شوف تشوف

الرأي

اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا.. السيناريو المرعب

من المفترض أن يبدأ تطبيق اتفاق وقف النار في مختلف أنحاء سورية منتصف ليل الجمعة السبت، ولكن معظم الدلائل تشير إلى أن فرصه في التطبيق على الأرض تبدو شبه معدومة، فالهجمات السورية الروسية الجوية والبرية ستستمر ضد «الجماعات الارهابية»، وهذه الجماعات سترد حتما، وتركيا، ومثلما أكد رئيس وزرائها أحمد داوود أوغلو، لن تلتزم بالاتفاق وستواصل قصفها للجماعات التي تعتبرها بدورها إرهابية، مثل قوات حماية الشعب الكردية التي تحظى بدعم أمريكي.
هذا أغرب اتفاق لوقف إطلاق النار يتم التوصل إليه في تاريخ منطقة «الشرق الاوسط»، وربما الكرة الأرضية، لأن من توصل إليه دولتان عظميان، ودون التشاور أو التنسيق مع «اللاعبين» الأساسيين على الأرض، أو حتى «الهامشيين» داخل سورية أو في المنفى، وفوجئت به الدول الاقليمية.
«الدولة الاسلامية» تلتزم الصمت تجاهه، ربما لأنها غير معنية به، لكن شقيقتها بـ«الرضاعة» من ثدي «القاعدة» كانت الأعلى صوتا، عندما خرج السيد أبو محمد الجولاني زعيم «جبهة النصرة» ببيان صوتي وصف الاتفاق بـ«الهدنة المذلة» و«المخزية»، وطالب الفصائل المقاتلة برفضه، وقال «احذروا خديعة الغرب وأمريكا.. واحذروا مكر الرافضة والنصيرية.. الجميع يدفعكم للعودة لعهد الطاغية نظام الأسد الظالم»، و«جبهة النصرة تتشكل من شبكة من الأذرع العسكرية والفصائل، وبعضها ينضوي تحت مظلة «معارضة الرياض» التي أيدت الاتفاق.
رد فعل زعيم تنظيم «النصرة» يعكس حجم المخاطر التي يواجهها هذا التنظيم في المستقبل القريب في جبهات القتال، فاتفاق الهدنة استثناه، وأعطى الضوء الأخضر، بل و«الشرعية»، لمواصلة روسيا غاراتها الجوية ضد مواقعه، ولاستعادة أدلب وجسر الشغور ومناطق أخرى في شمال حلب التي يسيطر عليها «جيش الفتح»، أحد أذرعه العسكرية، مدعومة بقوات نظامية سورية على الأرض حققت إنجازات كبيرة في ريف حلب الشمالي في الأسابيع الأخيرة.
الخلافات بدأت تطفو على السطح بين الرئيس بشار الأسد وحليفه الروسي حول العملية السياسية، والفترة الانتقالية، الأمر الذي دفع الرئيس السوري إلى الإقدام على «ضربة استباقية»، أثارت غضب هذا الحليف، عندما أصدر مرسوما بالدعوة إلى انتخابات برلمانية في أواخر شهر نيسان (أبريل) المقبل، ولكن الطرفين متفقان على مواصلة الحرب على الارهاب ومنظماته، وعلى رأسها تنظيم «النصرة» و«الدولة الاسلامية»، الأمر الذي قد يؤجل أو «يجمد» هذه الخلافات إلى حين.
الموقف على الأرض لن يتغير والغد سيكون مثل الأمس، والشهر المقبل مثل من سبقه، واتفاق إطلاق النار يذكرنا بآلاف مثله أثناء حروب الشرق الأوسط، خاصة في لبنان واليمن وليبيا والعراق وإيران، فكيف سيطبق ويحظى بأي فرص للنجاح وهناك أكثر من 250 تنظيما سوريا مسلحا على الأرض على الأقل، في ظل تداخل جغرافي بين هذه التنظيمات، وانعدام الرقابة على الأرض، وآلياتها لمعرفة من التزم، ومن لم يلتزم، ففي الكيلومتر المربع الواحد يمكن أن تكون هناك سيطرة لأكثر من تنظيم.
سورية تنجرف بسرعة نحو «الخطة ب» التي تحدث عنها، وهدد بها، جون كيري وزير الخارجية الأمريكي قبل بضعة أيام في حال انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، أي غزو بري سعودي تركي مدعوم أمريكيا، وتقسيم جغرافي وديمغرافي لسورية، فالوزير كيري قال في شهادته أمام الكونغرس قبل يومين إنه لا يوجد أي ضمان لنجاح وقف «الأعمال القتالية» بينما طالبه نظيره الروسي سيرغي لافروف بالكف عن الحديث عن خطط بديلة وعمليات برية ومناطق منزوعة السلاح، مثلما انتقد، أي لافروف، تصريحات الرئيس باراك أوباما التي أدلى بها يوم الخميس (أمس) عن ضرورة تنحي الأسد في حال التوصل إلى سلام دائم.
هذا اتفاق لوقف إطلاق النار لا يريده، ولا يحتاجه أحد، ويتمنى الجميع فشله، والموافقة عليه تأتي من قبيل «سد الذرائع″ وفي إطار سياسة كسب الوقت، ومحاولة تجنب الأسوأ، أي الحرب الاقليمية التي قد تتطور إلى حرب أممية، فالوضع في سورية خرج عن السيطرة، بشقيها السياسي والعسكري.
المهم الآن هو شكل ومضمون السيناريو الذي سيكون عليه المشهد السوري بعد الفشل المتوقع لهذه الهدنة، وربما سيكون دمويا ومرعبا في معظم جبهات القتال، ولعل وصول الطائرات السعودية المقاتلة إلى قاعدة أنجرليك التركية، وفي مثل هذا التوقيت، هو أحد مقدماته، وكل ما يقال أن هدفها، أي الطائرات السعودية، الحرب على «الدولة الاسلامية» هو غطاء لهدف آخر هو «التقسيم الجغرافي» لسورية، وإنشاء كيان سني «جديد في الرقة ودير الزور والحسكة، ويكون امتدادا لآخر في الموصل.
هل ينجح هذا المخطط؟ وهل ستعترض الصواريخ الروسية من طراز إس 400 هذه الطائرات السعودية ونظيرتها التركية، وهل ستقف الولايات المتحدة وإدارتها مكتوفة الأيدي تراقب الموقف عن بعد؟ وما هو رد فعل تركيا ورئيسها أردوغان؟ هل ستكون حربا روسية تركية سعودية؟ أم حربا عالمية روسية أمريكية؟
الأسابيع المقبلة قد تحمل أجوبة على هذه التساؤلات.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى