الرئيسية

العربي حصار وفاطمة بنسليمان.. زواج نضالي بين صيدلاني وحقوقية

كان قدر فاطمة بن سليمان أن تعيش بين فاس والجديدة والرباط ثم سلا، فقد ولدت بمدينة فاس لكن وفاة والدها إدريس بن سليمان وعمره لا يتجاوز 35 سنة، أربك طفولة فتاة لم يكن عمرها يتجاوز بالكاد سبع سنوات، بعدما كانت متيمة به إلى حد كبير، وهي التي ورثت عنه حب المغامرة وطول القامة والهامة. ويحكى أن والدها توفي بسبب قصور كلوي ناتج عن هوايته لسباق دراجات نارية. فقد كان يرفض التنقل من مدينة إلى أخرى إلا وهو وعلى متن دراجة من الحجم الكبير.
بعد هذا المصاب عاشت فاطمة في كنف والدتها لهيبة الخطيب وجدتها، وقضت طفولتها وشبابها بمدينة الجديدة بين عائلتي الكباص والخطيب، حيث سهرت على تربيتها جدتها مريم الكباص، زوجة عمر الخطيب، فاستعادت توهجها الدراسي وتمكنت من الظفر بشهادة الباكلوريا والانتقال إلى الدراسة الجامعية، والانخراط في العمل السياسي داخل تنظيمات حزب الاستقلال، لتنتقل إلى العاصمة الرباط حيث بدأت مسارها الدراسي العالي، وبموازاة معه اختارت فاطمة جبهة النضال الجمعوي.
في بداية الخمسينات، حلت فاطمة بمدينة سلا، حيث دشنت لمحطة جديدة في حياتها. فهناك تعرفت على العربي حصار الذي سيصبح زوجها، فأحبته وعشقت من خلاله مدينة سلا، بعدما كان القاسم المشترك بينهما هو العمل الجمعوي. لقد انخرط العربي منذ شبابه في العمل السياسي من خلال نشاطه الجمعوي، وحين انتقل إلى الديار الفرنسية لاستكمال دراسته الجامعية في مجال الصيدلة، أسس جمعية الطلبة المغاربة بفرنسا، وساهم في مواجهة الاستعمار باستقطاب فرنسيين مناصرين لحق المغرب في الاستقلال. كان ذلك في منتصف الأربعينات من القرن الماضي، حيث كان طالبا بكلية الطب والصيدلة بفرنسا، قبل أن يلتحق بالجزائر العاصمة بعد احتلال ألمانيا لفرنسا.
هذا وبرز عمل العربي الوطني كذلك في صفوف حزب الاستقلال الذي احتك فيه بكبار القادة السياسيين، وحين عاد إلى سلا تقلد منصب كاتب عام لأول مجلس بلدي بسلا سنة 1960، كما دخل التجربة الانتخابية في المدينة ونجح في الحصول على مقعد برلماني سنة 1977 باسم حزب الاستقلال، الذي تألقت فيه زوجته فاطمة التي انضمت إلى صفوف الحزب منذ البداية عضوا في الحركة النسائية وفي جميع الهيئات والجمعيات الموازية، ثم في المجلس الوطني واللجنة المركزية إلى جانب زهور الأزرق، بل إن الأميرة لالة عائشة اعتمدت عليها كثيرا في بناء صرح التعاون الوطني، وأسهمت في إنشاء مؤسسة محمد الخامس للتضامن وكانت بوصلة الراحلة زوليخة نصري في العمل الخيري.
كان العربي حصار صيدلانيا، لكنه عرف بدوره التربوي أستاذا بمدرسة «النهضة»، وهي المؤسسة التي مرت منها كثير من الشخصيات السلاوية، بل إن فاطمة ساهمت إلى جانب العربي في تأطير الشباب داخل المخيمات الصيفية بالأطلس الصغير.
ويحكي مولاي إسماعيل العلوي عن العربي حصار مجموعة من المواقف، حيث ذكر أن إطلاق اسم «الاتحاد» على صيدلته لم يكن اعتباطيا، حيث قال إن «حصار أبى إلا أن تكون صيدليته بمدينة سلا، بعد تفكير عميق، صيدلية «الاتحاد» لتتحد حولها جميع التيارات، الشيء الذي دعا جميع السلاويين على اختلاف أفكارهم واتجاهاتهم إلى الاعتزاز بصيدلية «الاتحاد» وبصاحبها المجاهد الوطني العربي حصار».
ومن المواقف التي سجلت في كناش نضال الرجل، أنه حين اضطر المغرب إلى الاستغناء عن بعض الأساتذة الأجانب، كان العربي حصار هو العمود الفقري لهذا الاتجاه، وذلك بالسهر على أن تفرض الباكالوريا العلمية بالعربية قيمتها لتكون لها نفس تلك التي للباكالوريا الفرنسية، وكان يحارب كل من يظن أن العربية غير قادرة على القيام بالمهمة. ومن كفاحه في هذا الميدان، أنه كان يسهر على تحضير وتصحيح المواد العلمية بالعربية.
ومع مطلع عام 2010، انطفأت الحياة في دواخل العربي الذي دفن، بناء على وصيته، في زاوية سيدي عبد الله بن حسون، وتلقت أسرته رسالة تعزية مؤثرة من الملك محمد السادس، عبر من خلالها لنجله محمد سعد حصار ولأرملة الفقيد فاطمة حصار بنسليمان، وكافة أفراد أسرته وذويه، عن أحر تعازيه المولوية ومواساته في «رحيل قطب وطني كبير».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى