شوف تشوف

خاص

هكذا أجهز العثماني على المطالب الاجتماعية لمتضررين من نزع الملكية بتطوان

احتجاجات وطعون وفشل للحوار وإهمال أول عريضة لتفعيل الدستور

تطوان : حسن الخضراوي
لم يكن المتضررون من نزع الملكية بمشروع تهيئة ضفاف وادي مرتيل بتطوان، يتخيلون سيناريو المعاناة الاجتماعية الذي أدخلتهم فيه حكومة سعد الدين العثماني، بسبب عدم تفاعلها الإيجابي مع عريضة دستورية تحمل أكثر من 5000 توقيع، فضلا عن فشل الحوار الذي أطلقته مع المتضررين، وعدم الوصول إلى أي حلول واقعية بخصوص مطالب إعادة النظر في طريقة تنزيل المشروع السياحي الضخم، الذي يراهن عليه الجميع لتغيير وجه المنطقة، وتحويلها إلى قبلة للاستثمارات السياحية وجلب السياح من كافة بقاع العالم.
عبرت مجموعة من الأسر الفقيرة المتضررة من نزع الملكية لتهيئة سهل وادي مرتيل، عن استيائها وغضبها من عدم تنزيل مضامين الخطب الملكية السامية بخصوص نزع الملكية، فضلا عن هزالة التعويضات التي تم رصدها مقابل نقل حيازة الأراضي، حيث يعجز البعض عن دفع مصاريف تنصيب الدفاع بالمحاكم المختصة من الأصل، وكذا المصاريف التي حددتها المحكمة الإدارية بالرباط من أجل إجراء خبرة تتعلق بإعادة النظر في أثمان البقع الأرضية والمساحات والوثائق القانونية والملكيات والعقارات المحفظة.
وشهدت المحكمة الإدارية بالعاصمة الرباط، خلال الأيام القليلة الماضية، احتجاجات عارمة للمتضررين من نزع الملكية لتهيئة وادي مرتيل ببهو المحكمة، ناهيك عن تأكيد البعض على عدم توصلهم بأي استدعاء في الملف، والمطالبة بإعطاء مهلة كافية للمتضررين من أجل توفير مصاريف الدفاع، عوض الحكم بالتأييد من طرف القاضي المكلف بالملفات.
النظر في ملفات نزع الملكية بوادي مرتيل، المعروضة على القضاء الإداري بالرباط، استمر من الصباح حتى وقت جد متأخر من الليل، مع مرابطة المئات من المتضررين بالمكان، ومطالبتهم باستخراج نسخ من حكم نقل الحيازة من مصالح كتابة الضبط، حتى يمكنهم الطعن فيها مجددا، والمطالبة بحقوقهم التي تكفلها القوانين. وتم التأكيد عليها أكثر من مرة في مضامين الخطب الملكية السامية وبنود الدستور الجديد للمملكة.

إهمال عريضة
يتهم أعضاء لجنة تقديم العريضة الدستورية من أجل إعادة النظر في تنزيل مشروع تهيئة وادي مرتيل بتطوان، حكومتا عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني، بإهمال مناقشة مضمون العريضة، والدفع بها لتحتل المرتبة السابعة أو الثامنة في الترتيب الخاص بتقديم العرائض، وهو الشيء الذي سيحرمها بشكل مجاني من شرف تقديم أول عريضة وطنية، وكذا المساهمة في تفعيل وتنزيل بنود الدستور الجديد، وذلك رغم احترامها لكافة الشروط القانونية والاستشارة مع المحامين والمتخصصين في القوانين الدستورية.
وتتشبث لجنة تقديم العريضة بحق قبولها والبقاء في المرتبة الأولى، ما يضع سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، في ورطة، سيما والتبريرات الواهية التي يقدمها بخصوص الإكراهات السياسية المتعلقة بـ«البلوكاج»، الذي تسبب فيه بنكيران، وكذا تأخر تشكيل اللجنة الخاصة بالبت في العرائض.
وحسب مصادر مطلعة، فإن رئاسة الحكومة طرحت على وكيل العريضة المذكورة تسوية ودية لقرار الرفض، من خلال اقتراح إعادة وضع الملف مجددا بالمصالح الحكومية المسؤولة، لكن الحوار بين الطرفين آل إلى الفشل، وقررت لجنة تقديم العريضة مقاضاة العثماني أمام المحاكم المختصة.
وتقول المصادر نفسها إن رئاسة الحكومة مسؤولة بالدرجة الأولى عن تأخر تشكيل لجنة البت في العرائض التي تم تأسيسها خارج الآجال القانونية، لذلك عليها تحمل مسؤوليتها الكاملة في عدم احترام القوانين المنصوص عليها، مادام أن لجنة تقديم العريضة احترمت كافة الشروط القانونية والتزمت بما ينص عليه الدستور الجديد للمملكة.
وكان المتضررون من نزع الملكية بوادي مرتيل، يعلقون آمالا عريضة على العريضة الدستورية التي تم تقديمها إلى رئاسة الحكومة، لكن خاب أملهم بعد ظهور زيف الشعارات التي رفعها حزب العدالة والتنمية، وتأكيد وزراء الحزب على الاهتمام بالفئات الفقيرة والتنزيل الأمثل للدستور، وإعادة الثقة بين المواطن ومؤسساته.

خبرة وطعون
مازالت إشكاليات نزع الملكية بالشمال تفرض نفسها في الحقل الإداري، رغم التشريعات والقوانين التي تروجها الحكومات المتعاقبة، حيث يجد المواطن نفسه أمام تقدير بسيط عندما يكون موضوع نزع الملكية، وأمام غلو في التقدير عندما يكون هو البائع أو المشتري في إطار معاملة عقارية.
وقرر المتضررون من نزع الملكية بسهل وادي مرتيل الطعن في لجنة التقييم، مع اتهامها بضرب بعض النصوص والقوانين المنظمة للمجال، وذلك من خلال غياب عضو دائم في لجنة التقييم في ظروف غامضة، وكذا القياس باستعمال عقود يطالب الجميع بالتدقيق والبحث في مصدرها ومضمونها.
وحسب عمر ابن عجيبة، المحامي بهيئة طنجة ووكيل لجنة العريضة الدستورية، الخاصة بطلب إعادة النظر في تنزيل مشروع تهيئة وادي مرتيل، فإن غياب عضوية قابض التسجيل والتنبر أو منتدبه، باعتباره عضوا دائما في لجنة التقييم، يكون معه تشكيل اللجنة المذكورة غير قانوني وباطلا لمخالفته مقتضيات القوانين المنظمة للمجال.
وأضاف المتحدث نفسه أن الأثمنة المقترحة من طرف لجنة التقييم، المشكلة بطريقة غير قانونية، وبعد التدقيق والتمحيص فيها، تبين أنها أثمنة غير حقيقية، لذلك تم تحضير كافة الإجراءات القانونية لتقديم طعون في الموضوع، والتوجه إلى قضاء الإلغاء بالمحكمة الإدارية بالرباط.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن المحامين الذين تنصبوا للدفاع عن المتضررين من نزع الملكية لتهيئة وادي مرتيل، يبحثون كل السبل القانونية لإيقاف القرارات التي تضر بمصالح الملاك، والتوجه إلى القضاء ضد كافة المؤسسات والأطراف التي تحاول القفز على التوجيهات الملكية السامية في الموضوع، وكذا مضامين بنود الدستور الجديد للمملكة، والتي تؤكد على ضرورة حصول المواطن على تعويض يناسب حجم الضرر الذي لحقه بنزع الملكية للمنفعة العامة، وليس الخواص الذين يستثمرون في العقارات ويحصلون من ورائها على ثروات خيالية.
وكشف مصدر مطلع أن المحكمة الإدارية بالرباط قررت إجراء خبرة على جميع ملفات نزع الملكية بسهل وادي مرتيل، حيث تقرر دفع كل متضرر لمبلغ 3000 درهم، وانتظار خروج ثلاثة خبراء مكلفين بالتدقيق في الوثائق التي تثبت الملكيات، وتحديد المساحات من قبل خبير طبوغرافي، وكذا تقييم الأثمنة الخاصة بالتعويض.
وأضاف المصدر نفسه أن المتضررين من نزع الملكية في الملف يأملون أن يتم إنصافهم هذه المرة، ويقوم الخبراء الذين حددت لهم المحكمة 20 يوما لإنجاز تقارير مفصلة، بالرفع من أثمان التعويض، وذلك إنصافا للعائلات الفقيرة وتوفير بديل حقيقي للفلاحين البسطاء، الذين كانوا يعتمدون الزراعة لتوفير قوتهم اليومي وسد المصاريف الضرورية.

معاناة قاسية
أكد جميع من التقتهم «الأخبار»، خلال تحقيقها في نزع الملكية بوادي مرتيل، على المعاناة الاجتماعية للأسر الفقيرة، وهزالة التعويضات التي لا يمكنها أن تخلق البديل الحقيقي للفلاحين البسطاء، وكذا العائلات التي قامت بتشييد منازل للاستقرار بها، وكلفها ذلك سنوات من العمل وتوفير المبالغ المالية الضرورية، ناهيك عمن قام بالاقتراض وغرق في الديون.
وقال (ح،م)، أحد الملاك المتضررين من نزع الملكية، إن التعويضات التي تم رصدها بخصوص الأشجار المثمرة تبقى هزيلة، فضلا عن هزالة التعويض عن الأراضي الفلاحية التي كان يعتمد عليها الفلاحون البسطاء لتوفير قوتهم اليومي.
وأضاف المتحدث نفسه أن هناك من المتضررين من اقترض المال من أجل دفع أتعاب المحامي وتكاليف الخبرة التي أمرت بها المحكمة الإدارية بالرباط، حيث ينتظر الكل بفارغ الصبر إنصافهم من قبل القضاء، وتعويضهم بشكل يضمن حصولهم على البديل للعيش بكرامة، وإبعاد شبح التشرد والمشاكل الاجتماعية عنهم.
واستنادا إلى المتحدث ذاته، فإن حكومة سعد الدين العثماني لم تستمع إلى احتجاجاتهم ومطالبتهم بفتح حوار في الموضوع، ولم تراع ظروفهم الاجتماعية، رغم تأكيدها، في كل مرة، على تقديم مصلحة الفئات الاجتماعية الهشة، ومراجعة تنزيل قرارات نزع الملكية بشكل شامل، والرفع من التعويضات بشكل يضمن حقوق المواطنين المتضررين.
إلى ذلك يستمر المتضررون في تأكيدهم على أنهم لا يعارضون أبدا المشروع السياحي الضخم أو يقفون في وجهه، ما دام سيغير وجه المدينة ويجلب الاستثمار للمساهمة في التنمية، لكنهم، بالمقابل، يطالبون بحقوقهم المشروعة التي تكفلها القوانين الجاري بها العمل، خاصة قانون نزع الملكية الذي صدرت في موضوعه تعليمات ملكية، وتناوله الملك محمد السادس في خطابه بمؤسسة البرلمان.

حوار فاشل
لم ينجح الحوار الذي اقترحته رئاسة الحكومة مع المتضررين من نزع الملكية لتهيئة وادي مرتيل، وذلك بسبب ما اعتبره الملاك المعنيون شروطا تعجيزية وغير قابلة أو بالأحرى مستحيلة التنزيل، على اعتبار أن التشاركية التي اقترحتها الجهات المسؤولة تقتضي التنازل عن التعويضات التي من المفترض أن يتقاضاها مالكو العقارات المزمع نزع ملكيتها، إثر تمرير طريق أو إنشاء مؤسسة عمومية أو منطقة خضراء، إلى غير ذلك..
وتنظر المحكمة الإدارية بالرباط، هذه الأيام، في أكثر من 1200 ملف قضائي يتعلق بنزع الملكية بتطوان، فضلا عن استعداد المئات للطعن في لجنة التقييم لنزع حيازة الأراضي التي سيشيد فوقها المشروع السياحي الضخم، والذي يعول عليه لتغيير وجه المنطقة وجلب الاستثمارات السياحية التي يمكنها أن تخفف من بطالة الشباب وتنمي مدن الشمال.
وذكر أحد المتضررين أن التنسيق بين الملاك مازال جاريا إلى حد الآن، حيث تم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية لتكليف المحامين بمقاضاة سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، بسبب عدم تفاعله الإيجابي مع العريضة الدستورية، وتقاعسه في تفعيل مضامين الدستور الجديد للمملكة، سيما وأن العريضة هي الأولى التي وضعت بديوان رئاسة الحكومة.
وأضاف المتحدث نفسه أن مثل هذه الاستثمارات السياحية الضخمة لا يمكن لعاقل أن يعارضها أو يقف عائقا أمام تنزيلها، لكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب المواطن الفقير وأملاكه البسيطة، أو الدوس على القوانين الخاصة بنزع الملكية، مع ضرورة التعويض الذي يمكنه أن يشكل بديلا حقيقيا للمتضررين، سواء من يمارسون الأنشطة الفلاحية أو الصناعية، أو من قاموا بتشييد منازل للاستقرار والسكن.
يذكر أن مشروع تهيئة وادي مرتيل سيمكن من معالجة مجموعة من النقط السوداء بمدن الشمال، مثل الفيضانات التي تهدد بعض الأحياء السكنية، والكارثة البيئية بالدرع الميت لوادي مرتيل قرب حي الديزة العشوائي، حيث تنتشر الروائح الكريهة والتلوث الذي يهدد بانتشار الأمراض الخطيرة. لذلك يدعم المتضررون من نزع الملكية إقامة المشروع المذكور، شرط حفظ حقوقهم الكاملة، واستفادتهم من تعويضات تكفي لتكون بديلا حقيقيا عن نزع أملاكهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى