الرأي

«الحق» في السرقة

مشكلة قرصنة البحوث الجامعية بمختلف أنواعها، تعد من الطابوهات الكبرى في الجامعة المغربية، قديما وحديثا. وسنويا يتم ضبط مئات الحالات من طرف بعض الأساتذة النزيهين والجديين، والذين يقرون باستفحال الوضع سنة بعد أخرى، لطلبة اختاروا الطريق «السهل» في إنجاز «البحوث»، واعتمادهم على قرصنة مقالات يصعب على الأستاذ المؤطر «الكسول» تقفي أثرها. لكن عندما تتفشى الظاهرة أيضا في الأطروحات الجامعية، سواء في نظام الدراسة الجديد أو القديم، أطروحات يتقدم بها «موظفون» سامون، أو موظفون يشتغلون في قطاعات يفترض أن تكون حارسة لقيم الحكامة والنزاهة في القطاعين العام والخاص، فنحن فعلا نتكلم عن «وباء» حقيقي، فقط تنقصنا الشجاعة والنزاهة لإعلان الطوارئ.
صحيح أنه من الإجحاف والظلم تعميم الظاهرة، إذ في كل الجامعات المغربية بدون استثناء، وكذا في كل مؤسسات التعليم العالي غير المنتسبة للجامعة، يوجد شرفاء ونزهاء وباحثون حقيقيون، لا يتسرعون في إخراج الكتب ثقيلة الوزن وتافهة المضمون، ويقومون بأمانة وتجرد بتأطير الطلبة الباحثين، ليس بحثا عن ترقيات سريعة وسهلة، بل دفاعا عن قيم البحث العلمي..، لكن بالمقابل حين يتقاطع كسل بعض الأساتذة المؤطرين، غير القادرين على تخصيص ساعات على مدى أشهر لقراءة أطروحة جامعية واحدة، بعدم نزاهة بعض الطلبة الباحثين، سيما مع الإمكانات الهائلة التي تتيحها الثورة المعلوماتية الحديثة، يضاف إلى هذا لامبالاة الوزارة الوصية في التعامل مع الحالات التي ترد عليها، والتي تثبت بالأدلة والقرائن وجود سرقات علمية، وكذا التعامل «السياسوي» للنقابة أحيانا في تبني ملفات بعض «السارقين».. كل هذه المعطيات تتضافر لتصنع واقعا خطيرا، يصبح فيه بعض رجال الفكر والعلم والبحث غير مختلفين كثيرا عن بعض الفاسدين والغشاشين الذين يوجدون في الشوارع العامة وأسواق المتلاشيات.
لقد حاولت الدولة المغربية استنساخ نماذج عالمية في مجال البحث العلمي، من خلال خلق شبكة وطنية رقمية تتيح للباحثين الاطلاع على كل البحوث والأطروحات المنجزة في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، بشكل يجعل هذه الأطروحات شفافة أمام الجميع.
كان هذا من ضمن أهداف إحداث «المركز الوطني للبحث العلمي والتقني» في غشت 2001، والذي من مهامه المساهمة في تعميم المعلومات العلمية والتقنية ونشر أعمال البحث والقيام بأنشطة تتبع آخر المستحدثات التكنولوجية، والإسهام في تعزيز البنية التحتية الوطنية للبحث، وتقديم خدمات لفائدة الفاعلين في مجال البحث، والمساهمة في تحسين قيمة الأبحاث ونشر نتائجها، وفي هيكلته يوجد معهد آخر يسمى «المعهد المغربي للإعلام العلمي والتقني» أو ما يعرف بـ«IMIST»، و«مهمته الأساسية تكمن في وضع الوثائق العلمية والتقنية رهن إشارة كل من يحتاجها في الأوساط العلمية والصناعية ومختلف دوائر صناع القرار، ليكونوا في طليعة مجال تخصصهم، ولتسهيل الوصول إلى أعمال الكفاءات العلمية الوطنية والتواصل معهم». غير أن الملاحظ هو أن جامعات كثيرة وكذا بعض الشعب وبعض مختبرات البحث التي تتلقى تمويلات مجزية، سواء من مصادر تمويل وطنية أو في إطار شراكات مع جامعات أجنبية، ترفض إرسال البحوث والأطروحات المنجزة إلى هذا المعهد، وهذا يطرح علامات استفهام كثيرة، مع أن فكرة هذا المعهد المتطور هي استنساخ لمعاهد موجودة في دول أوربية تتشدد في مراقبة علمية للبحوث والأطروحات، من قبيل فرنسا وبلجيكا وألمانيا، بحيث تتيح لكل الباحثين أرشيفا ضخما لكل الأطروحات والبحوث المنجزة في إطار جامعاتها. فمثلا يمكن للباحث أن يطلع على كل البحوث المنجزة في الجامعات الفرنسية، بما في ذلك التي أنجزت بداية 2015، من خلال موقع «theses.fr»، بل إن هذا الموقع التابع للحكومة الفرنسية، ينشر أيضا عناوين الأطروحات التي هي في طور الإنجاز، وهو الأمر الذي لا تقوم به بعض جامعاتنا إلا بشكل انتقائي واختياري وليس بشكل ملزم، وهو ما يفرض على رئيس الحكومة، باعتباره رئيسا للجنة الوزارية لتنسيق وتخطيط البحث العلمي، بموجب القانون رقم 1.76.503 بتاريخ 5 شعبان 1396، 5 غشت 1976، الإسراع بوقف هذا النزيف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى