شوف تشوف

الرأي

بزاف عليك تفهم عبارة شعبي العزيز

لو كان حزب العدالة والتنمية يضم بين صفوفه أعلام فكر وثقافة وسياسة من طينة ما عرفته الحركة الاتحادية مع الجابري وجسوس، لكان وضعه اليوم أمام سؤال نقد ذاتي كبير وعميق لفهم تحولات المشهد السياسي والتدبير الحكومي.. لكننا أمام حزب إيديولوجيته هي «شدان العكس» مع مطالب الشعب، وزعيمه يلغي جميع أدبيات الحوار العقلاني في تحمل مسؤولية ما وقع من قمع للأساتذة المتدربين، ولم يعد في جعبته للحديث إلى الشعب سوى الحلفان والقسم بأغلظ الأيمان، أنه «مافراسوش»، مع أن وزير داخلية حكومته كان واضحا في كلامه وقال له ضمنيا «الله يا ودي».
المغاربة تعلموا من آبائهم وأجدادهم أن «الحلوف ما كا يكون غير على الكذوب»، وفي السياسة لا مجال لإدخال الله جل جلاله في التبرير وإضفاء الصدق على كلام السياسي الذي يجب أن يقنع الناس والعباد بإنجازاته ويتحمل مسؤولية نتائجها. ومع ما وقع للأساتذة المتدربين، قد يكون عبد الإله بنكيران قد فهم متأخرا أن الفرق كبير وشاسع بين أن تكون لك أغلبية في البرلمان وفي مقرات الحزب وفي المنصات الخطابية تصفق لك كالآلات المبرمجة، وأن تكون لك الأغلبية الحقيقية في قلوب المغاربة وفي أوساط معيشتهم اليومية، تفكر بما يفكرون به وتتألم بما يتألمون له.
في منتجع أوريكا قال بنكيران أمام شبيبة حزبه قبل أيام قليلة فقط من سلخ الأساتذة، إن «السياسة ليست هي أن تفعل الأشياء التي ترضي الناس وتفرحهم». وقبله في يوم 30 يوليوز 2015، قال الملك محمد السادس في خطاب الذكرى السادسة عشرة لاعتلائه العرش، «فكل ما تعيشونه يهمني، ما يصيبكم يمسني، وما يسركم يسعدني، وما يشغلكم أضعه دائما في مقدمة انشغالاتي». والفرق واضح وكبير بين فلسفة عاهل البلاد وما يريده لهذه الأمة، وسياسة رئيس الحكومة الذي كتب على جبينه «إنا عكسنا» في وجه المطالب العادلة للمواطنين في الصحة والتعليم والتشغيل، وانتهى يدافع عن شعبيته لدى صندوق النقد الدولي، وليس أمام من انتخبوه ليصلح حالهم وحال أبنائهم، وأدى القسم على ذلك أمام الملك.
ومنذ أن تم تعيينه رئيسا للحكومة والسي عبد الإله «غير كا يحلف»، وجميع القرارات التي مررها ويستعد لتمريرها في آخر أيام ولايته، لم تكن متضمنة في برنامجه الانتخابي ولا في شعاراته الخطابية. وخلال آخر مرور له في البرلمان، تبين أن بنكيران أصبح رهينة للأنا، وأن الآخر الذي تنشغل به جميع الخطب الملكية، جعله رئيس الحكومة غائبا في قراراته السياسية، حتى أن بسطاء المغاربة أصبحوا يسائلونه في المقاهي والشوارع «شكون اللي موصيك علينا؟»، في وقت يتعرض حزب العدالة والتنمية لإحدى أكبر المحاكمات الشعبية الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي، دفعت العديد من القياديين وجنوده الإلكترونيين إلى الانسحاب من هذا المد الطافح الذي عرى عورة الحزب الحاكم.
في خطاب العرش لسنة 2015 دائما، قال الملك: «ما فتئنا ندعو لإصلاح جوهري بما يعيد الاعتبار للمدرسة المغربية ويجعلها تقوم بدورها التربوي والتنموي المطلوب…، فمستقبل المغرب كله سيبقى رهينا بمستوى التعليم الذي نقدمه لأبنائنا». اليوم، وبعد سنة ونصف على هذا الخطاب التاريخي، رأينا بالدم و«الزرواطة» التعليم الذي يريده بنكيران للشعب، بأساتذة متدربين عظامهم مكسرة ووجوههم زرقاء بالكدمات، وبمنحة خفضها لهم إلى النصف، وبتوظيف كما قال «يجيبو الله»، مع أن مقارنة بسيطة وسريعة بين سياسة بنكيران وفلسفة الملك، تكفي ليهمس المرء في أذن رئيس الحكومة بقوله: «بزاف عليك تفهم عبارة شعبي العزيز».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى