الرأي

الحقيبة الملعونة

داخل مقر حزب الحركة الشعبية، يقوم مجموعة من قياديي الحزب بعمليات إحماء استعدادا للتباري حول منصب وزير الشباب والرياضة الشاغر، يحلم «السنابل» بخلافة امحند العنصر على رأس قطاع متقلب الأحوال، بعد أن فضل أمين عام الحزب رئاسة مجلس جهة فاس- مكناس وما جاورهما، حتى لا يظل في حالة تناف أو بلغة الرياضيين «في وضعية تسلل».
سيقدم العنصر استقالته من الوزارة ويحمل حقائبه نحو مقر الجهة، بعد أن تعب من الاستوزار وجلس على كراسي السيادة والقيادة لفترات، حتى تحولت المناصب الحكومية لديه إلى مجرد باحة استراحة.
ولأن الانتماء إلى حزب الحركة الشعبية شرط عين في مسابقة الحصول على منصب وزير لقطاع الشباب والرياضة، فإن كثيرا من القياديين الحركيين يقضون لياليهم تائهين في أحلام الاستوزار، وحين يستفيقون يكتشفون أنهم ممددون على أسرّة بلا دواوين.
«السنابل» حائرون يتنافسون حول حقيبة وزارية محجوزة لحزب العنصر، لكن شروط الاستوزار تضع كثيرا من الحالمين بالمنصب خارج حسابات الأمين، وقد تساهم في ظهور حركة تصحيحية جديدة داخل حزب في كل سنبلة من سنابله ألف حبة فهامة. وإلى جانب الولاء للأركان العامة للحزب، يفضل أن ينتمي الراغبون في المنصب الشاغر لمدن وقرى تعاني فيها الرياضة من سكرات الموت ويموت فيها الشباب من هول الفراغ القاتل، أو أن يكون القيادي المرشح من الذين لا يدخلون الملاعب إلا حين تحتضن تجمعا سياسيا.
يعرف الراسخون في علم السياسة أن وزارة الشباب والرياضة هي الأكثر عرضة لتغييرات المناخ السياسي وتقلباته، من زمن بنسودة إلى العنصر، عشرات الوزراء وكتاب الدولة والمندوبين السامين، مروا مرور الكرام أحيانا واللئام أحيانا أخرى، فهي الوزارة الوحيدة التي تفتح شهية السياسيين رغم أن ميزانيتها هي الأشد ضعفا وسقما.
في ظل التهافت على المنصب الوزاري، لا بد أن نستحضر اسم محمد بلحسن العفاني، الشهير بالأب «جيكو»، فهو أول وآخر من رفض المنصب بعد أن قلصت حكومة البكاي عدد حقائب حزب الشورى والاستقلال إلى أربعة، ورغم موقف الرجل فقد نال وسام العرش من الملك محمد الخامس، أمام اعتراض التشريفات والأوسمة.
لا يختلف امحند العنصر عن عبد الرحمن الخطيب، فهما معا نزلا درجات في سلالم الاستوزار، فقد شغلا معا منصب وزير الداخلية وبعد سنة أحيلا على كرسي الشباب والرياضة، لكن الاختلاف الوحيد بين الرجلين أن الأول لا علاقة له بـ«الشورط» إلا حين يدخل الحمام، والثاني كان لاعبا سابقا في نادي «اليسام المراكشي»، ورئيسا للوداد البيضاوي، وعداء للمسافات المتوسطة والطويلة، لذا «ضربها بهربة» إلى فرنسا حين فهم مغزى التعيين المستفز. وكاد القيادي الاستقلالي عبد الحفيظ القادري أن يلقى المصير نفسه لذنب لم يقترفه، حين انهزم المنتخب المغربي أمام نظيره الجزائري، في ذروة الاحتقان السياسي بين البلدين سنة 1979، فتذكر رجال الملك القول المأثور «طاحت الصمعة»، لكن الحسن الثاني أقال جامعة الكرة والمدرب وغير اللاعبين والأقمصة.
لا يختلف كرسي وزارة الشباب والرياضة عن كرسي زعيم في بوركينا فاسو، فهما معا يعيشان قلق الانقلابات، قد تمسي وزيرا وتصبح أسيرا، وفي أحسن الأحوال يطلب منك الحضور لحفل تسليم المهام والأختام بزي رسمي مصحوبا بابتسامة مستعارة، وقبل أن تغادر مقر الوزارة، التي أطعمتك من جوع، يسلم لك موظف الاستقبال صورتك التي لطالما زينت مكتبك في إطار مغبر.
أغلب الوزراء وكتاب الدولة، الذين عينوا في هذا المنصب، كانوا مجرد عابري سبيل، باستثناء عبد اللطيف السملالي، لذا أصبح السياسيون يتشاءمون من كرسي لا يستقر على حال، لأن قرار الإعفاء آت لا ريب فيه، حتى قبل أن يستكمل الوزير زيارة مرافق وزارته ويتعرف على أسماء كبار مساعديه.
تنتظر الوزير الجديد ملفات كثيرة تراكمت بسبب انشغال العنصر بالانتخابات، لكن قيادة الحركة تحذره من فتح ملف الملعب العائم كي لا تجرفه السيول، وتدعوه للإفراج عن راتب هشام الكروج، بعد أن غازل حزب «السنبلة»، وتنصحه بفتح باب خلفي لسعادته، وتخصيص الواجهة الأمامية للمعتصمين، ووضع لوحة مزركشة في مكتبه، كتب عليها بخط عثماني «أنتم السابقون ونحن اللاحقون».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى