الرأي

تطور الأسلحة والتكتيكات عبر التاريخ

يعتبر (الليجيون – LEGION) الروماني سيد الصراع في قرون طويلة بفضل التطوير الجديد لنظام (الفالانكس) الإغريقي، فأضاف السيف الإسباني القصير المعمر، وأنقص طول الرمح ليطور الرمح الخاص به بطول قدمين (PILUM)، إلا أن نظام الليجيونات الرومانية تمت هزيمته واختراقه، سواء بمبدأ (الكماشة) الذي طبقه هانيبال في معركة (كاني – CANNAE) بحيث أصبح لفظ كاني دليلاً على الكماشة الفظيعة!! أو عن طريق الجرمان الذين طوروا (الفأس مخترق الدروع – الفرانسيسكا).
في معركة كاني عام 216 قبل الميلاد سحق القائد القرطاجي جيشاً رومانياً ضخماً، وبلغ قتلى الرومان فيه حوالي خمسين ألفاً، من أصل ثمانين ألف مقاتل، واعتمد مبدأ الكماشة على تقسيم الجيش إلى قلب وجناحين، حيث ينسحب القلب إلى الداخل وينفرج الجناحان، فيجر معه الجيش الروماني إلى الداخل، في الحين الذي تطبق فيه الأجنحة من الجانبين والخلف، وبالتالي يتحول الجيش المقاتل إلى كتلة مختنقة تقاتل فيها الحافة فقط، ويتحول جيش هانيبال إلى مفرمة لحم!!
أخيراً هزم اللجيون الروماني على يد الخيالة القوط في معركة (أدريانوبل – ADRIANOPLE) عام (378) م حيث تسيد راكب الحصان الذي يستخدم سلاح الصدمة (الرمح والقوس) للفترة التالية.
ثم جاء الدور من جديد ليُلغى دور الخيالة الخفيفة وأقواسها الممتازة على الرغم من براعة أصحابها، كما حصل لجيش (العاصفة) القديم المتمثل في جيوش جنكيزخان التي لم تقهر، كان ذلك بواسطة ظهور الخيالة المدرعة والتي أرعبت الناس حينما ظهر الملك (شارلمان) يلمع بالحديد المخيف تحت أشعة الشمس، حينما حقق انتصاره في معركة (بافيا) عام 814 م؟!
ثم جاءت هزيمة الدروع من داخلها، فقد أثقلت الفارس إلى الدرجة التي لم يعد الحصان قادراً على حمل كل هذا الحديد، وكان منظر سقوط الفارس المدرع من ظهر الفرس على الأرض يثير الشفقة، لأنه لا يعود بعدها يستطيع حراكاً كما يحصل مع الحيوان البحري إذا أخرج من الماء!!
وعندما بدأ ترقيق الدروع؛ فاجأتها أسهم القوس المتصالب والقوس الطويل في كلٍ من معركة (هاستنجز) عام 1066م تلك التي انتصر فيها الدوق ويليام واحتل فيها بريطانيا، أو في معركة كريسي عام 1346 ميلادي حيث كان بإمكان السهم اختراق الدرع والفخذ وتسمير الفارس في سرجه الخشبي!!
وعندما أراد الفلاحون السويسريون التخلص من الإقطاعيين الألمان طوروا سلاحهم الخاص بهم، والذي يُرى في المتاحف الآن. (الهالبارد) ذو نهاية ثلاثية: رمح للطعن، وفأس لضرب الخوذة، ثم خطاف لنتر الفارس من ظهر الحصان.
ثم جاءت القفزة النوعية في تطوير الأسلحة النارية؛ فمع البارود بطل دور قلعة (الإقطاعي) ومعه النظام الإقطاعي، إلا أن البندقية الأولى وحاملها (الموسكيتير) وجد صعوبة في التكيف معها بين الحشو (التعمير) والإشعال والإطلاق لمرة واحدة، حتى جاء القائد المبدع الألماني (فريدريك) لينجز انتصاره الرائع في معركة (لوثن) من خلال الاستخدام الجيد للسلاح الناري، وأمكن تطوير أمد الرصاصة وقوة انطلاقها من خلال أمرين: تطويل السبطانة و(حلزنتها)، ولبطء الحشو في المراحل الأولى تمت إضافة (السونكي) كي تأخذ البارودة وظيفة الرمح والبارودة بنفس الوقت!!
واستمر تطوير نظام (لأقتلنك)، وعندما أمكن الوصول إلى (الماشين غن – الرشاش) استطاع الجنرال (كيتشنر) دحر المهديين ورماحهم في السودان، كما قُتل من خيرة جنود (كيتشنر) في الحرب العامة الأولى ستون ألفاً في إحدى الهجمات برشاشات الألمان المتمركزين في وحول (السوم).
ويعتبر نابوليون المعلم الكبير في استخدام النظام المدفعي، وبه شق الطريق لأمجاده في حروب أوربا، قبل أن يهزم في واترلو (1815م).
ومع تطوير الطيران والرشاشات والمدفعية ثم الدبابات وأخيراً الغازات السامة بدأت معارك الحرب العالمية الأولى تتحول إلى مسالخ بشرية فعلية، حيث قتل في إحدى المعارك في (السوم) في مدى أربعة أشهر مليون و265 ألفاً من الشباب الأوربي بين ألماني وفرنسي وبريطاني.
ثم (ختامها مسك)؟! اختتمت الحرب العالمية الثانية بتطوير الصاروخ والسلاح النووي، وبتركيب الثاني على ظهر الأول لم يبق مكان على وجه الأرض ينعم بالأمن، وبذا انقلب السحر على الساحر.
كانت الحروب في العصور الوسطى تعتمد الجنود المرتزقة، فأعدادهم قليلة والمعارك تعتمد الفروسية، وتكاليف ساحات المعارك تبقى بين حملة السيف، ومع الثورة الفرنسية والأمريكية حصل انعطاف في تركيبة الجيوش، فأصبحت شعبية وبالتالي بدأ المدنيون يعانون من الحروب بشكل مباشر وغير مباشر، وبدأ ما يسمى (الحرب الشاملة)، وأصبح أكثر الضحايا بين المدنيين وهكذا تغيرت الصورة وانقلبت الآية.
وفي صباح يوم 16 يوليو من عام 1945 ميلادي وفي تمام الساعة الخامسة والنصف صباحاً، حصل انعطاف (نوعي) في امتلاك القوة، حيث وضع الإنسان يده على الوقود الكوني هذه المرة، عندما تم تفجير قنبلة (البلوتونيوم (239) التجريبية، وكانت قوة التفجير التجريبية في ذلك الصباح البارد تتراوح بين 15 و20 ألف طن من مادة ت . ن . ت.
وطبق هذا السلاح بكل أسف في إبادة البشر مثل فئران التجارب تماماً، وكانت كل قنبلة (مع أن كل محتواها لم ينفجر تماماً كما تبين بعد ذلك) قد مسحت مدينة عظيمة بمعظم سكانها، مع أن قدرة التدمير كانت متواضعة؟!
وقد يتساءل القارئ وكيف كانت متواضعة؟ والجواب أن الجيل الثاني من السلاح النووي طور قوة التفجير حتى وصل بقنبلة تجريبية إلى (58 ميجاطن) أي أقوى من قنبلة هيروشيما بـ (3800 مرة) ؟! نذيرا للبشر بأن جهنم تقول هل من مزيد.
واعتمد الجيل الثاني على مبدأ الالتحام (لمادة الهيدروجين ولذا سميت هيدروجينية) وليس الانشطار (انشطار مادة اليورانيوم 235 أو 239) كما كان مع الجيل الأول. وكان وراء القنبلة الأخيرة الاتحاد السوفيتي؛ فأراد البنتاغون إنتاج قنبلة بقوة 100 (مائة) ميجاطن، أي أقوى من قنبلة هيروشيما بـ (6666) مرة،
وعند مناقشة الموضوع شعر الجميع أن هذا الطريق الذي يمشون فيه ليس غير (جنون مطبق) و(انتحار جماعي) و(تلويث للبيئة) وتهديد جدي للإنسانية، والتهديد هذه المرة بالفناء الماحق المترع بالعذاب، حيث لا توجد كرة أرضية ثانية نجرب عليها أو ننتقل إليها بعد خراب الأولى.
(كبرت كلمة تخرج من أفواههم). ثم مشت الرحلة إلى جيل ثالث من القنابل النووية، ثم مالت النفوس إلى إنتاج (تفاح) من الحجم الصغير K أي عيار كيلو طن واحد فقط كما هي مع الألغام المزروعة في الجولان السوري، أو تلك التي تحمل في المعارك التي ينبغي تطويقها لتطلق من مدافع بسيطة.
هذه المعلومات هي يوميات بسيطة لاستراتيجية الدفاع والأمن والتسلح العالمي اليوم، وكما ذكرتُ فهذه المعلومات هي لرفع مستوى (الوعي) عند إنساننا، كي يدرك طبيعة العالم الذي نعيشه، وأن عهد البطولة قد ولى، وملف الحروب قد طوي، وأن أشعار (أبو تمام) لم تعد تطرب (السيف أصدق إنباءً من الكتب).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى