شوف تشوف

شوف تشوف

اللي عندو باب واحد

قرار المحكمة الأوربية بشأن الطعن في الاتفاق بين المغرب والاتحاد الأوربي المتعلق بإجراءات التحرير المتبادل في مجال المنتجات الفلاحية، بسبب دعوى تقدمت بها البوليساريو، شكل صفعة قوية للدبلوماسية المغربية، حتى لا نستعير لفظ مزوار ونقول إن القرار «فعفعنا».
ومن شدة «التفعفيعة» لمح بلاغ الخارجية إلى إمكانية استغناء المغرب عن الاتفاقية مع الاتحاد الأوربي من أساسها، خصوصا عندما أشار البلاغ إلى أن «المملكة تتساءل بشكل مشروع حول جدوى الإبقاء على البناء التعاقدي الذي نجح الجانبان في إرسائه على مدى سنوات طويلة في المجالات السياسية والاقتصادية والإنسانية والأمنية وفق روح من الشراكة واحترام القيم المتعارف عليها دوليا»، مما يعني أن مزوار صعد من لهجته مع بروكسيل.
والواقع أن قرار المحكمة الأوربية كان منتظرا، والأسوأ هو القادم، لأن المقصود الحقيقي بمثل هذا القرار ليس فقط المنتجات الفلاحية بل الفوسفاط، عصب الاقتصاد الوطني.
والخطير أن هناك مشروع قرار مشابه ضد الفوسفاط المغربي وضع في الاتحاد الأوربي، لمنع تصديره بسبب استغلال المجمع الشريف للفوسفاط لمنجم فوسبوكراع بالصحراء، علما أن المحكمة الأوربية تعلم أن الفوسفاط المستخرج من هذا المنجم لا يشكل أكثر من خمسة بالمائة من مجموع الفوسفاط الذي يستخرجه المجمع الشريف، وأن أرباح شركة فوسبوكراع يتم استغلالها في الصحراء، إلا أن الهدف ليس الاقتناع بل الابتزاز.
إن الهدف من محاصرة الفوسفاط المغربي هو إفساح المجال لبعض الدول الإفريقية المنتجة بدورها للفوسفاط لاقتحام السوق العالمية، وهي المبادرة التي تشجعها واشنطن.
مشكلة وزير الخارجية مزوار والكاتب العام لوزارته بوريطة هي أنهما يعتقدان أن أوربا هي فرنسا وإسبانيا، فهما حريصان على مصالح الكي دورصاي والمونكلوا، والحال أن هاتين الدولتين لا تمثلان أكثر من 15 بالمائة من أصوات الاتحاد الأوربي.
لذلك فالمغرب كان مخطئا عندما وضع أغلب بيضه في سلة هاتين الدولتين، ووضع ما تبقى من البيض في سلة واشنطن.
لقد نسي مزوار وبوريطة أن هناك حلفا في أوربا اسمه «فيتشيغراد»، يمثل 25 بالمائة من أصوات الاتحاد الأوربي، هذا الحلف فيه بولونيا وتشيكيا وسلوفاكيا، وتقوده هنغاريا، المشكلة أن الدبلوماسية المغربية لم تفكر في يوم من الأيام في جدوى ربط علاقات دبلوماسية واقتصادية مع دول هذا الحلف.
ورغم الإهانات المتكررة التي تعرض لها السيد مزوار، سواء في مطار شارل دوغول في باريس عندما نزعوا عنه حزام سرواله وجواربه، أو في واشنطن عندما تركه جون كيري ينتظر وراء باب مكتبه ساعة ونصف قبل أن يستقبله، فإن الدبلوماسية المغربية مصرة على التشبث بتلابيب باريس وواشنطن، حتى ولو تطلب ذلك الخضوع لمسلسل لا نهاية له من الابتزاز.
المصيبة أن مزوار غير مقبول حتى في روسيا، فلافروف وزير الخارجية الروسي القوي لا يحبه، ورئيسة الغرفة الثانية الروسية ماتفيينكو رفضت الجلوس معه.
وبالإضافة إلى علاقة المغرب شبه المقطوعة مع تحالف «فيتشيغراد»، فإن علاقتنا سيئة بمجموع الدول الاسكندنافية، التي يعتبر صوتها مسموعا في الاتحاد الأوربي، والتي لدينا في أغلبها قائم بالأعمال عوض سفير. ولقد استنكرت الدول الاسكندنافية بالإجماع الوقفات الموجهة التي تم تنظيمها هنا ضد السفارة السويدية، واتخذت جميعها موقفا عدائيا موحدا ضد المغرب، خصوصا بعد قرار توقيف كيتيا، وهو القرار الذي تم العدول عنه بعدما أجهد مزوار نفسه في إقناع الرأي العام المغربي بأنه «فعفع» وزيرة الخارجية السويدية.
الجميع يعرف أن هناك لوبيا نافذا يدافع عن مصالح فرنسا وإسبانيا وواشنطن في مربع القرار، فرنسا وإسبانيا وأمريكا تستغل ذلك وتفاوض على امتيازات أكبر، لذلك فقد حان الوقت الآن لصناعة لوبي مغربي روسي للدفع بالعلاقات نحو التعاون المشترك، لأن تنويع العلاقات والشركاء لن يكون سوى في صالح المملكة.
والجميع يتذكر كيف كان البعض يقدم روسيا والصين على أنهما خطر على المملكة، إلى درجة كان المغرب يتهيب من قبول أي مشروع فيه رأسمال صيني أو روسي، أما اليوم فهناك انفتاح على هذين البلدين وهناك زيارة ملكية للصين وروسيا في الأفق، بعد الزيارة الملكية الأخيرة للهند والتي فاجأت حتى واشنطن.
ورب ضارة نافعة، فقرار المحكمة الأوربية يمكن أن يشكل الأجواء المناسبة للانفتاح على قوة عظمى اسمها روسيا، خصوصا أن روسيا هي الدولة الوحيدة ضمن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التي لم تسمح للبوليساريو بفتح مكتب في موسكو، بينما فرنسا وأمريكا وإنجلترا وإسبانيا سمحت لها بذلك منذ سنوات طويلة.
وفي كل روسيا لن تجد جمعية واحدة ضد وحدة المغرب مرخص لها للعمل، عكس كثير من الدول الأوربية.
وحتى بوتين عندما وقعت حادثة أطفال طانطان أرسل تعزية للملك وقال فيها مخاطبا الملك «أعزيك في الضحايا الذين ماتوا في مملكتك»، وهو اعتراف من بوتين بأن الصحراء حيث وقعت الحادثة هي جزء من مملكة محمد السادس.
وفي حوار مع «الأخبار» اعترف السفير الروسي بالرباط، فاليري فوروفيوف، بمغربية الصحراء.
على مزوار أن يغير فلسفة عمله من «التفعفيع» إلى العمل بحكمة «اللي عندو باب واحد الله يسدو عليه»، وأن يشيح بوجهه عن أوربا الغارقة في المشاكل الاقتصادية والأمنية وييمم وجهه شطر روسيا، التي هي في نهاية المطاف 18 مليون كيلومتر مربع، أي مرتين مساحة أمريكا ومرتين مساحة كندا.
والسوق الروسي يمثل لوحده على مستوى السياحة أربعة ملايين روسي، كانوا يذهبون إلى تركيا، في خمس عشرة رحلة يومية، وثلاثة ملايين سائح كانوا يذهبون سنويا إلى مصر.
ورقم المعاملات الروسية مع تركيا، التي قاطعها بوتين بعد إسقاط طائرته، كان يصل إلى ثلاثين مليار دولار سنويا.
وقد توقفت روسيا عن استيراد الأثواب من تركيا، فلماذا لا يستغل ذلك المغرب، خصوصا وأن مصانع النسيج أفلست أغلبها بسبب الشركات التركية التي تشتري قطن سوريا من داعش بأسعار منخفضة وتصنع ألبسة بكلفة لا يمكن لشركات نسيجنا منافستها.
روسيا تعيش أزمة مع أوربا ورقم المعاملات الروسية مع الاتحاد الأوربي يصل إلى 400 مليار دولار.
وروسيا تعيش أزمة مع أمريكا ورقم معاملات روسيا مع أمريكا 40 مليار دولار.
والمغرب شريك استراتيجي لروسيا، فماذا استفاد من أزمة روسيا مع أمريكا ومع تركيا ومع الاتحاد الأوربي؟
لذلك فالمملكة لديها اليوم فرصة ذهبية للرد على ابتزاز محكمة الاتحاد الأوربي، بالانفتاح على روسيا، خصوصا أن فيودروف وزير الفلاحة السابق الذي كان رئيسا للجنة المشتركة المغربية- الروسية، والذي سقط في حب المغرب بعدما استدعاه وزير الفلاحة عزيز أخنوش هو وعائلته إلى مراكش، أصبح مستشارا خاصا لبوتين في الكريملين.
وعندما نتحدث عن ضرورة التوجه نحو موسكو اقتصاديا ودبلوماسيا وجلب ملايين السياح الروس، فإن أول شيء يجب إصلاحه هو رحلات «لارام» نحو روسيا، فالمغرب كان لديه خط منذ عشر سنوات يربط البيضاء بموسكو في خمس ساعات. الآن أصبح الخط يربط الدار البيضاء بموسكو عبر ميونخ، فيظل المسافرون محتجزين في الطائرة ساعة في مطار ميونخ، وقد طلب السفير والقنصل العام الروسيين لقاء رسميا مع بنهيمة لمناقشة الموضوع بدون طائل.
لقد أصبح من الحيوي توقيع اتفاقية للتبادل الحر بين المغرب وروسيا. لأنه لم يعد مقبولا أن نشتري الغاز والبترول من فرنسا وبريطانيا في الوقت الذي يشتريانه من روسيا ويعيدان بيعه لنا، فلماذا لا نشتريه مباشرة من روسيا بسعر منخفض؟
قبل أسابيع زار يهود روس نافذون المغرب، بدعوة من سيرغي السفير المغربي اليهودي المتجول والتقوا شخصيات نافذة في المحيط الملكي، وتكمن أهمية الزيارة في كون اللوبي اليهودي الروسي متحكما في البنيات الاقتصادية، ورئيس هذا الوفد مقرب شخصيا من بوتين ويستشيره سياسيا، وأهم من ذلك أن رئيس الوفد اليهودي الروسي لديه علاقات قوية مع اللوبي اليهودي الأمريكي المتحكم في الكونغريس.
هذا يعني أن للمغرب منافذ عدة نحو الكريملين، وأيضا نحو الكونغريس الأمريكي، يكفي فقط إحاطتها بالعناية والانتباه اللازم.
هكذا سيفهم أولئك الذين يعتقدون أن المغرب «عندو غي باب واحد» أنهم كانوا واهمين وأن العود الذي تحتقره يمكن أن يعميك.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى