الرئيسية

الملك يبدي موقفا ضمنيا مناهضا للتطبيع ويعتبر أن معاهدة «كامب ديفيد» فتحت باب القارة الإفريقية من جديد أمام إسرائيل

عزيز الحور
الواجهة الثالثة للتضامن بين المغرب وليبيا وفق ما قرره الملك محمد السادس عبر تحليله لمرجعية الاتحاد العربي الإفريقي الناشئ بين البلدين هي «قضايا التضامن العربي الإفريقي»، وهنا استعرض الملك عدة مشاكل كانت جارية في فترة الثمانيات بالقارة الإفريقية وأخرى مازالت مستمرة إلى اليوم بشكل خاص والقضايا العربية الإفريقية عموما، يقول الملك في هذا الركن من بحثه: «أما في الجزء الجنوبي من القارة الإفريقية حيث ما زال شعب ناميبيا يكافح من أجل الحرية والاستقلال، فإن كلا من المغرب وليبيا يؤازران هذا الشعب من أجل تحقيق استقلاله بقيادة منظمة سوابو (منظمة شعب جنوب غرب إفريقيا، وهي أهم فصيل سياسي في ناميبيا)، والحصول على حقوقه المشروعة طبقا للقرارات الدولية، ولا سيما القرار رقم 435 الصادر عن مجلس الأمن سنة 1978، كما يؤازران شعب جنوب إفريقيا الذي يعاني من مآسي سياسة التمييز العنصري ويدينان التفرقة العنصرية انطلاقا من سياستهما القائمة على شجب العنصرية وسياسة الفصل العرقي المنافية للمبادئ الأساسية والمثل الأخلاقية».
يعود الملك محمد السادس مرة أخرى للحديث عن إسرائيل باستهجان، وهذه المرة من مدخل ما سماه الملك بالتسلل الإسرائيلي في إفريقيا، والذي ذكره الملك باعتباره إحدى أهم القضايا التي تشكل واجهة للتضامن العربي الإفريقي. هنا يوضح الملك كرونولوجيا صراع عربي إسرائيلي لم يستأثر بالاهتمام الذي حظي به الوجه البارز من هذا الصراع والذي يتم على الواجهة الفلسطينية، ويتعلق الأمر هنا بالحضور الإسرائيلي في إفريقيا في محاولة لاستدراج بعض دول القارة، عبر استغلال فقرها، من أجل كسب تعاطف مع الطرح الإسرائيلي الاحتلالي.
يورد الملك هذه النقطة بالقول: «تعتبر مقاومة التسلل الإسرائيلي في إفريقيا، إحدى المجالات التي تستدعي قيام تنسيق بين الدولتين في إطار الاتحاد العربي الإفريقي وكما هو معلوم، فإن التسلل الإسرائيلي في القارة الإفريقية اتخذ صورا مختلفة منها التفاهم مع النظام العنصري في جنوب إفريقيا والنفاذ إلى الدول الإفريقية حديثة الاستقلال. ولكن السبعينات شهدت تحولا كبيرا إذ زاد الاهتمام العربي بإفريقيا لعدة أسباب من أهمها تأييد الأفارقة للدول العربية في المطالبة باسترجاع الأراضي المحتلة منذ سنة 1967، وتعاطفهم مع القضية الفلسطينية، وقد أدى ذلك في أعقاب حرب 1973 إلى قطع معظم الدول الإفريقية لعلاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل، وقد بلغت ذروة النجاح عندما وقف الأفارقة في الأمم المتحدة وراء القرار الذي يربط بين الصهيونية والعنصرية. إلا أنه بعد ذلك تغير الموقف بالنسبة لإسرائيل بعد اتفاقية «كامب ديفيد» (هي الاتفاقية الشهيرة التي تم التوقيع عليها في 17 شتنبر 1978 بين الرئيس المصري الأسبق، محمد أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل الأسبق مناحيم بيغن بعد مفاوضات في المنتجع الرئاسي كامب ديفيد قرب واشنطن، وهي المفاوضات التي رعاها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر وانتهت بتطبيع مصر علاقاتها مع إسرائيل ما أدى إلى تعليق عضويتها بجامعة الدول العربية)، فقد جاءت هذه الاتفاقية بمثابة ضوء أخضر لإسرائيل، إذ استطاعت إعادة علاقاتها مع بعض الدول الإفريقية. ولذلك فإن مواجهة هذا التسلل تتطلب دعم وتوسيع التعاون في جميع المجالات مع الدول الإفريقية، ويمكن في إطار الاتحاد العربي الإفريقي أن يتخذ هذا التعاون صورة المساعدات المرتبطة بمشروعات مدروسة أو برامج اقتصادية أو إرسال الخبراء والفنيين».
لقد كان واضحا، عبر هذه القراءة التاريخية لعلاقة إسرائيل بإفريقيا، أن الملك محمد السادس كان يعتبر أن العرب والأفارقة أولى ببعضهم البعض وأجدر أن يحصنوا قضاياهم المشتركة من أي اختراقات، خصوصا إذا كانت تتم عبر دولة فتحت الدول العربية جبهة صراع مفتوح معها، والمهم أيضا أن الملك يقدم، ضمنيا، موقفه الرافض للتطبيع مع إسرائيل وذلك عبر اعتبار أن معاهدة «كامب ديفيد» كانت السبب في إعادة فتح بال إفريقيا على إسرائيل، وهنا يقدم الملك تصوره للوقوف في وجه هذا التسلل وهو تصور أقرب إلى الحل الاقتصادي العملي، باقتراح برامج اقتصادية عربية إفريقية لتحقيق تقارب أكبر، وبالتالي التصدي للتغلغل الإسرائيلي، منه إلى الحل السياسي الذي يحقق نتائج عملية في كثير من الأحيان، وهذا يظهر أمرين أولهما أن الملك مقتنع بأن مواجهة إسرائيل، على الأقل في الرقعة الإفريقية، تبدأ بالاقتصاد قبل السياسة، وثانيهما اقتناع الملك بالتنمية الاقتصادية كوسيلة للتقارب العربي الإفريقي، ما يفسر توجهه الحالي نحو إفريقيا من مدخل الاستثمار والتنمية.
بطبيعة الحال احتلت المشاكل الإفريقية المأثورة بانتباه الملك محمد السادس الذي ذكر أنها تشكل، إلى جانب ما يحدث في الجنوب الإفريقي وعلى مستوى القارة ككل بالنظر إلى التسلل الإسرائيلي، إحدى أهم قضايا التضامن العربي الإفريقي. هذه المشاكل المأثورة متعلقة بعوامل طبيعية تطبع الوضع البئيس في كثير من دول إفريقيا. يقول الملك: «كما أنه يفرض نفسه (أي التضامن العربي الإفريقي) لمواجهة ظاهرتين طبيعيتين خطيرتين تعاني منهما القارة الإفريقية، وهما الجفاف والتصحر، فهي تعاني أشد المعاناة من الجفاف شبه الدائم في العديد من بلدانها، ومن استفحال ظاهرة التصحر التي اتسعت رقعتها وباتت تهدد تهديدا مباشرا مناطق شاسعة من القارة الإفريقية، ونتج عن هذه الوضعية اضطرار العديد من السكان إلى الهجرة من أراضيهم وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلدان المعنية. وفي هذا الإطار يمكن للاتحاد العربي الإفريقي أن يتخذ تدابير لمساعدة البلدان المتضررة وتقديم المساعدة المناسبة للتخفيف من وقع هذه الأضرار».
كل هذه المشاكل يعتبرها الملك محمد السادس في بحثه هي أهم ما تعانيه إفريقيا، بل هي أكبر عنده مما يصفه بالمشاكل الوهمية وفي مقدمتها مشكل الصحراء المغربية، إذ يستطرد الملك قائلا: «كل ذلك يبين أن التنسيق في الاتحاد العربي الإفريقي على المستوى الإفريقي لا يمكن أن يقتصر على التصدي للمشاكل الوهمية والمصطنعة كمشكل الصحراء، وإنما قد ينصب على القضايا والمشاكل الأساسية التي تعانيها القارة الإفريقية والتي تستدعي تضافر الجهود على المستوى الدولي». هذا التضافر على المستوى الدولي هو محور ما سيلي من كتاب الملك.
* ما بين القوسين هو من كلام المحرر.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى