الرئيسية

يحيا العدل

حسن البصري

أراد عضو جامعي، في زمن الجنرال حسني بن سليمان، تأهيل حكام كرة القدم وشحنهم بما تيسر من وعد ووعيد، فأحضر واعظا ضريرا واستدعى الحكام الذين يقودون مباريات كرة القدم، لحضور درس ديني عنوانه: «الحكم العادل». كان أحمد العموري، رئيس لجنة التحكيم آنذاك، يهمس في أذن الواعظ ويذكره بأن الحكام المتحلقين حوله، هم حكام الكرة، فارتفعت نبرات المتحدث وتوعد المرتشين بنار جهنم وبئس المصير، فيما شوهد بعض الحكام وهم يجففون منابع الدموع، بعد أن تراقصت أمام عيونهم قرارات منفلتة مع سبق الإصرار والترصد.
انتهى الدرس الديني وتقرر إلغاء حصص الوعظ والإرشاد من منظومة تكوين حكام كرة القدم، وبدأ البحث عن بدائل قبل أن يستقر الرأي على تقنية الفيديو، التي تقاسمت مع الحكم سلطاته التقديرية. في كثير من الملاعب لا تتوفر سبل اعتماد هذه التقنية، ولا يملك الحكم إلا صفارته ونباهته لحسم عدد من الحالات التحكيمية المثيرة للجدل، وقد يتحمل في سبيلها حصة من الشتائم وقوارير بلاستيكية تنهال عليه.
يذكر المغاربة الحكم الدولي السابق عبد الكريم الزياني، رحمه الله، الذي عرف بلازمته الشهيرة: «ضربة جزاء لا غبار عليها»، في زمن كانت فيه كثير من ملاعبنا متربة، ونذكر زمن السيبة الكروية، حين أغضب قرار سليم للحكم الراحل بنعلي وزير الداخلية، فقرر تعيينه في العيون ونقله من أمن العاصمة إلى أمن الصحراء.
انتهى زمن غارات الحكام، وأصبح خروج الحكم عن النص استثناء، ففي مباريات كرة القدم يقبل المشجع صفعة وركلة وشتائم من خصوم ومن رجل أمن، لكنه لن يقبل هزيمة بفعل فاعل اسمه الحكم، زاده صفارة وساعة وبطاقتان.
تاب كثير من الحكام وانتهى بهم المطاف في الصفوف الأولى للوعاظ، وكتبوا على ظهر سياراتهم الفارهة عبارة «هذا من فضل ربي»، قبل أن يظهر حكم كاميروني اسمه «أنطوان ماكس ديبادو إيفا إيسوما»، التقطوا أنفاسكم بعد الانتهاء من قراءة اسمه الخماسي، واعلموا أنه سيظل راسخا في أذهان عشيرة الكرة إلى أن يعلن اعتزاله الصفير.
في الثالث من مارس، الذي ظل في أذهان المغاربة يوما للاحتفال، ألغى هذا الحكم الفرجة وأصر على أن ينفخ في صفارته كلما اقتربت الكرة من المرمى، فالرجل يمقت الهزيمة وينتصر للتعادل ويجد سعادة غامرة حين تنتهي مبارياته بلا غالب ولا مغلوب، لا يهم إن كان التعادل بطعم الهزيمة أو الانتصار.
دخل صاحب الاسم الخماسي التاريخ من بابه الواسع، حين أجاز نزع الأقمصة بين اللاعبين، وأباح ضرب الكرة بالقدم والمرفقين، وألغى تسجيل الأهداف في الأنفاس الأخيرة من المباريات رفقا بأصحاب القلوب الضعيفة والمعنويات الهشة.
كانوا ثلاثة ورابعهم حكم آخر، تحول إلى شرطي مرور لمدرب نهضة بركان الذي يركض حول جنبات الملعب دون أن يستوقفه أحد، كأن له ممر ترامواي ممنوع على الراجلين.
حين تحاول الغوص في شخصية هذا الحكم، ستكتشف أنه مندفع في قراراته لا يخشى لومة لائم، هو من برج الثور على غرار مواليد 17 ماي، لو كان الطوبيس برجا لكان من نصيبه، ككل رفاقه في البرج الهائج، يعشق ماكس السفر والرحلات، لكن ما يعاب عليه «الصعوبة في تحديد أولوياته مما يجعله معرضا للحيرة والتردد»، وكلما قرأ حظه قفزت أمامه نصيحة خبير يدعوه للحفاظ على اتزانه النفسي وتماسكه ليتمكن من اتخاذ قرارات سليمة.
المصريون يعتبرون ماكس من مبطلات الوضوء، بعد أن جلدهم بأخطاء تحكيمية حالت دون وصول الفراعنة لأولمبياد ريو دي جانيرو 2016، وحين سئل عن سر قراراته، قال عبارته الشهيرة، «الكرة منفوخة بالهواء والهواء سر الحياة»، حينها انفض صحافيو أرض الكنانة من حوله وهم يرددون «ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى