الرأي

اسمي مكتوب؟

على الذين يحاولون الاصطفاف إلى جانب الحكومة في مسألة جهلها بمجريات تعنيف الأساتذة المتدربين أن يعلموا جيدا أنهم يضيعون وقتهم.. لا شيء آخر.
وبما أننا نعاني ارتجاجا في الذاكرة كما لو أننا تعرضنا لسقوط جماعي على القفا، فإنه لا بأس أن نعود بجميع المسؤولين والمواطنين إلى الوراء للوقوف على الأعذار التي سيقت بعد كل حملة عنف في حق المواطنين.
مخطئ من يعتقد أن الشارع المغربي اليوم يمارس ضغطا ضد الحكومة. هناك إحراج فقط، لا يرقى أبدا إلى درجة الضغط من أجل التغيير. وحتى هذا الإحراج فإن القلة فقط من يشعرون به، خصوصا منهم الذين لم يتقنوا بعدُ لغة الخشب.
كل ما يقوم به المغاربة اليوم هو الجلوس أمام الحواسيب بعد وجبة عشاء دسمة ويشرعون في كتابة التنديد والاستنكار، وغالبا بأسماء مستعارة.
عندما كان الشارع المغربي يمارس ضغطا حقيقيا فإنه كان يتعرض للقمع بكل بساطة، وفي الشارع وليس في غرفة النوم أو عتبة المنزل حيث غالبا ما يتم اختراق «ويفي» الجيران.
عندما تتبنى الشعوب قضية ما، فإنها تنزل للشارع دفاعا عنها، ولا تكتفي بالتواصل الاجتماعي، لأنه وكما هو مبين من اسمه، يبقى أداة «تواصل» وليس مرجعا للنضال ولن يكون يوما رصيدا نضاليا لأحد، لأن شاشة سميكة تفصله عن الواقع.
ما وقع للأساتذة المتدربين وغيرهم، خلال الفترة الحكومية الحالية جدير فعلا بالتأمل. فإذا كان الأساتذة المتدربون قد استفادوا من دعم شعبي واسع، وهذا يحسب لهم، فإن منظر المكفوفين وهم يُسحلون أمام البرلمان خلال السنة الماضية كان أولى أن يتم التعاطف معه، لكن هؤلاء لسوء حظهم لم يتواصلوا جيدا مع الرأي العام للاستنجاد به كما وقع مع الأساتذة المتدربين.
الخلاصة هنا أن الرأي العام المغربي لا يتعاطف ولا يندد ولا يستنكر إلا إذا تم تهييجه، وهذا أمر خطير في حد ذاته، لأن أشكال التضامن المغربي تخرج عن نطاق المعقول في أحيان كثيرة، وتتحول إلى مهازل حقيقية.
في سنوات السبعينات والثمانينات، عندما كان مجرد حيازة منشور يندد بغلاء المعيشة، جريمة لا تُغتفر، كان للمغاربة على الأقل وعي جماعي بما يقع. على الرغم من الانغلاق الإعلامي الذي عاشه المغرب وقتها، والرقابة الشديدة على الصحف، فإنه كانت على الأقل معارضة حقيقية تنشر أفكارا بين الناس، وكان الطلبة الجامعيون أيضا يقومون بتأطير الطبقات الفقيرة والمهمشة..
ما وقع، وهذا ما يؤسف له، أنه تم تمييع كل شيء بمجرد دخول التسعينات، وتم الإجهاز على المحطات الانتخابية بالتتابع حتى لا تفرز إلا ما أرادته وزارة الداخلية عندما كانت أبوابها حارقة ولا يدخلها إلا الذين يتوافقون مع مزاج إدريس البصري.
وعلى ذكر إدريس البصري، فإن بعض الناس في الرباط ما زالوا يشعرون بالحنين لأيامه، من شدة إدمانهم للقمع الذي كان في عهد ولايته الطويلة على رأس أم الوزارات. وكلما رأوا مواطنين يعبرون عن رأيهم، يهمسون لبعضهم: «فين ايامك أسي ادريس؟»، حيث كان الاحتجاج وقتها محرما ورغم ذلك كان الناس يخرجون للاحتجاج.
لا يمكن الحصول على ترخيص للاحتجاج، ومع ذلك عندما ينزل المواطنون إلى الشارع فإن أول عذر تسوقه الداخلية لتبرير القمع هو عدم التوفر على ترخيص، وهكذا يدور المحتجون في حلقة مفرغة. هذا العذر، ما زلنا نسمعه إلى اليوم، وهو التبرير الذي قُدم الأسبوع الماضي لمحاولة تبرير ما طال الأساتذة المتدربين في مختلف المدن المغربية.
هناك مسؤولون سابقون كانوا يقمعون المظاهرات، استخلصوا بعد سنوات طويلة أنهم كانوا على خطأ وأن مد الشارع وزخم الاحتجاج لا بد له أن يستمر. أحدهم أسرّ لي مرة بأن ألف نسخة من إدريس البصري لن تنجح أبدا في ترويض المتمرد الذي يوجد داخل كل مواطن هُضمت حقوقه. ولشدة خوف هذا الرجل فإنه يخشى دائما الحديث إلى الصحافيين. يرجوك أن تقسم له أنك لا تسجل ما يدور بينك وبينه ولو على فنجان قهوة، وإذا لمحك تكتب شيئا على الورق يخطفه بعجالة ويسأل بطريقة مضحكة: «اسمي مكتوب؟».
مَن يخاف مَن الآن؟ الذين خرجوا للاحتجاج وتم تفريقهم بالرصاص قبل عقود.. أم الذين كانوا يقفون وراء تنفيذ الأوامر؟ اسألوا الشارع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى