دين و فكر

النهي عن كثرة السؤال وإضاعة المال

أحمد الراقي

الحديث الأربعون بعد المائة الثالثة (340)
عن المُغِيرةِ بنِ شُعْبةَ رضي اللَّه عنه عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: «إِنَّ اللَّهُ تعالى حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمهَاتِ، ومنْعاً وهات، ووأْدَ البنَاتِ، وكَرَهَ لكُمْ قِيل وقالَ، وكثرة السَؤالِ، وإِضَاعة المالِ» متفقٌ عليه.
نواصل بعون الله عز وجل المساهمة في صفحة «دين وفكر» في موسم جديد ومع السلسلة الأسبوعية الخاصة بشرح ومدارسة الأحاديث النبوية الواردة في الكتاب القيم «رياض الصالحين» للإمام النووي، وبالمناسبة فشكرنا موصول لطاقم الجريدة وبخاصة الأستاذين الفاضلين إلياس بلكا وهشام فتحي.
يتناول حديث الأسبوع بعض الأمور التي حرمها الله على المؤمنين، وبدأ بعقوق الأمهات، ولقد خص الله الأم بالذكر بعد الوصية بالوالدين معا، قال تعالى: «وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا» وذكر لها ثلاثة أمور تنفرد بها عن الأب: الحمل، الولادة والرضاع الذي يستمر سنتين كاملتين، فكل هذه الأمور تجعل الأم تستحق من البر أكبر ما يستحقه الرجل، ولها الحظ الأوفر من البر، إضافة إلى ضعفها لذا تقدم في ذلك على الأب
وهذا الأمر أكده النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سابق، عن أبي هريرة قال: جَاءَ رَجُلٌ إلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال: يا رسول اللَّه مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بحُسنِ صَحَابَتي؟ قال: «أُمُّك» قال: ثُمَّ منْ ؟ قال: «أُمُّكَ» قال: ثُمَّ مَنْ ؟ قال: «أُمُّكَ» قال: ثُمَّ مَنْ ؟ قال: «أَبُوكَ» متفقٌ عليه.
وفي الحديث إشارة إلى تحريم عقوق الأمهات، والمراد بالعقوق كما بينه إبن حجر: هو صدور ما يتأذى به الوالد من قول أو فعل، وتخصيص الأم بالذكر هو تخصيص الشىء بالذكر إظهار لعظم موقعه.
ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم حرمة منع حقوق العباد وأخد ما ليس للمرء من حق، والمراد من قوله «ومنْعاً وهات» أن يكون الإنسان منوعا يمنع ما يجب بذله من المال ويطلب ما ليس له، قال تعالى: «وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ».
ورد النهي عن الكلام بكل ما يسمعه الإنسان في قوله صلى الله عليه وسلم في قوله: وكَرَهَ لكُمْ قِيل وقالَ، فإنه في العادة يسمع الإنسان الصدق والكذب، والقيل والقال منهي عنه في الإسلام لأنه يؤدي إلى شيوع الإشاعة، ويساعد على انتشارها بين الناس بالحق أو بالباطل. والإشاعة إذا ما انتشرت في المجتمع فإنها تعصف به عصفاً، وتضر بالوحدة الوطنية، وتقضي على مصالح الناس. وناقل الإشاعة شريك في ترويجها، وهو في نظر الإسلام مثير للفتنة التي هي أشد من القتل. قال الله تعالى: “إذ تلقونه بألسنتكم، وتقولون بأفواهكم، ما ليس لكم به علم، وتحسبونه هيناً، وهو عند الله عظيم” (النور، 15).
ينتقل بنا الحديث إلى آفة أخرى وهي كثرة السؤال وهي من أشد الآفات ضررا على الفرد والمجتمع فقد ذمها الشرع ونهى عنها وبين قبحها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه».
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدّ حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تقربوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها».
إن ما تركه الله ليس عن نسيان كما قال تعالى: (وما كان ربك نسيا). وعن سلمان رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء فقال: «الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما قد عفا عنه، فلا تتكلفوا». وقد فقه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذه المسألة فكانوا يتهيبون من سؤاله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: «كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، وكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع».
ختم الحديث بالنهي عن إضاعة المال. قال ابن حجر: «إن الأكثر حملوا الحديث على الإسراف في الإنفاق، وقيده بعضهم بالإنفاق في الحرام، والأقوى ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعا، لأن الله تعالى جعل المال قياما لمصالح العباد وفي تبذيره تفويت لتلك المصالح إما في حق مضيعها وإما في حق غيره، ويستثنى من ذلك كثرة إنفاقه في وجوه البر لتحصيل ثواب الآخرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى