الرئيسيةبانوراماخاص

التفاصيل الكاملة للعرض المغربي باللجوء إلى الطاقات المتجددة مقابل 35 مليار دولار

باريس: عزيز الحور

مقالات ذات صلة

المعلومة التالية هي التي تحرك سكان العالم بأسره الآن، خصوصا الرسميين منهم وأصحاب القرار المجتمعين في القمة العالمية للمناخ باريس منذ 27 نونبر وحتى الآن: إذا لم يتمكن العالم من خفض درجة حرارة الكوكب بدرجتين مئويتين قبل 2030، فلن تنخفض الحرارة بعد ذلك مهما فعلت دول العالم. حقيقة مفزعة تنذر بنهاية مرعبة في حال لم يتم اتخاذ قرار حاسم في قمة المناخ الحالية. ورغم أن هذه الحقيقة تفزع الجميع، فإن طرق التعامل معها تفرقهم، وذلك وفق ما تظهره مسودة اتفاق قمة المناخ 21 والتي (تتوفر «الأخبار» على نسخة منها).
مسودة الاتفاق، التي تعدل بعد كل جولة مفاوضات يومية بين الدول المشاركة، والتي تضم 46 صفحة حتى نهاية الأسبوع الماضي تتخللها عدة تحفظات. لكن ما الذي يجعل أصحاب القرار مختلفين إلى هذه الدرجة؟ مكمن الاختلاف الأساسي هو ما يلي: الدول النامية تقول إن الوضعية المناخية المقلقة التي يعيشها الكوكب حاليا هي من فعل الدول المتقدمة والمصنعة، وبالتالي فلا يمكن تعميم قرار يشمل الدول النامية. مضمون الاختلاف هو اقتصادي بالضرورة، فالدول الصاعدة والنامية تقول إن فرصتها في النمو الاقتصادي يجب أن تمر عبر الطاقات الأحفورية كما فعلت الدول المصنعة. ولتجنب ذلك يجب على الدول المصنعة والغنية أن تدعم الدول الصاعدة والنامية ماليا لبلورة توجه اقتصادي وصناعي قائم بدرجة أولى على الطاقات المتجددة والنظيفة. الاختلاف إذن مادي ويدور حول ما يمكن أن تقدمه الدول المصنعة التي هي سبب الاحتباس الحراري اليوم، وحول هذا الاختلاف تدور المفاوضات، وضمنها أيضا يدور الموقف المغربي في النقاش. في هذا التقرير سنرصد تفاصيل الموقف المغربي من محادثات باريس الحالية حول المناخ، كما سنترصد أبعاد خطة المغرب للجوء إلى الطاقات البديلة التي ستتطلب دعما ماديا دوليا يصل إلى 35 مليار دولار.
كان لخطاب الملك محمد السادس أمام قادة الدول المشاركين في افتتاح «كوب 21» الخاصة بالمناخ، وقع كبير، كما تقول حكيمة الحيطي، الوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة المكلفة بالبيئة، في حديثها مع «الأخبار»: «جلالة الملك كان أول رئيس دولة يرفع من التزامات بلده في أول يوم من القمة العالمية للمناخ، وهذا أمر مهم»، توضح الحيطي.
الخطاب الملكي تضمن تقديم المغرب عرضا مغريا للمنتظم الدولي، يقوم على أساس رفع المغرب تحدي تقليص انبعاثاته الحرارية باللجوء إلى الطاقات المتجددة. هذا العرض يتكلف الآن وفد يضم 350 مسؤولا مغربيا بباريس بالتسويق له في مفاوضات هدفها الأساسي بالنسبة للمغرب استجلاب دعم مالي دولي لتمويل مشروع اللجوء إلى الطاقات المتجددة. «هناك حاليا 700 مغربي في قمة باريس، 350 منهم مسؤولون ينشطون في ثلاثة أروقة، فضلا عن وجود 20 مفاوضا يمثلون مختلف القطاعات الحكومية. الهدف الأساسي هو الخروج باتفاق يتم تفعيله في قمة 22 التي ستنظمها مراكش»، تردف الحيطي.

مفاوضات عسيرة
يظهر أن رأس حربة الوفد المغربي المشارك في قمة باريس، هم مفاوضوه العشرون. كان من المفترض أن تشرف وزارة البيئة على فريق المفاوضات هذا، قبل أن تدخل وزارة الشؤون الخارجية والتعاون على الخط. هنا تبرز الأبعاد الدبلوماسية للحدث. «سنسعى لأن تكون نتائج لقاء باريس الحالي في المستوى كي يكون لقاء العام المقبل في مراكش عمليا. يجب تقديم التزامات مالية، فهناك دول في طريق النمو لم تساهم في الاحتباس الحراري، ومن المفترض تخصيص 100 مليار دولار في أفق 2020 لدعم نمو هذه الدول دون اللجوء إلى الطاقات الملوثة. لكن يبدو أن الوصول إلى هذا الرهان صعب»، يقول صلاح الدين مزوار، وزير الشؤون الخارجية والتعاون في تصريحه لـ«الأخبار».
يظهر أن رهان المغرب التفاوضي يتجلى أساسا في استقطاب دعم مالي لتمويل مشروع انتقاله إلى الطاقات المتجددة. فلا مجال للخروج بمجرد كلام من هذه القمة. رهان المغرب هذا يفسره أن البلد لا ينتج الطاقة الأحفورية، وأن لجوءه إليها يعمق عجزه التجاري، وبالتالي فالاعتماد على الطاقات المتجددة يبقى حلا اقتصاديا ومناخيا جيدا، لكنه حل مكلف. ولهذا يصر المغرب في طرحه الرسمي على مسألة التمويل الخارجي، وهو ما نستشفه من حديث مزوار مع «الأخبار»، حين يقول: «نراهن في قمة مراكش المقبلة على التفعيل العملي لالتزامات الدول التي ستتمخض عن قمة باريس، وهذا الرهان يقوم على ثلاثة أسس: أولها نقل اهتمامات الدول الإفريقية، ثم تعبئة الموارد المالية لمساعدة الدول على خفض انبعاثاتها، وإقرار مشاريع عملية على مستوى دول لها حاجيات لتقوية قدراتها الطاقية».
من خلال التصريح السالف ذكره، يمكن التقاط كلمة «عملي» أكثر من مرة. العملي هنا هو بدرجة أولى دعم مادي يدور حول فاتورة تصل إلى 35 مليار دولار.

من يسدد الفاتورة؟
مجموع ما سيكلفه الانتقال بالمغرب من اللجوء إلى الطاقات الأحفورية، والنفط بدرجة أولى، إلى الطاقات المتجددة، هو 45 مليار دولار، وفق ما تؤكده وثيقة رسمية صادرة عن مديري دفة المفاوضات في باريس، (تتوفر عليها «الأخبار»). فالمغرب أعلن نيته خفض لجوئه إلى الطاقات الأحفورية إلى 32 في المائة فقط في أفق 2030. هذا التقليص يتطلب منه تمويل مشاريع طاقات متجددة. فاتورة المشاريع تبلغ 45 مليار دولار، والمغرب أعلن توفيره 10 ملايير دولار لهذا الغرض، وينتظر تمويلا خارجيا بما تبقى من المبلغ، أي 35 مليار دولار. أين سيذهب هذا التمويل الفلكي في حال الحصول عليه؟
وفق الوثيقة ذاتها، يعرض المغرب خطة مفصلة للانتقال إلى الطاقات المتجددة. الخطة تستند على توجه رسمي بالاهتمام بالمناخ، إذ خلال الفترة ما بين 2005 و2010، وجه المغرب 64 في المائة من النفقات المناخية نحو تمويل خطط سياسة التأقلم المناخي لخفض الانبعاثات الحرارية التي يصدرها أساسا. هذا ما يشكل نسبة 9 في المائة من نفقات الاستثمار. المغرب يعد بأكثر من ذلك، إذ يعرض الانتقال بنفقات الحفاظ على المناخ إلى نسبة 15 في المائة من النفقات العامة للاستثمار في أفق سنة 2030.
مدخل هذا الانتقال سيكون أساسا اللجوء إلى الطاقات المتجددة، وهنا يعرض المغرب، وفق الوثيقة ذاتها، اعتماده في إنتاجه لنصف حاجته من الكهرباء في 2025 على الطاقات المتجددة. الأمر سيمر، تلازميا، بخفض اللجوء إلى الطاقات الأحفورية في إنتاج الطاقة إلى مستوى لن تشكل فيه، في أفق 2030، سوى 15 في المائة. ومن الحلول المقررة أيضا اللجوء إلى الغاز الطبيعي المصفى.
تقضي خطة المغرب بتفعيل هذه الأرقام المغرية عبر خطط وطنية قطاعية، بدءا بالاستراتيجية الوطنية للطاقة، وهنا يقدم المغرب مضيه نحو تحقيق 42 في المائة من قدراته الكهربائية عبر الطاقات المتجددة في أفق 2020، حيث تشمل الطاقة الشمسية 14 في المائة من الإنتاج والأمر ذاته بالنسبة للطاقة الريحية ثم المائية. وعلى المستوى القطاعي، وفي ظل الاستراتيجية المذكورة، سيتم العمل على تحقيق اقتصاد طاقي بنسبة 12 في المائة في أفق 2020، و15 في المائة في 2030، كما سلف بيانه، وذلك من خلال خفض استهلاك الطاقات في البناء والصناعة والنقل، حيث ستعنى الصناعة بنسبة 48 في المائة من مستوى التقليص، بينما سيعنى قطاع النقل بنسبة 23 في المائة، في حين سيعنى قطاع البناء بنسبة 19 في المائة.
رزمة البرامج تشمل مخططات أخرى وطنية وقطاعية، تشكل كلها باقة عروض لاستدراج تمويل دولي لسداد فاتورة الانتقال إلى الطاقة النظيفة.

بين المال وحقوق الإنسان
المدافعون الرسميون عن العرض المغربي سالف الذكر يمثلون عدة قطاعات. عدد من الوزراء جاؤوا إلى باريس، بينهم وزير الفلاحة والصيد البحري، فضلا عن الوزيرة المكلفة بالماء، شرفات أفيلال، التي ذكرت، في حديث مع «الأخبار»، أن ثمة حاجة إلى الاهتمام بتدبير إشكالية الماء التي تدخل، حسبها، في صلب القضية المناخية التي يناقشها «كوب 21». تقول أفيلال: «قطاع الماء هو القطاع الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية، ويظهر ذلك على مستوى الآثار الكارثية للتقلبات على الماء، وذلك على صعيد عدة مشاكل مثل ندرة الماء والنزاعات التي تنشأ عن ذلك. الهدف هو أن تجعل العائلة الدولية في صلب اهتمامها قضية الماء وأخذها على محمل الجد، من خلال رصد الإمكانيات المادية والبشرية والتكنولوجية، وتقديم تحفيزات مالية للدول الإفريقية التي تعاني من مشاكل مرتبطة بتدبير الماء نتيجة التغيرات المناخية حتى صرنا نتحدث عن نازحين مناخيين».
وأشارت أفيلال في حديثها أيضا إلى التمويل، وورد في معرض كلامها لفظ «المادي». إجماع رسمي إذن على أن المغرب بحاجة إلى دعم مادي وليس مواساة كلامية، بالنظر إلى مشاكل مرتبطة بالتغيرات المناخية، والتي تهم قطاع الماء به، وفق ما توضحه أفيلال على النحو التالي: «لقد بدأت التغيرات المناخية تنعكس بشكل واضح على قطاع الماء في المغرب، سواء عبر الجفاف أو الفيضانات التي كان آخرها ما عرفته مدن في الجنوب المغربي».
مسؤول واحد تحدثنا إليه هو الذي لم يشر إلى الدعم المالي والمادي، الأمر يتعلق بإدريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وركز اليزمي ركز، في تصريحه لـ«الأخبار»، على البعد الحقوقي في النقاش المثار في باريس الآن حول المناخ. يقول اليزمي: «الدفاع عن البيئة مرتبط بحقوق الإنسان، ذلك أن الحقوق البيئية تمثل حاليا الجيل الرابع من حقوق الإنسان. ولأول مرة في تاريخ الإنسانية تظهر تغيرات مناخية تهدد الإنسانية كلها، وبالتالي لا بد من تعبئة الإنسانية عبر الانطلاق من القيم المشترك وهناك تحضر حقوق الإنسان. لقد قمنا بعمل متميز مع المجتمع المدني منذ شهور ونربط علاقات مع الجمعيات للتحضير لقمة مراكش العام المقبل».

الجمعيات المغربية.. الحاضر الغائب
في نهاية كلامه يثير اليزمي، المسؤول الرسمي، دور المجتمع المدني في النقاش حول تدبير مشاكل التغيرات المناخية. في الواقع، أكثر ما حرك النقاش العالمي حول المناخ هو المجتمع المدني. ولذلك كان لافتا بروز دور الجمعيات المدنية والمنظمات الدولية في قمة باريس، ولو من خارج موقع التفاوض.
في جناح داخل الفضاء الذي يحتضن قمة باريس سمي «جناح الأجيال»، توجد الجمعيات المهتمة بالبيئة. هنا النشاط والدينامية أكبر. أفعال غاية في الطرافة والنباهة تدعو إلى الانطلاق من الفرد للحفاظ على البيئة والمناخ، بدءا بأفكار متفردة في تدوير النفايات، وصولا إلى ابتكار دراجات تشحن الهواتف المحمولة وتساعد في تشغيل معاصر مشروبات فواكه.
في زاوية قصية من هذا الجناح أفرد مكان لائتلاف جمعيات مغربية. رغم مرور يومين على الانطلاق الرسمي لقمة باريس، كان العمل على تحضير فضاء الجمعيات المغربية جاريا. وسائل بدائية استعملت. الأمر لم يتعد وضع ملصقات عليها اسم الائتلاف والجمعيات المشاركة فيه على جدران الرواق المغربي. حتى إلصاق الملصقات تم بواسطة لصاق عاد وبطريقة مرتجلة، رغم أن هناك حديثا بلغنا عبر مصدر مسؤول، بشأن تمويل عمومي مهم بتنظيم هذا الرواق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى