الرأي

هل يستوعب الخلفي مفهوم «الثقافة الإسلامية»؟

منع مجلة فكرية محكمة عالميا في مجال المعرفة الفلسفية للعلوم، وبالضبط في عالم لم يعد فيه منع الإعلام الورقي ممكنا، يحتاج فعلا لنقاش هادئ، بعيدا عن نظرية المؤامرة، وكذا كيل الاتهامات المتبادلة، والتي يسقط فيها المثقفون المغاربة عند كل اختبار. صحيح أن التبريرات الحكومية لقرار المنع غير سليمة، لأن الأمر لا يتعلق بصور مسيئة على النحو الذي دأبت بعض الجرائد والمجلات الغربية نشرها، والتي تدخل ضمن «الإسلاموفوبيا»، بل بفن إسلامي أصيل، يعكس تنوع وغنى الثقافة العربية الإسلامية، والتي تعدت كونها ثقافة قريش. وهي ثقافة شفوية لا تكتب ولا تصور، لتصبح ثقافة متنوعة وعميقة في تعبيراتها ولغاتها، فكريا وجماليا بسبب انفتاحها.
قرار المنع لا يمكنه إلا أن يسيء إلى مغرب اليوم، لكون المجلة المعنية بالمنع تتضمن موضوعا في غاية الأهمية، ومن غير المعقول أن نعتقد بأن العلاقة بين الدين والعلم هي موضوع يعني الآخرين ولا يعنينا كمغاربة، ذلك أن كل مظاهر حياتنا العامة والشخصية تدل على وجود قلق حقيقي يسكننا كأفراد، تماما كما يسكننا كأمة.. قلق سببه عدم حسمنا في العلاقة بين العقل والأسطورة من جهة، وأيضا بسبب عدم قدرتنا، حتى الساعة، على أن ننقل هذا القلق الوجودي بين الهوية والمغايرة، بين المعتقد والعلم، من مستوى التفكير الساذج والعفوي، إلى مستوى التفكير المنهجي الرصين. لذلك سيحسب على هذه الحكومة الفاشلة في الثقافة والتربية، أنها ساهمت أيضا في تعميم التعتيم، وساهمت في استمرار الوصاية الدينية على هذا الشعب.
حادثة منع مجلة علمية محترمة عالميا، بسبب منمنمات، لا تحيل فقط إلى جهل متخذي القرار في الحكومة المغربية بالثقافة العربية الإسلامية، والتي لم تكن لتصل للعالمية لو لم تنفتح على الثقافات الفارسية والصينية والهندية والأوربية والإفريقية، بكل تعبيراتها، والمنمنمات إحدى أشهر التعابير الثقافية الإسلامية، ولكنها تحيل أيضا إلى إصرارهم على جعل المغرب طرفا في فتن المشرق، فما تمثله بلاد فارس وتركيا بالنسبة لعرب الخليج اليوم، ليس هو ما تمثله هاتان الحضارتان العريقتان في التاريخ العربي الإسلامي. فخلف الحسابات السياسية المحضة التي تحكم موقف الوهابيين اليوم من الخمينيين، هناك ثقافة واحدة ومتنوعة، كان للفرس فيها دور كبير. وإلا فهل يمكن أن ننفي الأصل الفارسي عن جل الفلاسفة والعلماء والنحاة والنقاد الذين ظهروا في العصور المزدهرة للثقافة الإسلامية؟
الغريب في كل هذا هو أن نجد النسخة التركية من العدالة والتنمية تخصص ميزانية ضخمة لصيانة وترميم وحراسة المنمنمات المختلفة، بما في ذلك التي تصور الرسول الكريم وصحابته الكرام، لكونها تعتبرها جزءا من الثقافة التركية. والنسخة المغربية من الحزب ذاته، تصر، في المقابل، على تكريس الانغلاق الذي لا يليق تاريخيا بالثقافة المغربية. وبدل أن تعكس قراراتها حوار الحضارات وتنوع الثقافات الكونية التي تعايشت تاريخيا في المغرب الأقصى، ها هو الخلفي، «مثقف الحزب» يتخذ قرارا ارتجاليا، ذا ملامح وهابية صرفة. ويكفي العودة إلى فتاوى ابن باز وابن عثيمين لنكتشف موقفهما من مسألة التصوير، والتي لا يقتصر التحريم فيها على البشر، بل على كل الكائنات التي لها روح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى