الرئيسية

«الغرافيتي».. كتابات حائطية تعبر عن السخط وأخرى داعشية تزرع الخوف وتستنفر الأمن

كوثر كمار

«الإلتراس لن تحل» عبارة كتبت على جدران العديد من المدن المغربية خاصة مدينة الدار البيضاء.
وكان قد أطلق «اتحاد الإلتراس المغربي» في آخر نشاط له للتعبير عن رفضه قرار المنع الذي طال الفصائل المغربية، حملة «الغرافيتي»، التي شاركت فيها أغلب المجموعات، وذلك بكتابة كل فصيل عبارة «الإلتراس لن تحل»، على جدران مدينته، في أكبر الشوارع وأنشط الطرق لضمان وصول الرسالة إلى المسؤولين دون تأخير.
واتفقت غالبية الفصائل المشجعة للأندية الوطنية على توحيد الصفوف كإجراء أولي، ثم محاولة إزالة الصورة السلبية التي ألصقت بـ «الإلتراس»، بعد أحداث شغب متفرقة في عدد من الملاعب الوطنية، لعل أبرزها سقوط ضحيتين من جمهور الرجاء، بعد صراع بين فصيلي «غرين بويز» و»الإيغلز»، المشجعين للنادي نفسه، في ملعب محمد الخامس قبل حوالي ثمانية أشهر.

الإلتراس والكتابة على الجدران
يلجأ عشاق كرة القدم المغربية إلى الكتابة على الجدران من أجل تعبيرهم عن حبهم لفريقهم المفضل، وقد يصل الأمر إلى الاحتجاج، فـ «الغرافيتي»، أو الرسم على الجدران، يعد وسيلةً للإلتراس عبر العالم، للإطاحة بكل مسؤول سولت له نفسه العبث بتاريخ النادي الذي تسانده، كما أصبح أداةً للتعبير عن الآراء والتوجهات، وكذا للاحتفاء برموز النادي وتخليدها.
منير، شاب ينتمي إلى أحد «إلتراس» البيضاء رفض الكشف عن هويته، يقول في حديثه مع «الأخبار»، إن معظم مجموعات «الإلتراس» ترفض قرار الحل، وذلك بسبب دورها المهم الذي تلعبه خلال المبارايات، فمن دونها لن يكون لكرة القدم أي معنى.ويضيف أن «الإلتراس» تبدل مجهودا كبيرا من أجل تأطير الجماهير وتشجيع اللاعبين فقرار حلها ليس صائبا، ويضيف أن الحل من أجل محاربة ظاهرة الشغب داخل الملاعب هو تشديد المراقبة أولا ومنع دخول الأسلحة البيضاء إلى الملاعب، ومنع المدمنين على المخدرات الولوج إلى المدرجات.
ويرى منير أن الوسيلة الوحيدة من أجل التعبير عن القرارات المجحفة في حق الإلتراس هو الكتابة على الجدران من أجل إيصال صوت الجماهير إلى الرأي العام والجهات المسؤولة.
لقد دأبت الجماهير الكروية على استعمال الجدران كوسيلة للاحتجاج، فقد سبق لجمهور الوداد البيضاوي أن كتبوا على معظم جدران المدينة عبارة «أكرم ارحل»، بسبب سوء التسيير الذي عرفه النادي حيث طالب الجمهور رئيس النادي آنذاك بالرحيل.
ولم تقف الرسومات فقط على جدران الحائط وحافلات النقل، بل بلغت إلى حد وصولها إلى أوراق الامتحانات سلك الباكالوريا بعدما كتبت عبارة «أكرم ارحل» على أوراق الأجوبة.

التمجيد لـ «داعش» بالبرنوصي
يعمد مجهولون إلى كتابة عبارات استفزازية على الجدران تمجد لزعماء تنظيم الدولة الإسلامية المعروف اختصارا بـ«داعش»، الأمر الذي يبث الذعر في نفوس المواطنين.
وهو الشيء الذي أكده محمد البشري الكاتب العام لجمعية الفجر الاجتماعية بمنطقة البرنوصي بمدينة الدار البيضاء، يقول خلال حديثه مع «الأخبار»، إنه قبل شهرين لاحظ سكان منطقة الأزهر وتحديدا بالمجمع السكني الفجر، كتابات على الجدران تمجد للبغدادي و«داعش»، بالإضافة إلى انتشار عبارات السب والقذف، مما أثار غضب السكان الذين قاموا بمسح الجدران وإعادة صبغها.
ويؤكد محمد البشري، أنه اتصل بأحد المسؤولين بالملحقة الإدارية التابعة للحي، لكن لم يتم الاستجابة لمطلب السكان ومحو أثار الكتابة على الجدران.
ويرى محدثنا، أن العبارات التي تمجد «داعش» ذات أبعاد خطيرة وتستدعي فتح تحقيق في الموضوع حول الجهات التي تقف وراء الكتابة على جدران الحي.
هذا، و طالب المعني بالأمر بتوفير الأمن بالحي المذكور، سيما وأنه يعد من بين الأحياء المهمشة بالبرنوصي، ليصبح مرتعا للمنحرفين والمجرمين.
انتقلنا إلى الحي المذكور غير أننا لم نعاين أي عبارة لها علاقة بـ«داعش» أو التنظيم الإسلامي مكتوبة على الحائط، في المقابل تنتشر الكتابات التي تحتوي على عبارات السب والقذف في مختلف أرجاء الحي.

استنفار أمني بسبب كتابات حائطية
يخط بعض الأطفال والمراهقين عبارات يجهلون معناها وخطورتها وذلك بهدف التسلية لا غير، وهذا ما وقع في منطقة بني بوعياش في مدينة الحسيمة، حيث لاقت كتابات تطبل لتنظيم الدولة في الشام والعراق خلال شهر يونيو المنصرم، بلبلة في الوسط الأمني والسلطة  واستنفرت السلطات الأمنية تحديدا بحي بوغرمان.
وقالت مصادر مطلعة، إنه بعد تعميق التحقيق في هذا الخصوص من طرف الشرطة القضائية توضّح أن تلك الكتابات هي صادرة عن أطفال كانت نيتهم اللعب فقط دون شيء آخر.
وقالت مصادر الجريدة، إن هؤلاء الأطفال لا يعرفون عن تنظيم الدولة في الشام والعراق أي شيء، بل كانوا يلعبون في ما بينهم. وأجرت السلطات الأمنية تحقيقها قبل أن تغلق هذا الملف بصفة نهائية،
أما في مدينة وجدة وتحديدا خلال شهر أبريل المنصرم عرف شارع عصفور استنفارا لمختلف الأجهزة الأمنية بعد اكتشاف أعوان السلطة لكتابات حائطية تمجد تنظيم «داعش» الإرهابي.
العبارة كتبت بثلاثة أسطر على حائط إحدى الفيلات الواقعة غير بعيد عن ثانوية زيري بن عطية التأهيلية، وكان موضوعها: «داعش على الأبواب – الدولة الإسلامية «.
وأفادت مصادر الجريدة بأن الاسمين الواردين في الكتابات الحائطية يتعلقان بعنصرين يشتغلان بالإدارة الجهوية لحماية التراب الوطني «ديستي» بوجدة، وأن الفاعل أو الفاعلين كانوا يسعون من خلال كتاباتهم إلى توجيه رسالتهم لعنصرين أمنيين مذكورين في الرسالة الحائطية.
وبعد التقاط الصور للكتابات من طرف الجهات المختصة أعطيت الأوامر لمحوها من جدار الفيلا، في الوقت الذي باشرت فيه عناصر الأمن تحقيقاتها لمعرفة تفاصيل الحادث المثير.

اعتقال المتهمين بالكتابة
يتعامل الأمن المغربي مع الكتابات الحائطية بصرامة، سيما وأن القانون الجنائي المغربي يعاقب بالحبس والغرامة لكل من مس بالمقدسات وحرض على العنف والتطرف.
فخلال السنة الماضية أحالت شرطة مدينة سطات، أربعة أشخاص في عقدهم الثاني، إلى النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالرباط، والمكلفة بملفات الإرهاب للاشتباه في تورطهم في كتابات على الحائط تمجد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش).
وخضع المتهمون الأربعة للتحقيق بشأن الكتابات الحائطية التي عثر عليها على جدران بمجمع الخير بمدينة سطات، والتي استنفرت مختلف الأجهزة الأمنية بالمدينة، واعتمدت التحقيقات على التحريات الميدانية والتقنية التي قامت بها عناصر الأمن، وبعد تتبع وترصد الفاعلين، تمكنت عناصر الدائرة الأولى بولاية أمن سطات، من الوصول إلى المتهم الرئيسي الذي يقطن بمجمع الخير، والذي تم توقيفه بعد نصب كمين له بمقهى الحي، ليعترف بباقي الشركاء.
وأفادت مصادر محلية، أن المتهم أنكر في البداية المنسوب إليه، إلا أن فرقة البحث حاصرته ليعترف بهوية شخصين آخرين، الأول بائع الفواكه والخضر بسوق الخير، والثاني اعترف بكتابة عبارة: «تحيا داعش هنا».
وأفادت المصادر ذاتها، أنه خلال البحث الأولي مع المتهمين، حاول كل منهم أن ينسب التهمة إلى الآخر، أو يدعي أن هناك خلافا مع صاحب المتجر الذي كتبت العبارات بالقرب منه، لذلك تمت كتابة هذه العبارة التي تشير إلى تمجيد «داعش».

باحثون: «الكتابة على الجدران ظاهرة غير حضارية وتشوه المنظر العام»

استحوذت ظاهرة الكتابة الحائطية مختلفة الأشكال والأحجام على أماكن وفضاءات متعددة من الشارع المغربي، بل امتدت لتشمل أسوار المدارس والجامعات والمحطات ولم تسلم منها حتى المراحيض العمومية وجذوع الأشجار والفضاءات المهمشة التي لا تكاد تخلو من رسوم وكتابات متناثرة هنا وهناك، تعكس رغبة أصحابها في التعبير عن رسائل مختلفة ذات دلالات متعددة ظاهرة، يقول العديد من علماء الاجتماع إنّ الكتابة على الجدران ظاهره غير حضاريه وهو تشويه للمنظر العام، وترجع أسباب ذلك إلى رغبات مكبوتة ودوافع غريزية لدى الشباب.و رغبة بالشتم والسب لبعض العناصر المعروفة من الشباب، وهذا بغرض الإساءة بسبب اختلاف مواقفهم السياسية أو الاجتماعية. وعادة يمارسها الأفراد بغاية اللهو والتسلية. إشباع ميل نحو الكتابة ولأجل الكتابة فقط. وعدم القدرة على التعبير بشكل حرّ؛ فيلجأ الشخص إلى الكتابة لإظهار آرائه للجميع .
وتعود أصل الكتابة على الجدران إلى الحضارات القديمة، فكان قدماء المصريين والرومان والإغريق وغيرهم يقومون بممارستها. يعتقد أنّ هذه الممارسات كانت تعود إلى أيام حضارات موغلة بالقدم مثل الحضارة الفرعونية والأغريقية والرومانية، وتطور ليصبح عبر مرور الوقت ما يعرف بفن الجرافيتي الحديث وهو كل التغيرات العامة التي يمكن إحداثها على ملامح سطح ما باستخدام أقلام تعليم أو بخاخات الدهان أو مواد ملوّنة أخرى، ونشأ في الستينات من القرن الماضي ما يعرف اليوم بفن «الجرافيتي» الحديث وبدأ يظهر في نيويورك، وكان ظهوره بإلهام من موسيقى الهيب هوب. «الجرافيتي» دون الحصول على إذن مالك المكان يعتبر تخريباً يعاقب عليه القانون في معظم الدول في أرجاء العالم، ويستخدم هذا الفن لهدف إيصال رسائل اجتماعية أو سياسية غالباً، وبات اليوم شكلا من أشكال الإعلان أو الدعاية، ويعتبر اليوم أحد أشكال الفن الحديث الذي تقام له معارض عالمية.
يمكن القول إن الظاهرة موجودة منذ الحضارة الفرعونية حيث كان الفراعنة يقومون بتسجيل الأحداث اليومية والحاسمة لديهم والنصوص الدينية على الألواح الحجرية وجدران المعابد والمقابر على شكل كتابات تصويرية ساعدت كبار الباحثين وعلماء الآثار المعاصرين لمعرفة تاريخ حقبة الفراعنة، أي أن تلك الظاهرة لديهم كانت لها مسبباتها الايجابية وهي توثيق لحقبه معينه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى