الرئيسية

الأخبار ترصد نقطا سوداء معرقلة لمشاريع ملكية بمدن الشمال

تطوان: حسن الخضراوي
أطلق الملك محمد السادس العديد من المشاريع الضخمة بمدن الشمال، والتي غيرت وجه المنطقة وجعلتها تنافس كبريات المدن السياحية العالمية. لكن المجالس المنتخبة والسلطات المسؤولة، عوض أن تساير هذه المشاريع التي تروم بناء المستقبل، استغرقت في تدبير الواقع المر وانتشار البناء العشوائي والتخريب الذي يطول المشاريع وإهمال الصيانة في ظروف غامضة وصمت مريب. في هذا التحقيق، رصدت «الأخبار» العديد من النقط السوداء التي تعرقل المشاريع الملكية بالشمال، أهمها انتشار أحزمة البناء العشوائي في واضحة النهار والتخريب وعدم الصيانة.
يفاجأ الزائر لجزيرة عشوائية بمرتيل اسمها «الديزة» بأنها أضحت تعمل بقوانين خاصة غير تلك المتعارف عليها. تجاوز القوانين الجاري بها العمل في البلاد يتمثل في نهب الرمال والتهميش والإقصاء، في ظل الكثافة السكانية والعيش داخل منازل تتنفس تحت المياه الآسنة والروائح العطنة.
لا حديث بمرتيل إلا عن المشروع الذي دشنه الملك لإعادة تهيئة وادي مرتيل، والبناء العشوائي الذي يزداد ليلا ونهارا فوق الوادي في ظروف غامضة، جعلت أحد المسؤولين، حسب مصادر مطلعة، يقف خلال أحد الاجتماعات، متسائلا بقوة عن الجهات المسؤولة التي تقف في وجه عرقلة المشاريع الملكية؟

جزيرة الديزة
تشير الساعة إلى الحادية عشرة من صباح الجمعة الماضي. داخل جزيرة الديزة العشوائية يخيل إليك وأنت وسطها أنك توجد بأحد أحياء الأرجنتين العشوائية حيث يسود اللاقانون وتعشش الفوضى.
كل غريب يدخل الحي لا بد للأعين أن تترصده لتعرف أكبر قدر ممكن من المعلومات حول الغرض من زيارته للحي.
لا مجال هنا للمغامرة، ولا يمكن أن تدلي بهويتك كمراسل صحفي، لأن ذلك قد يعرض سلامتك الجسدية للخطر، ويعرقل عملك بشكل لا يمكنك تتخيله.
نتوغل في الحي العشوائي «الجزيرة» وكلما توغلنا أكثر زادت المعاناة، وارتفعت معها مؤشرات الفقر والتهميش والفوضى واللاقانون في واضحة النهار وكأن الأمر عادي جدا.
درجة خطورة الوضع هنا قد تصل إلى مشاهدة أسلاك كهربائية تقترب من المياه بشكل يهدد حياة المحيط بأكمله. الأزبال منتشرة في كل مكان والأطفال يلهون ويلعبون وثيابهم متسخة وتبدو على ملامحهم مؤشرات الفقر المدقع والحاجة.
يبدو أن براءة الأطفال تنسيهم ما يدور حولهم من أخطار الجراثيم والأوبئة، والسكن وسط جزيرة تحيط بها المياه الملوثة من كل مكان.
يقترب أحد السكان منا لاستفسارنا عن سبب الزيارة، وهو يراقب جيدا نسخة من الجريدة نحملها بأيدينا. ليبادر بالسؤال «شي حاجة آ الشريف؟». ادعينا أننا من جمعية تهتم بمعاناة ساكنة الأحياء العشوائية ونريد جمع أكبر قدر من المعلومات من خلال زيارة ميدانية.
يقول الرجل الأربعيني، بعدما اطمأن إلى أننا لا نشكل مصدرا لما قد يجر عليه وعلى جيرانه المتاعب، إن «ساكنة الحي العشوائي جلها تتحدر من أنحاء مختلفة من المغرب. هنا خليط من القصر الكبير، وسوق الأربعاء، وسيدي قاسم، وأقاليم أخرى كثيرة. نسكن هنا مثل الفئران كما ترى، ولا وجود لأي بنية تحتية».
ويضيف مصدرنا أن جل ساكنة الحي تعيش تحت عتبة الفقر، و«لا قبل لنا بتوفير ثمن سكن لائق.. منين تجيني 25 مليون للسكن الاقتصادي؟
نوفر فقط ما نقدر عليه لشراء قطعة أرضية بالديزة، ونتدبر بعدها عملية البناء التي لا تحتاج منا أكثر من «قهيوة».. وها أنت ساكن».
ويستطرد قائلا: «نريد أن نضع فقط ياجورتين من أجل استقرار أطفالنا وعدم تشريدهم عندما لا نقدر على دفع ثمن الكراء، لذلك إذا كنتم في جمعيتكم تريدون قول شيء ما عن الحي، فلا تقولوا إننا نخرق القانون ببنائنا العشوائي. بل قولوا إننا نريد سكنا لائقا وعملا كريما يضمن كرامتنا»، مضيفا «إذا لم يكن كذلك فليتركونا فقط مع البحر لأنه أرحم.. خليونا منا للبحر».
ودعنا الرجل الأربعيني وهو يشير إلى العديد من اللوائح الانتخابية التي لا زالت معلقة على الجدران، وفيها شعارات، من قبيل «مع فلان ستحقق مرتيل الأفضل»، «صوتكم أمانة غالية سنحافظ عليها». ليسائل المرء نفسه أي مستقبل لمرتيل السياحية والمشاريع الضخمة التي أشرف الملك على إطلاقها مع انتشار أحزمة البناء العشوائي ليل نهار، وما ينتج عنه من ظواهر مشينة من قبيل انتشار المخدرات والتطرف والجريمة والأمية، وما إلى ذلك من الموبقات.

w

مساكن عائمة
أن تشتري بقعة أرضية لبناء مسكن من أجل الاستقرار هو شيء مألوف وعادي جدا، لكن أن تشتري بقعة مائية بوادي مرتيل لبناء مسكن عائم فوق المياه الآسنة، فأنت حتما بجزيرة الديزة بمرتيل وبالضبط بوادي مرتيل الذي دشن تهيئته الملك، ويشهد فوضى عارمة.
تجري أعمال البناء العشوائي فوق الوادي في واضحة النهار، وكأن الأمر خارج تدخل أي سلطات تذكر.
هناك منازل عائمة تحيط بها المياه الملوثة من كل جانب، وأساسات عائمة أخرى لا تظهر منها سوى أعمدة حديد البناء التي تحدد معالم البقعة المائية.
لا شيء يستحيل في الديزة مع العقود العرفية لبيع القطع الأرضية التي تتم المصادقة عليها على الرغم من عزل الموظفين المسؤولين وصدور قرارات متتالية لعامل عمالة المضيق- الفنيدق ورئيس الجماعة، بعدم التعامل مع مثل هاته العقود التي تساهم في انتشار البناء العشوائي، وتمثل إحدى أبرز النقط السوداء المعرقلة لنجاح المشاريع الملكية وأهدافها في تغيير وجه المنطقة وتنميتها بإحداث قطاعات مهيكلة تحفظ كرامة المواطن.
أحزمة البناء العشوائي لم تتوقف كما عاينت «الأخبار» خلال جولتها الميدانية، حيث المراقبة مشددة على كل غريب من أجل منعه من التصوير ونقل المعلومة. السكان هنا يحسبون كل المؤسسات المتدخلة ضدهم سوى من يغمض العين بطريقة أو أخرى للسماح لهم ببناء ما لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يسمى سكنا للاستقرار.
طلبنا معلومات حول أثمنة البقع المائية، والطريقة التي يمكن أن نحصل بها على سكن بالديزة، مدعين أن أحد أفراد العائلة يريد الاستقرار بالحي، لكن المعلومات المقدمة كانت شحيحة والكل دعانا للاتصال بأحد السماسرة عندما يكون المبلغ جاهزا، منبهين في نفس الوقت إلى أن العملية يمكنها أن تفشل ويتم هدم المنزل في حال لم يتم التقيد ببعض الضوابط الضرورية التي يطلب السمسار احترامها.

مافيا الرمال
اقتربنا من شاطىء الديزة لنعاين ظاهرة خطيرة جدا تتعلق بنهب الرمال الموجودة على الشاطىء من أجل بيعها بشكل منظم وفي واضحة النهار.
يحرس العملية أشخاص يدققون جيدا في هوية الغرباء وينتبهون إلى أدق الحركات التي يمكن أن يقوم بها أي شخص تفاديا للتصوير.
شباب يجرون عربات إلى الشاطىء يملؤونها بالرمال رفقة آخرين ثم يعودون جريا إلى الحي، وكأن الأمر عادي جدا ولا يتعلق بخرق سافر للقانون وتهديد خطير للحي العشوائي بالفيضان في حال صعود أمواج البحر، وحدث ذلك وغمرت مياه البحر العديد من المنازل سابقا.
قال لنا مصدر رفض ذكر اسمه إن الأمر خطير جدا وإنه لا يمكننا الاقتراب أكثر أو التصوير ضمانا لسلامتنا حتى وإن كنا سندعي أننا جمعويون.
وأضاف المتحدث أن العملية تتم بشكل أكثر استنزافا خلال الليل، حيث يتم استعمال الشاحنات عوض العربات والدراجات النارية «التريبورتور» خلال النهار.
مبرر الشباب العاملين في المجال بحي الديزة، هو غياب فرصة عمل لسد المصاريف الخاصة ومساعدة عائلاتهم، في حين قالت مصادر إنه يتم استغلالهم فقط من طرف جهات خفية ومافيا نهب الرمال التي تجني من وراء العملية مبالغ مالية مهمة.
تركنا عمليات نهب الرمال في واضحة النهار مستمرة وأقفلنا عائدين للخروج ومغادرة جزيرة الديزة.
في طريق العودة، صادفنا بنايات داخل الحي تهتم بالتنمية البشرية ومنها مكتبة الحي.
عن أي مكتبة يمكن الحديث داخل هذا البؤس الذي تعيشه ساكنة الديزة والكثافة السكانية العالية جدا وسط رقعة جغرافية ضيقة؟ البحر أمامها والواد محيط بها؟ يتساءل أحد الشباب.
ودعنا أطفالا صغارا يلبسون أسمالا ويلهون على جانب الوادي الملوث بالأزبال، على أمل أن تتحسن أحوالهم في المستقبل ويفي السياسيون بوعودهم المعلقة على الجدران وتحمل شعارات رنانة من قبيل (معنا ستكون مرتيل أفضل).
خرجنا لمعاينة نقط سوداء أخرى تعرقل المشاريع الملكية لتحسين حياة المواطنين وكلنا أمل في أن نجد جوابا عن السؤال المؤرق: من المسؤول؟

هدم واحتجاج
خرج العشرات من المتضررين من عملية الهدم التي تقوم بها السلطات المسؤولة بين الفينة والأخرى بحي الديزة العشوائي بمرتيل، لتنظيم وقفة احتجاجية أمام باشوية المدينة، ورفع شعارات تطالب بتعويضهم عن الأضرار المادية التي لحقتهم جراء الهدم. وتقوم السلطات المسؤولة بين الفينة والأخرى بتنفيذ عمليات هدم لبعض المنازل العشوائية بحي الديزة، منها من بنيت في ظروف غامضة وأخرى لا زالت في طور البناء، وعمد أصحابها إلى الاستيلاء على قطع أرضية تقع بالمياه وحاولوا تحويلها الى أكواخ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسمى مساكن.
هذا وتنتشر ظاهرة البناء العشوائي بمرتيل بشكل واسع شأنها في ذلك شأن مناطق أخرى بعمالة المضيق- الفنيدق، حيث تكونت أحزمة أحياء عشوائية واسعة على جنبات الساحل في ظروف غامضة ودون اعتماد الإجراءات القانونية الخاصة بالتعمير، ومرد ذلك- حسب مصادر- الى الاستغلال السياسي للظاهرة من طرف بعض المنتخبين وسماسرة الانتخابات، بالإضافة إلى تراخي أعوان السلطة والمصالح المسؤولة في تفعيل القوانين الجاري بها العمل.
تأسست نواة «جميعا من أجل إنقاذ وادي مرتيل» وكان هدفها حماية الوادي التاريخي بالمدينة ووقف العشوائية الخطيرة التي يعيشها، لكن لا حياة لمن تنادي. فالديزة أمرها غريب جدا ولها حكم خاص لن يقدر معناه إلا من زارها وعاين وضعها مباشرة.

az

تخريب وإهمال
من أخطر النقط السوداء التي تعرقل نجاح المشاريع الملكية بالمضيق والفنيدق، البناء العشوائي والأحياء العشوائية التي نبتت كالفطر في ظروف غامضة.
مشاريع صرفت عليها الملايير في إطار إعادة الهيكلة والآن تتقاذف المؤسسات مسؤولية عدم صيانتها وتعرضها للتخريب.
نذكر هنا معضلة تخريب مرافق كورنيش الفنيدق وإهمال الصيانة الضرورية، وشارع محمد الخامس الذي صرفت على إعادة تهيئته ميزانية ضخمة ليصبح مكانا لما يشبه السوق الأسبوعي واكتظاظه بـ«الفراشة» بشكل لا يسمح فيه بالمرور للسيارات والراجلين على حد سواء.
علقت على الشارع آمال كبيرة في تغيير وجه المدينة، والرقي بها إلى مصاف المدن السياحية العالمية في رؤية ملكية تتطلع إلى المستقبل، لكن وبتهاون المؤسسات المسؤولة ذهب كل شيء أدراج الرياح وذهبت معه الملايير التي صرفت في إطار إعادة الهيكلة التي تعرفها المدينة والتدشينات الضخمة للمشاريع التي أطلقها الملك، وكان يعول عليها لإضفاء قيمة جمالية تساهم إلى جانب المرافق الأخرى في جلب السياحة والقطع مع العشوائية والفوضى التي عرفت بها الفنيدق منذ زمن طويل. أصبح الشارع الرئيسي بالمدينة كما عاينت «الأخبار» عبارة عن ساحة شهدت حربا ضروسا.اقتلع زليجه وخربت مصابيحه العمومية باهظة الثمن، ودمرت مساحاته الخضراء بلا رحمة وكأنها لم تكن.
لا يمكن أن نتحدث عن شارع رئيسي لمدينة تتطلع إلى الاعتماد على القطاع السياحي، بقدر ما نتحدث هنا عن سوق أسبوعي يغرق في العشوائية وسط خيامه المنصوبة في واضحة النهار، واكتظاظه بالباعة المتجولين بشكل يلفت نظر زوار المدينة قبل سكانها.
يذكر أن إهمال جماعة المضيق لأعمدة الكهرباء العمومي دون أغطية تسبب في إصابة طبيب شاب بصعقة كهربائية قاتلة في وقت سابق، كما سبق لجماعة الفنيدق أن قدمت وعدا بإصلاح وصيانة كل مرافق كورنيش الفنيدق، دون أن تعمل على ذلك إلا بشكل ترقيعي محدود جدا.
مشروع نظام التطهير الذي دشنه الملك أيضا لحماية الشواطئ الشمالية من التلوث يعرف أعطابا متتالية لا يتم إصلاحها في الوقت المناسب، وقد تناولت «الأخبار» الموضوع في مقال سابق لتتدخل المصالح المسؤولة وتغطي المياه العادمة بالرمال تفاديا للرائحة الكريهة في انتظار الصيانة الضرورية ليستمر السؤال المؤرق المطروح من المسؤول عن النقط السوداء التي تعرقل تنزيل الرؤية المستقبلية للمشاريع الملكية الضخمة؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى