الرئيسية

وزارات وقطاعات اختفت من التشكيلة الحكومية

على بعد خطوات من حلقوم النهاية، الفاصل بين الموت والحياة، ارتدى الجنرال محمد أوفقير بذلته العسكرية ذات اللون الكاكي، وتوجه نحو مصير يعرف أنه لن يكون ورديا. كان أجرى مكالمة الوداع مع زوجته فاطمة التي كانت تقضي عطلة، رفقة الأبناء والوصيفات في منتجع شمال البلاد. لم ينصحها بمغادرة المغرب، وهي الموجودة عند أقرب نقطة إلى إسبانيا. فقط تمنى عليها العودة بهدوء، لعله كان يعرف أن مكالمته تلك ستكون موضع تنصت.
لذلك أصر على طمأنتها حيال الأنباء المتداولة بأن لا شيء يرتدي خطورة بالغة، في إشارة إلى أنه لازال في إمكانه السيطرة على وضع انفلت عن متناول اليد هذه المرة. وبقيت عودته إلى بيته لارتداء اللباس العسكري ضمن ألغاز عديدة، منذ تيقن من فشل محاولة إسقاط الطائرة الملكية.
أقفل السماعة، كما أبواب الزنازين التي تصطك، إيذانا بانعدام المخارج. واستقل سيارة يقودها سائقه الخاص في اتجاه قصر الصخيرات، بعد أن تناهى إلى علمه أن شيئا ما ينتظره هناك. في مرة سابقة قال إن وجوده في باريس تصادف واختطاف المعارض المهدي بن بركة من طرف أشخاص قال إنهم طلبوا فدية للإفراج عنه، وأردف ذلك بأن توقف في طريقه إلى جنيف لزيارة زوجته المطلقة آنذاك.. وهذه المرة ماذا عساه يقول؟
بقية القصة جرى تداولها على نطاق ضيق، بحرفية التفاصيل الدقيقة، وعلى مستويات أخرى وفق أكثر الروايات شهرة. كان على الجنرال أن يخضع لمساءلة عند المدخل الرئيسي للقصر، وهو الذي دأب على أن تكون كل الأبواب مشرعة في وجهه، قبل أن تصل قدماه إلى العتبة.
رأى عميد أمن كان عمل معه عندما كان مديرا للأمن الوطني، وقال لي في لحظة مصارحة إنه بدا مثقل الخطوات شارد الذهن، لا يعرف ماذا يفعل. واكتفى بالسؤال: أين يوجد العقيد أحمد الدليمي؟ فقيل له إنه سبقه إلى قصر الصخيرات.
عندما غادر أوفقير القصر جثة هامدة، حملت فجرا إلى مقر إقامته، لم يسقط اسم الجنرال فقط، بل جرى التشطيب بخط أحمر على منصب اسمه وزير الدفاع. وكان بذلك آخر مسؤول عسكري يتولى إدارة القطاع الذي بدأ مع شخصيات مدنية، مثل محمد الزغاري الذي سيصبح والي بنك المغرب، والرجل القوي في حزب الاستقلال أحمد اليزيدي، ثم المستشار محمد عواد. كما شغل ولي العهد الأمير مولاي الحسن المهمة في الحكومة التي ترأسها الملك الراحل محمد الخامس، فيما كان المحجوبي أحرضان وزيرا للدفاع كزعيم لحزب «الحركة الشعبية» وعسكري قديم. بيد أن الجنرال محمد مزيان الزهراوي كان أول عسكري يتقلد المنصب بعد إعلان حالة الاستثناء. ثم عادت المسؤولية إلى شخصية مدنية، عبر الوزير محمد حدو الشيكر، لترسو في نهاية المطاف على الجنرال أوفقير كآخر وزير للدفاع، خلت بعده كل الحكومات المتعاقبة، إلى أن أصبح هناك وزير منتدب في إدارة الدفاع.
ليست وزارة الدفاع وحدها التي أُلغيت بالاسم القديم والصلاحيات الموكولة لها. فثمة وزارات اختفت بدورها من التشكيلات الحكومية، بعضها خضع لتغيير الأسماء، مثل وزارة التهذيب التي صارت وزارة للتربية، أو قطاع الفنون الجميلة الذي كان ملازما للصناعة التقليدية، وأصبح مجرد مديرية تابعة لوزارة التعليم. وبعضها انتفت أسباب وجوده، كما الاعتبارات السياسية التي حتمت إسناد وزارات إلى أشخاص ذاتيين.
عندما ترأس الحسن الثاني أول حكومة بعد رحيل الملك محمد الخامس، ظهر للمرة الأولى اسم أمير الطرارزة فال ولد عمير، الذي أطلق اسمه على شارع كبير في حي أكدال في الرباط. وقد شغل منصب وزير الدولة المكلف بالشؤون الموريتانية، ولم يتقلد غيره هذا المنصب الذي أحدث في ظروف خاصة، إلا أنه من أجل بعث رسائل الثقة إلى الموريتانيين بعد اعتراف المغرب رسميا بالدولة الموريتانية، سيقع الاختيار على الدبلوماسي والقيادي في حزب الاستقلال محمد قاسم الزهيري الذي كان أول سفير للرباط في نواكشوط. ولا تشبه ظروف اختفاء وزارة الشؤون الموريتانية نظيرتها في الدفاع، لأن الموضوع يطول علاقات ذات منحى دبلوماسي، سيتعزز من خلال إسناد مسؤوليات وزارية، كما هو حال الداي ولد سيدي بابا المتحدر بدوره من أصول موريتانية، وسيكون أول من يتولى رئاسة البرلمان المغربي بعد تشريعيات العام 1977.
من بين الوزارات التي لم تعمر طويلا بالاسم والاختصاصات، تبرز وزارة الشؤون الإفريقية التي تولاها الدكتور عبد الكريم الخطيب، وكأنها وضعت على قياسه واختفت بانسحابه من المسؤوليات الحكومية. بعد أن عكست في توقيتها وأهدافها محور الالتزامات المغربية تجاه حركات التحرير الإفريقية، حيث كان لابد من وضع إطار سياسي يكون رافدا للحوار والدعم. والحال أن العلاقات الإقليمية في إطار الاتحاد المغاربي كانت لها وزارة تعنى بالشؤون المغاربية.
لكن منصبا اعتباريا ضمن التشكيلة الحكومية لم يشغله سوى الحاج أحمد بلا فريج الذي عين ممثلا شخصيا للملك. وهي المسؤولية ذاتها التي اضطلع بها الأمير الراحل مولاي عبد الله، شقيق الحسن الثاني، في فترة على قيد حياته. ومن بعدهما لم يتأت لأي شخصية سياسية الارتقاء إلى مستوى هذه التمثيلية السياسية والاعتبارية. لكن غالبية الحكومات المتعاقبة في السنوات الأولى لاستقلال البلاد ضمت أعدادا كبيرة من وزراء الدولة. وشاءت معطيات أن يعاود الزعيم التاريخي للاتحاد الاشتراكي تحمل مسؤوليته كوزير دولة، في إطار الإعداد للانتخابات التشريعية لعام 1984، إلى جانب قادة الأحزاب السياسية، من دون الاضطلاع بغيرها من مسؤوليات تدبير الشأن العام.
اختفاء وزارات وقطاعات في التشكيلات الحكومية المتواترة، غالبا ما تكون له مبرراته، فبعض القطاعات كانت تفرض نفسها تاريخيا وسياسيا، وبعضها أملته تطورات لم تكن في الحسبان، ما يعني أن ظهور وزارات واختفاء أخرى يصلح مدخلا للتعرف على أسبقيات المراحل والفترات والصراعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى