شوف تشوف

شوف تشوف

ومن الحب ما قتل

عيد الحب لهذه السنة طبعه حدثان، الأول وقع في أحد فنادق عين الذياب، حيث التقى عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة والأمين العام للعدالة والتنمية، بعدوه الأول إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، حول مائدتين متجاورتين.
والثاني وقع في أعلى عمود ضوء بمراكش تسلقه عاشق اسمه مراد، وهدد بالسقوط والانتحار إذا لم يحضروا له خديجة… وعلبة تبغ.
الحدثان معا، على تباعدهما، يعكسان مطالب طبقتين اجتماعيتين لا رابط بينهما، كل طبقة تعيش عالمها المغلق، ولذلك عندما اكتشف مواطنو الفيسبوك من الطبقات الوسطى والمتعلمة صورة خديجة، سارعوا إلى تحرير تعاليق ساخرة، من قبيل «صافي، هادي هيا خديجة اللي باغي ينتاحر عليها»، وكأنهم كانوا ينتظرون أن يكتشفوا على شاشات هواتفهم الذكية وجها ملائكيا عوض وجه كالح حفرت عليه أهوال العيش في الشوارع وافتراش أرصفة الأزقة، أخاديدها العميقة.
ومن جهة هناك مطالب الطبقة السياسية التي استغلت عيد الحب لتبادل الغزل في أفق زواج مرتقب، ومن جهة ثانية هناك مطالب طبقة المسحوقين والمهمشين والمنسيين البسيطة جدا، والتي جسدها مراد بشكل صارخ عندما داعبت مخيلته فكرة تسلق ذلك العمود وشد أنظار الجميع نحوه، وكل ما يتمناه هو أن يحضروا له خديجة وعلبة تبغ.
القصتان معا كانت لديهما، رغم مقدماتهما المختلفة، نتيجة واحدة.
وفي مراكش عندما أحضر رجال الأمن باقة ورد لخديجة لكي تهديها لحبيبها لعله يعدل عن غيه وينزل، فاجأت الجميع عندما خاطبت «عشيرها» قائلة في شبه عتاب «إلى بغيتي تطيح غي طيح راك شوهتينا».
أما مناضلو وأنصار بنكيران الذين تابعوا سهرته في فندق عين الذياب واستمعوا لخطابه حول حبه القديم للحيوانات، بما فيها التماسيح، وذكرياته، التي أصبحت مملة لفرط تكرارها، مع حبه الأول وكيف كان يعطيها الساعات الإضافية، إلى آخر الرواية المعروفة، فقد قالوا جميعا في دواخلهم مخاطبين بنكيران «إلى كنتي باغي تصاحب مع البام غي تلاح وهنينا راك شوهتينا».
حديث بنكيران عن الحب في عيد الحب له سياق سياسي يجب التوقف عنده، وربما لاحظ المتتبعون كيف أن رئيس الحكومة بدأ الحديث عن الحب أسبوعا قبل عيد الحب عندما قال إنه متأكد أن الملك لا يحبهم، يقصد هو وإخوانه وحزبه، ولكنه متأكد أنه لا يكرههم أيضا.
وقد كان بنكيران أول رئيس حكومة يتحدث عن علاقته بالملك بشكل مباشر، فقد قال إنه يتصل به ويستشيره وأحيانا يحكي النكت في حضرته، لكن هذه أول مرة يقحم فيها رئيس الحكومة ثنائية الحب والكراهية في علاقته بالملك، بعدما كان سباقا إلى إقحام الدين في السياسة بادعائه أنه وحزبه يشتغلون مباشرة مع الله وأن من يريد استئجارهم من الله لكي يشتغلوا معه لله في سبيل الله فليس هناك مشكل لديهم.
يعني أن عبد الإله بنكيران وحزبه شركة مساهمة لديها عقد مع الله لكي تشتغل معه حصريا، وإذا أرادت الدولة أن تستفيد من خدمات هذه الشركة، التي يوجد على رأس مجلس إدارتها بنكيران، فإنه مستعد للاستئجار، أي أن يشتغل معهم مقابل أجرة.
أنا أعرف أن من يشتغل مع الله يفعل ذلك في سبيل الله ولا يطلب مقابل ذلك سوى أن يكون مأجورا من الله وليس من شخص آخر، وإلا فإن العمل الذي يقوم به يصبح في سبيل شيء آخر غير الله، وبعبارة أوضح في سبيل المانضة والسيارة والفيلا.
«نتا باغي تخدم مع الله وتخلص من عند المخزن، إلى بغيتي تخدم مع الله صبر حتى يخلصك الله».
ولعله من نافل القول التذكير بأن علاقة رئيس الحكومة بالمؤسسة الملكية يحكمها الدستور وليس العواطف، فالعاطفة هوائية متقلبة وذاتية، فيما الدستور قوانين ومعايير واضحة وصارمة ومتفق حولها كتعاقد يضبط العلاقة بين المؤسسات.
وعندما يقول بنكيران إن الملك لا يحبهم فهو يدخل العلاقة بين مؤسسة رئيس الحكومة والمؤسسة الملكية داخل حقل دلالي ورمزي بعيد كل البعد عن الحقل القانوني للدستور.
يحاول رئيس الحكومة أن يوحي، من حيث الظاهر، بأنه يقف موقفا معارضا لحزب الأصالة والمعاصرة، واصفا إياه بالحزب الذي يعاني من خطيئة النشأة الأولى، ناعتا قيادييه بتهم أخلاقية وجنائية خطيرة. لكنه من حيث العمق ووراء الستائر يتمنى اليوم الذي يرضى عنه هذا الحزب ويقبل بالتحالف معه عبر زواج مصلحة يدوم خمس سنوات.
ولذلك سمعنا بنكيران يتعمق في شرح معاني الحب، وكيف أنه «أخذ وعطاء، أخذ بمعروف وعطاء بدون حساب»، والحال أن بنكيران كان عليه أن يعلن موقفه الصريح مما قاله وزير الخارجية صلاح الدين مزوار من كون الحزب الحاكم يمارس التحكم ويصف خصومه بالخيانة.
أي أن بنكيران كان عليه أن يقول لحلفائه المتشاكسين في الحكومة «الطلاق مرتان، فإمساك بمعروف أو تطليق بإحسان»، عوض «أخذ بمعروف وعطاء بدون حساب».
لكن يبدو أن رئيس الحكومة استحلى وضعية المعلقة التي لا هي عروس ولا هي مطلقة.
إن العقدة التي يعانيها بنكيران وحزبه هي متلازمة ستوكهولم، وهي المتلازمة التي تعني في الطب النفسي الحالة التي تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له، مثل أن يتعاطف المخطوف مع مختطفه.
من السيناريوهات المحتملة الوقوع بعد أشهر قليلة من اليوم، أن يترأس الحكومة المقبلة حزب يقول عن نفسه إنه علماني وأن يرشح لمنصب رئيس الحكومة امرأة، وبهذا يكون المغرب أول بلد تقود حكومته امرأة تنتمي إلى حزب علماني، وكل هذا في مملكة فيها إمارة المؤمنين يمارس فيها الملك سلطاته التي حددها له الدستور.
وبذلك تتحقق نبوءة بنكيران الذي قال في عيد الحب إن الرجل «كايدوخ قدام المرا»، وطبعا كل ودوخته.
وشخصيا أقول «باز» لمناضلي حزب العدالة والتنمية وانكشارية الحزب المرابطة في خنادق الفيسبوك الذين يجدون أنفسهم في كل مرة مجبرين على تبرير تقلبات مواقف بنكيران من حلفائه وخصومه.
وها قد بدأت كتائب العدالة ومريدو بنكيران هجومهم على مزوار، بعدما خصص كلمته في محفله الحزبي لجلد رئيسهم وحزبه، فيبدو أن مزوار سيأخذ مشعل الفساد من يد شباط، فيما شباط سيصبح «زوين» مثلما أصبح مزوار «زوين» لبعض الوقت.
المشكل أن بنكيران عذب مريديه وأتعبهم، من الانتقال من جهة إلى أخرى.
والغريب أنهم يتفننون في اختيار الأدلة والحجج لكل مرحلة.
والحقيقة أنه لا يسعنا سوى أن نقول برافو على رواد السفسطة الجدد.
ونصيحتنا لهم بالمواصلة لأن المرحلة المقبلة مغرية بالمزيد من التبريرولوجية، فعليهم أن يعدوا أنفسهم «من دابا» للدفاع عن تحالفات غريبة وهجينة تلوح في الطريق.
كأن يكونوا جزءا من حكومة مقبلة يقودها البام.
وهذا ليس عيبا، العيب أنكم لم تتركوا هامشا للمناورة، ولم تدخروا أحدا للحظة اندحاركم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى