شوف تشوف

الرئيسيةخاص

هل يدفع المغرب ثمن تركيز سياسته المائية على بناء السدود؟

عزيز الحور
يعيش المغاربة اليوم رعبا حقيقيا بسبب تهدد الموسم الفلاحي بخطر ظل دائما مثار هلع وهو الجفاف. المؤشرات الظاهرة حتى الآن تؤكد أن ثمة احتمالا بأن يعرف المغرب سنة جافة. المتهم المباشر هي التقلبات المناخية والتي أربكت كل أوراق السياسة المائية بالمغرب، والتي ظلت معتمدة على إنشاء السدود لتفادي أزمة مائية. هل سياسة السدود ما زالت صالحة لتدارك خطر الجفاف؟ هل يتعين توجيه دفة السياسة المائية بالمغرب نحو وجهة أخرى بعد التغيرات المناخية الطارئة؟
في هذا الموضوع، سنحاول تلمس مشكل الجفاف الذي يهدد المغرب هذا العام اعتمادا على تقارير رسمية حديثة ودراسات أخيرة أنجزت حول الموضوع.
ملل قاتل دب وسط موظفين بوكالة حوض مائي زارتها «الأخبار». المهمة المعتادة التي تخص تحيين المعطيات المتعلقة بحقينة السدود الواقعة في نطاق الحوض بدأت مضجرة. لا شيء يتغير. العون المكلف بمراقبة السدود وحراستها ينطق الأرقام على نحو رتيب وبارد. كان ذلك مشهدا من مشاهد ترقب المغاربة للأمطار.
في المقابل، وفي يوم 16 دجنبر الماضي، وقع رئيس قسم المنجزات التابع لمديرية المنشآت المائية بالوزارة المنتدبة لدى وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة المكلفة بالبيئة، على محضر صفقة إعداد دراسات مرتبطة بثلاثة سدود صغيرة.
الخطوة تأتي في سياق تفعيل خطة جديدة لبناء سدود تفاديا لخطرين، بدءا يتمظهران على نحو جلي بسبب التغيرات المناخية الأخيرة؛ الجفاف والفيضانات. الأموال بدأت تخرج بشكل أكبر من الصناديق السوداء بميزانية الدولة المخصصة لتفادي الخطرين، إلى الحد الذي أشر فيه رئيس الحكومة، على قرض خارجي لتمويل مشاريع منشآت للحد من آثار الفيضانات.
لطالما اعتُبر المغرب أبعد من خطر ظهور أزمة ماء من دول كثيرة تعاني من ندرة الماء على نحو كبير. الكل ظل يوقن أن سياسة السدود التي دشنها الملك الراحل الحسن الثاني ستنقذ المغرب من الجفاف إلى الأبد. لكن مع ظهور تغيرات مناخية حادة بدأت فرضيات جديدة تبرز وتربك كل التوقعات والسياسات التي ما زالت مستمرة حتى الآن.
ذلك أنه، ولحدود الساعة، ما زال المغرب يعتمد سياسة السدود لمواجهة مشكل تدبير الماء. يكشف عن ذلك تقرير أعده مدير مديرية المنشآت المائية بوزارة الماء وقدم عرضه على اللجنة الفرنسية للسدود والخزانات، وهي جمعية فرنسية تضم مختلف الفاعلين المتدخلين في سياسة السدود.

السدود.. المنقذ
التقرير الرسمي، الذي نتوفر على نسخة منه، والذي يقدم حصيلة السياسة المائية في المغرب، هو في الحقيقة عرض لسياسة السدود، ما يظهر محورية هذه السياسة في خطط المغرب لتدبير قطاع الماء.
ينطلق التقرير من تشخيص لواقع تدبير الماء في المغرب، عبر تحديد حجم الثروة المائية. هذه الثروة تقوم، في المعدل السنوي، على نحو 18 مليار متر مكعب من الماء الموجود في السطح. منسوب المياه ظل يتأرجح بين الارتفاع والهبوط منذ سنة 1945، كما تظهر وثيقة مرفقة بالتقرير، بسبب تطارد سنوات وفرة وسنوات جفاف. أقل معدل سنوي للاحتياطي من المياه السطحية سجل سنة 1993، إذ لم يتجاوز 3 ملايير متر مكعب، في حين قارب المعدل 50 مليار متر مكعب في سنة 1962.
خطة تدبير المياه السطحية، كما يوضح التقرير المقدم، تركزت على إنشاء السدود، بدءا بإنشاء 13 سدا خلال 1956، مرورا عبر سنة 1967 التي تم إطلاق سياسة سدود غير مسبوقة تواصلت في عهد الملك محمد السادس بإنجاز سدين إلى 3 سدود كبرى سنويا.
حدث أن اهتم المغرب أيضا بإقامة سدود صغرى، إذ يطلعنا التقرير على أن الجفاف الذي اجتاح المغرب سنوات الثمانينات كان عاملا محددا في انطلاق مشاريع سدود صغيرة ومتوسطة. نحو 100 سد أنشئ في تلك الفترة.
كان الرهان خلال تلك المدة كلها تدبير مشكل القلة، غير أن عاملا جديدا ظهر وهي التقلبات المناخية فرض الاهتمام أيضا بعامل الكثرة. صار المغرب أمام مواجهات بمشكلين؛ الجفاف والفيضانات.
يشير التقرير الرسمي إلى أن ظاهرة الفيضانات في المغرب بدأت تبرز بشكل كبير منذ سنوات التسعينات. بروزها للعيان كان سببه التطور العمراني والصناعي واحتلال عدد من الأراضي المعرضة للفيضانات، فضلا عن بروز مظاهر تغيرات مناخية متطرفة، إلى الحد الذي فاق المتوقع، ذلك أنه لم يكن أحد يتوقع أن تجتاح المياه مدينة «مرزوكة» الصحراوية سنة 2006.
حاليا يتوفر المغرب على 139 سدا كبيرا تجمع 17.6 مليار متر مكعب، إلى جانب مئات من السدود الصغيرة. سياسة السدود ما زالت حتى اليوم هي محور السياسة المائية، إلى الحد الذي اكتسبت فيه مقاولات هندسية مغربية خبرة جعلتها تنقل المتدخلين في أشغال السدود من السيطرة التامة للمقاولات الأجنبية، وخصوصا الفرنسية، ما بين 1925 و1980، إلى احتلال المقاولات المغربية نسبة 82 في المائة واشتراكها مع مقاولات أجنبية في 18 في المائة المتبقية من صفقات السدود ما بين 1991 و2005.
تتبين محورية سياسة السدود أيضا، عبر معطيات التقرير التي تخص مشاريع السدود المعتزم القيام بها، ويتعلق الأمر بـ12 سدا كبيرا سترصد لها أزيد من 9 ملايير درهم، فضلا عن 26 سدا صغيرا سيكلف إنجازها 800 مليون درهم، إلى جانب 14 منشأة للحماية من الفيضانات بكلفة 350 مليون درهم، كما يجري تنزيل مشروع تحويل مسار مياه أنهار كبرى ونقلها إلى أحواض مائية في الجنوب. لكن هل كل ذلك كاف لتجاوز مشكل تدبير الماء، على مستويي القلة والكثرة؟ لماذا ترادف السياسة المائية في المغرب سياسة السدود؟

سياسة السدود.. ليست كافية
ملاحظة تركز السياسة المائية على مستوى بناء السدود انتبه إليها تقرير صدر الشهر الماضي، عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تطرق لموضوع «إدماج التغيرات المناخية في السياسات العمومية». جزء من التقرير افتحاص اعتبار التغيرات المناخية هاته في تدبير قطاع الماء.
ينطلق تقرير المجلس من الاستراتيجية الوطنية للماء والتي تبناها المغرب منذ سنة 2009 لتدبير مجال الماء على مستوى العرض، وأيضا عبر استحضار ضرورة حماية الموارد المائية والتكيف مع التغيرات المناخية. على مستوى هذا التكيف تبين أن الاستراتيجية ترتكز أيضا على سياسة السدود، إذ تعلن عن بناء سدود صغرى وكبرى، ويتعلق الأمر تحديدا بـ38 سدا لتعبئة مليار متر مكعب سنويا، إلى جانب السدود الجاري بناؤها من أجل تعبئة 616 مليون متر مكعب في العام.
كل ذلك غير كاف لتجاوز التغيرات الحاصلة، بنظر تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والذي يشير إلى ما يلي: «رغم الأهداف المعلنة في الاستراتيجية الوطنية للماء في مجال التكيف والتحكم في الهشاشة المناخية لقطاع الماء، فإن التغيرات المناخية المسجلة في الماضي والمخاطر المناخية المستقبلية لا تراعى بما فيه الكفاية عند وضع وتفعيل المحاور الاستراتيجية للتدابير المتخذة. وهكذا، باستثناء المحور المتعلق بالتحكم في الطلب والإجراءات الهامة المتخذة للاقتصاد في الماء، مما له أثر مباشر في قدرة قطاع الماء على التكيف مع آثار الاضطراب المناخي، فإن مسألة مراعاة المخاطر المناخية في تفعيل المحاور الأخرى للاستراتيجية الوطنية للماء، وخاصة تعبئة المياه السطحية بإنشاء سدود جديدة ومحاربة الفيضانات والجفاف، ليست حاضرة بما فيه الكفاية».
يستند التقرير في إيراده لملاحظة عدم تفاعل سياسة السدود مع التغيرات المناخية على دراسة أنجزها المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، وهي الهيأة البحثية التي صنفت ثالثة في المجال في العالم العربي، صدر سنة 2014، حول «أوجه الهشاشة المناخية واستراتيجيات التنمية»، إذ نبهت هذه الدراسة إلى أن سياسة السدود، ضمن مجالات تدخل أخرى في قطاع الماء، لم تستحضر التغيرات المناخية. يقول تقرير المعهد: «الفرضيات المعتمدة في تقييم الموارد المائية لم تأخذ بعين الاعتبار الانعكاسات الماضية والمستقبلية للاضطراب المناخي على مستوى التساقطات المطرية، مما قد ينسف من الأساس الأهداف المحددة في الاستراتيجية الوطنية للماء لتعبئة موارد مائية جديدة، من أجل الاستجابة لمتطلبات تدبير العرض ولحاجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية».
تمعن دراسة المعهد الملكي في بيان هذه النقطة أيضا بالقول: «بعض مشاريع بناء السدود الكبرى الجديدة ونقل المياه بين الأحواض المائة لم تراع آثار الاضطراب المناخي في المجالات الترابية المعنية بهذه المشاريع، كما هو الحال في منطقتي الجبال والشمال، وهما منطقتان معرضتان أكثر للآثار القصوى للتغيرات المناخية».
لذلك تضمن تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي توصيات بالعناية بمشاريع تحلية مياه البحر وإعادة استعمال المياه العادمة تحسبا لأي طارئ مستقبلي تفرضه التغيرات المناخية، ذلك أن هناك احتمالا معينا يقضي بأننا لن نعود في حاجة لكل هذه السدود في يوم من الأيام، لأنه لن تصير هناك مياه سطحية تخزن فيها بسبب الجفاف، كما أن ابتعاد مدن جديدة بدأت تتوسع عن مصادر الماء الرئيسية، وهي السدود التي يهددها أيضا بمشاكل متفاقمة على مستوى تدبير الماء كما ينبه إلى ذلك التقرير المذكور.

دراسة علمية أنجزت بجهة الغرب تحذر من سيناريو أسوأ
أواخر شهر غشت، نشر أربعة باحثين دراسة حول الجفاف الموسمي والتغيرات المناخية بالمغرب، وبالتركيز عبر معطيات تخص منطقة الغرب، وذلك في مجلة بحثية علمية تابعة لمختبر بحث علمي تابع بدوره بجامعة «بواتيي» الفرنسية.
هذه الدراسة نبهت إلى المعطى المطروح في موضوعنا والمتمحور حول سؤال ما إذا كانت سياسة السدود ما زالت صالحة لتدبير مشكل الماء في ظل التغيرات المناخية.
الدراسة تخلص إلى التأكيد على أن جهة الغرب، ولو أنها من أقل جهات المغرب جفافا، تشهد مشاكل مرتبطة بفترة جفاف سنوية تدوم في المعدل مدة ستة أشهر وتتزامن مع فصل الصيف. الدراسة انطلقت من أهمية السدود المقامة في المنطقة لتجميع المياه السطحية المتحصلة من مواسم الأمطار الشتوية، إلا أنها نبهت إلى أن نزوح المناخ بالمنطقة نحو الارتفاع المطرد في الحرارة، والذي توقعت أن ترتفع بثلاثة درجات مئوية في أفق 2075، بالتوازي مع تراجع في الأمطار بنسبة قد تصل إلى 150 ميلمترا في أفق 2075 أيضا، هي عوامل قد تحد من دور السدود وتفرض التفكير في رؤية موحدة تجمع مختلف المتدخلين لمواجهة ما أسمته الدراسة بالمخاطر ومظاهر الهشاشة المرتبطة بتدبير احتياطي للمياه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى