الرأي

أنا امرأة لا تحب عيد المرأة

يصادف الثامن من مارس لهذا العام قراءتي  لرواية «حفيدات  جريتا  جاربو» للروائية والشاعرة المغربية عائشة  البصري. هكذا قررت الاحتفاء  بيوم حواء! بل يوم كل نساء الدنيا.  يتسرب أنين الشخصيات النسائية عبر حبر الصفحات، صرخات ثاقبة تحكي سلطة مجتمع مارد يدعي  تكريم المرأة  يوما في السنة، علما أن إجلالها حاضر في باقي الأيام. حوريات عائشة  البصري يسكبن رحيق الآهات في قالب سريري، حيث يحكين معاناتهن من بطش الرجال لطبيب نفسي.
الرواية حقل لثماني مريضات يرسمن معالم الخذلان ويضمدن آلام الضغينة المبرحة.  كل مريضة على حدة تكشف عورة جرح غائر سببه ذكر ظالم في ماضيها. ولأن «السكين لا تذكر الرقاب  التي  جزت» وهي عبارة عائشة  البصري، فبطلات قصتها تتملك ناصية البلاغة حيث تحلل ما دفعها لمحو معالم أنوثتها في مجتمع ذكوري سليط. كيف أنها تعاني غربة الجسد الذي يضمحل  تحت وطأة الخضوع. كيف أنها تتمسك بالنسيان، ملاذها  الوحيد، حتى  لا تطفو الخيبات على سطح الذكرى. فهل فعلا وراء كل امرأة ذليلة رجل؟
كفانا مجاملات في حق المرأة، فهي تضحكنا بازدراء! ألا تعلم أيها الرجل أن حواء تمقت الكليشيهات؟ عجيب فعلا الخلط الساذج بين فصل الربيع وأنوثة متشبعة.. نحن لا نناقش البديهيات، فحواء تمطر حنانا شتاء أيضا! تلملم أحزانك كأوراق خريفية مبعثرة ثم تخفف عنك حر العصيب حين تتقد حياتك صيفا. يا لواحة كبريائك! أفلا تخجل من اقتناء زهور عادية يوما واحدا في السنة عندما تسدل عليك نخلة ميساء ظلالها بحب متدفق باقي الأيام؟ يجتثك وريدها ليجري في عروقك بإيقاع يومي؟
ثم لم شهر مارس تحديدا؟ ألأن الحق في السعادة والجمال لا يتسنى إلا في شهرك أنت؟ على متن كوكبك الرجولي؟ يليق بفينوس استعراض أنوثتها في أي وقت عندما تبرز عضلاتك أنت باقي الأوقات! ما يشفع لك عزيزي الرجل هو الرقم السحري: ثمانية، استدارة كاملة ملأى بحنان اللانهاية.. رقم الرقي والكمال.
انتبه ودون ما يلي:
لا تكمن الفحولة في اقتناء حاجيات البيت، ولا في تتبع خطوات ولا فحص هواتف خلوية. لا في شد باب المصعد ولا في الانحياز عن مقعد شاغر، لا هي في كلمات معقولة اقتنيتها من دواوين شعرية ولا في جرد أناطوميتها المعقدة. كن أنضج وأذكى وأرقى تفكيرا!  فالرجولة في قاموس حواء هي مجال لا مرئي، لا مسموع ولا محسوس، تسميه: حرية. حرية أن تكون ذاك الكائن الغامض المتعايش بذعر وغبطة مع أضداده تحت سماء واحدة. قيد خفافيش سلطتك ودعها تعانق وحوش أفكارك لتحررها، فيسود الحب والاحترام. لك كامل السنة لتبرهن على رجولتك الجارفة. اكترث بين الفينة والأخرى لسؤالها فتكن له خير مستمع. اختبر ذكاءها عوض عد مقادير وجباتها المطبخية وتجاوز حماقاتها، فما الجنون إلا لحظة تأمل في نسيج الحياة.
عيد المرأة ليست مناسبة فحسب، إنها فلسفة عميقة، إن لم تحرك ساكنا في مجتمعاتنا الذكورية فلا حاجة لنا للورود ولا للشوكولاته ولا لعناء المطاعم الفاخرة! الاحتفاء بالثامن من مارس هو – في رأيي المتواضع – تقليص لشعاع الأنوثة الأزلي، هو وميض يعبر سنوات ضوئية طويلة، فلم يشع بالذات إلا في الثامن من مارس؟ هل حواء في حاجة لتاريخ محدد ليعترف الآخر بكيانها؟ حواء أكبر من خانة ضيقة في شبكة الزمن.
الكل لا يعشق الكوميديا. لتجعل أيها المجتمع من باقي أيام السنة أعيادا تتقاسم مسراتها مع نسائك، فحواء كريمة جدا! لك الأعداد من واحد إلى ثلاثين، ابتكر فرحا واقتن هدايا ما شئت! استفز أنوثتها واصقل طموحها. حواء لا تتكلم عن مساواة بل عن حب واحترام ودلال! لم تشن حربا هزلية أنت أكبر خاسريها؟ لم تفكر في اقتسام إنش الحياة عندما تكون حواء مكملة للوحتك اليتيمة؟ يا له من انفصام في رؤيتك!
احتفل بعيد المرأة كلما تصفحت بعض السيرات الذاتية عوض تفقد مفاتن جسد من بعدين. حينما تفاجئك أنثى بفكرة جديدة تستحق التنويه. كلما استمتعت بقهوة فنجانك دون الغوص في تنورات متحركة. اليوم، كل النساء في حواء تحتفي بغبطة. أما أنا  فلن أتمنى لهن عيدا سعيدا حتى يحتفل بهن كل يوم، ما دمن يقدمن للرجال 365  سعادة على مدار السنة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى