الرأي

امبراطور.. «تيرميناتور»

خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل، كان رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس صريحا وشفافا أمام ضيوفه لما أعلن أمام الملأ، ومن دون أية مواربة، عن تعلقه الدائم بالدولة العبرية التي وصفها بأنها «ديمقراطية محاصرة»٬ مقتبسا هذا التوصيف من فريديدك آنسيل٬ أستاذ العلوم السياسية بجامعة باريس وأحد أبواق إسرائيل داخل الإعلام الفرنسي. وبدل أن يكرس فالس جهوده لإقناع الطرف الإسرائيلي بالعودة إلى طاولة المفاوضات٬ خصص معظم وقته لبروتوكول المديح والتوشيح والتصريح أمام الإعلام الإسرائيلي الذي رد له الجميل بسخاء واصفا إياه بـ«أفضل وزير فرنسي مناهض للتطرف واللاسامية، والمتصدي بحزم لدعاة مقاطعة الدولة العبرية ولأولئك الذين يرون في الصهيونية رديفا للعنصرية».
بكلمة اعترف الإعلام الإسرائيلي بأن مانويل فالس «غسالة» ملمعة لصورة إسرائيل بفرنسا. أما قناة «آي 24 نيوز» الإسرائيلية فخصصت له مقابلة أجراها الصحافي بول عمار٬ الذي شغل إلى وقت قريب منصب رئيس تحرير القناة الفرنسية الثانية. وتعتبر قناة «آي 24 نيوز» نافذة إسرائيل على العالم وقد أراد مالكها٬ الملياردير الفرنسي ـ الإسرائيلي أن تكون مشروعا مناهضا للمشروع الإعلامي الخليجي ـ العربي في تغطية أخبار الشرق الأوسط. لكن المشروع في الحقيقة يتجاوز مجرد رغبة التطبيع.
حكاية باتريك دراهي حكاية داهية يعرف كيف يلتهم المفلسين من رجالات الأعمال وأرباب الشركات، وبخاصة الفاشلين في قطاع الاتصالات والإعلام. وبذلك استحق لقب «كلب البحر». بنى ثروته على خسارات الآخرين. دراهي من مواليد الدارالبيضاء عام 1963 من عائلة يهودية٬ عمل والداه أستاذين للرياضيات. لكن العائلة غادرت المغرب إلى مدينة مونبولييه بجنوب فرنسا لما كان سن باتريك 15 عاما. بعد حصوله على عدة شهادات في مجال الاتصالات والإعلام بكبريات المعاهد والمدارس العليا٬ أسس «مجموعة آلتيس»، المتخصصة في الإعلاميات والشبكات الخلوية بالليكسمبورغ. وتعتبر «آلتيس» الشركة الأم بتفرعات عديدة في كل من فرنسا٬ إسرائيل٬ أمريكا والبرتغال. هكذا وضع يده على شركة الاتصالات الفرنسية (إس ـ إف إير٬ نيميري كابل٬ فيرجين موبيل٬ والشركة الإسرائيلية للاتصالات هوت وكذلك شركة تيليكوم البرتغالية أورانج دومينيكانا والشركة الأمريكية سودين لايك). لكن إمبراطورية دراهي تجاوزت ميدان السمعي البصري والاتصالات لتشمل الصحافة المكتوبة. هكذا اقتنى دراهي صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية٬ وأسبوعية «ليكسبريس» «ليكسبانسيون»، وتهدف خطته المستقبلية إلى دمج الأجندة الإعلامية ضمن «كونسورسيوم» موسع. أطلق عام 2013 قناة «آي 24 نيوز» ويلف الغموض الجنسية الحقيقية لدراهي. المؤكد أنه لا يحمل الجنسية المغربية، فيما يشير البعض إلى أنه تخلى عن الجنسية الفرنسية لصالح الجنسية الإسرائيلية٬ ويشدد البعض الآخر على أنه لا يزال مزدوج الجنسية. يشار إلى أن دراهي متزوج من سورية أورثوذوكسية لا من يهودية وهي مفارقة غريبة.
خلال زيارة فالس لإسرائيل أجرت قناته الإخبارية «آي 24 نيوز» مقابلة مع هذا الأخير أثنى فيها على إسرئيل وقدمها نموذجا للاستقرار والأمن. وقد شارك في استجواب رئيس الوزراء كل من لوران جوفران٬ مدير تحرير جريدة «ليبراسيون» وكريستوف باربييه٬ مدير تحرير مجلة «ليكسبريس» وصحفية من قناة «بي إف إم»، ويعمل هؤلاء في أجندة إعلامية تدور في فلك امبراطورية دراهي. وقد أمكن لملايين المتفرجين الفرنكوفونيين، وبالأخص في فرنسا، متابعة هذه المقابلة٬ الفضيحة أن السلطات الفرنسية تتعامل مع هذه القناة كما لو كانت قناة تابعة للقطاع العمومي الفرنسي، فيما تبقى قناة إسرائيلية بخط تحريري وإيديولوجي دعائي للدولة العبرية٬ لكن من دون أن تخضع لأية مراقبة من طرف «الهاكا» الفرنسية؟ المهم أن أشخاصا مثل مانويل فالس يعملون على إدخال إسرائيل من نافذة الإعلام إلى البيوت الفرنسية عبر هذه القناة وقنوات أخرى طبعا، مع خلق امتداد عضوي بين إسرائيل وفرنسا. يعرف دراهي جيدا٬ بصفته خبيرا في الإعلام وتقنيات الاتصالات الحديثة، أن المستقبل الإعلامي والرقمي لا يلعب لصالح دول الخليج، بل لصالح إسرائيل التي شرعت منذ مدة وبطريقة متكتمة في نسج شبكتها العنكبوتية وخبرتها عبر العالم. ويندرج نهمه في شراء الخردة الإعلامية وتحويلها إلى سلطة في هذا المضمار. وبذلك يمكن لإمبراطوريته أن تلعب دور حلقة وصل وتوصيل خلال عملية الكسح الإعلامي الإسرائيلي القادم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى