شوف تشوف

الرأي

السياحة بالتيمم

 على السيد وزير السياحة، لحسن حداد، أن يفكر جديا في مغادرة مكتبه لفترة والنزول إلى الخلاء المغربي، ليلامس واقع السياحة المغربية بعيدا عن ضوء مكتبه النهاري ونسيم المكيف والأوراق المعطرة التي تعج بالأرقام.
عليه أيضا أن يفكر في إيقاف الهدر وعدم استغلال الموارد التي نتوفر عليها مجانا لاستقطاب المزيد من السياح الذين يختارون المغرب دون غيره بدون سبب واضح. لأن الوزارة الوصية تؤمن بالحكم الإلهية زيادة عن اللزوم، وتتوكل على الله وحده في كل شيء، وتترك السياحة، التي تعتبر في الدول الأخرى رهانا حقيقيا، تترزّق كل موسم سياحي وكأنها «حانوت».
وبما أن وزير السياحة عندنا يتقن جيدا فن الحديث وتحريك اليدين ومقارنة أرقام السنوات الماضية بأرقام السنوات الحالية، وإرجاع أسباب الانكماش إلى «الربيع العربي» وما شهدته «المنطقة»، بينما يحب أن يستغل توافد مزيد من السياح على مكان ما في المغرب، وينسبه إلى مجهودات وزارته، فإن مستقبل السياحة المغربية يدعو فعلا إلى القلق، لأنه لم يعد يحتمل أبدا أن يسير بالبركة.
عشرات المقاهي الراقية في «كورنيش» أكادير، تتجول فيها نسائم المحيط وحدها محدثة أصواتا مرعبة أثناء مرورها بين قوائم الكراسي، في انتظار قدوم سياح عليهم أن يكتشفوا أولا وجود بلد اسمه المغرب، بواسطة محرك البحث «كَوكَل»، وإذا وجدوه فإن العناية الإلهية وحدها تتكلف بالباقي. ولم نسمع يوما أن وزارة السياحة تقود حملة عالمية حقيقية للتعريف بالمغرب، ولم نر يوما وزير السياحة يتفقد المنشآت السياحية أو يشرف على لجنة خاصة لتفقد واقع مناطق سياحية مغربية بدائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ومع ذلك فإنها تستقطب سنويا أعدادا مهمة من السياح المحليين والأجانب أيضا.
جولة واحدة في جنوب ورزازات، كافية للخروج بفكرة مفادها أن السياحة المغربية تواجه مشاكل حقيقية. ابتسامة السكان المحليين و«أتاي بالرزّة»، لم يعودا كافيين للترويج للمغرب في عالم تستعمل فيه الدول الأخرى شيئا يدعى التواصل والتسويق ودعم المشاريع السياحية الجديدة.
حتى أن بعض الذين اعتادوا على الاشتغال في المهن الهامشية التي تنتعش بالرواج السياحي، أصبحوا يفتحون منازلهم الخاصة بعد ترميمها بالطين المحلي وإنارتها بالغاز بدل الكهرباء، لاستقطاب السياح الذين يبحثون عن عيش حياة الناس البدائيين لفترة. ولولا المنازل الخاصة والقصور المرممة بمجهودات هؤلاء الناس البسطاء، لما وجد السياح مكانا للمبيت خارج سياراتهم التي يكترونها قرب المطارات فور وصولهم إلى المغرب.
وبما أن وزير السياحة ضليع في اللغة الإنجليزية، في نسختها المغربية بطبيعة الحال، فإنه يعلم جيدا أن هناك دروسا مضحكة في السياحة يتلقاها طلبة الدراسات الإنجليزية داخل الجامعات بالمغرب. وهكذا يصبح الطالب الذي ينتظر وزير التعليم العالي ليصرف له منحة دراسية، مضحكة كل ثلاثة أشهر، مطالبا بحضور دروس في كيفية الحجز في الفنادق وسحب الحجز وكيفية الحديث مع مكتب الاستقبال، علما أن الفنادق الوحيدة التي يكون الطالب المسكين قد زارها في حياته، هي فنادق «البهائم» في الأسواق الأسبوعية.
النساء اللواتي يحملن أكوام الحطب فوق رؤوسهن، والحيوانات المنفلتة، ورائحة الطواجين، والآلات البدائية لطحن البن، وصور الرجال الذين رحلوا ولم يتركوا خلفهم شيئا إلا البنادق التي تقاوم اليوم الصدأ فوق جدران الغرف التي تحولت إلى مكاتب للاستقبال في فنادق لا تتوفر على الكهرباء لكنها تقدم خدمة «الويفي»، هي كل ما يتوفر عليه المغرب غير النافع من موارد لاستقطاب السياح الجدد.
الكثير من السياح من القارة الأمريكية وشمال أوربا يتجولون بالسيارات رباعية الدفع بين طرقات رسمتها البغال وحدها منذ مئات السنين ولم تفكر الحكومة إلى اليوم في «تزفيتها».. لقد «زفتوا» أشياء كثيرة في الحقيقة، فاتهم فقط أن «يزفتوا» الطرق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى