهم بلغتهم التي تعلموها بالسمع فقط.
وهذه القدرة العجيبة التي يتمتع بها المغاربة في مجال التأقلم السريع والتقاط الكلمات والأصوات، لن تنتقل إلى السياسيين للأسف. فنحن لم ننس بعد كيف أن وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، فشل قبل أشهر في صياغة جملة مفيدة واحدة في استجواب صحفي مع «راديو فرنسا»، ورئيس الحكومة نفسه كان ركيكا جدا عندما كان يصوغ أجوبته في حوار سياسي على القناة الفرنسية قبل عامين.
كان يجدر برئيس الحكومة أن يخضع لدورة في إتقان التواصل السياسي، وأدبيات الحوار، وما إلى ذلك من الأسلحة التي يحتاجها ممثلو الدول في الأماكن الأخرى. فالألمانية ميركل نجحت إلى اليوم في إحراج أكثر من رئيس حكومة عربي وأجنبي، وبدوا جميعا جاهلين أمامها بالبروتوكول، وتدخلت أكثر من مرة لتوجيههم أمام الكاميرات. وغاب عنهم إتقان ظهورهم أمام الإعلام في الندوات الصحفية، وهذا بالضبط ما يحتاج رئيس حكومتنا إلى تعلّمه، بدل الارتجال الذي لا يعود عليه إلا بالمشاكل.
لا ندري تحديدا كيف سيكون شعور رئيس الحكومة وهو عائد إلى المطار. هل سيعود كما غادره، أم أنه سيكون قادرا هذه المرة على فهم ما يُكتب حوله في اللافتات. في كلتا الحالتين، يبدو أننا لن نستفيد أي شيء، فرئيس الحكومة لم يكن جاهلا كليا باللغة الإنجليزية، إذ كان يردد بعض العبارات بين الفينة والأخرى ممازحا ضيوفه.. رئيس الحكومة جاهل في التواصل، وهذا الأمر للأسف لن تنفع معه ستة أيام لا في بلجيكا ولا في مرزوكة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى