الرأي

تفجيرات تركيا ورسائل يلدريم للأسد والتطبيع مع إسرائيل

لم يكن من قبيل الصدفة أن تتزامن عملية الهجوم الإرهابي الانتحاري الذي استهدف مطار أتاتورك في إسطنبول مع التطبيع التركي الرسمي المزدوج للعلاقات مع كل من روسيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي، ولم يكن من قبيل الصدفة أيضا، أن يكون المهاجمون الثلاثة من المنتمين إلى دول القوقاز، ويحملون جوازات سفر روسية.
نشرح أكثر ونقول إن هذا الهجوم، الذي يرجح الكثيرون، ومن بينهم الرئيس رجب طيب أردوغان نفسه، أن «الدولة الإسلامية» تقف خلفه، يعكس أمرين أساسيين: الأول أن هذه «الدولة» قررت إعلان الحرب على تركيا بسبب تقاربها من موسكو، وأن السلطات التركية قررت قطع كل الصلات المباشرة، أو غير المباشرة معها، والانتقال من الحياد إلى المواجهة، وتغيير سياساتها جذريا في سورية بما يؤدي إلى تطبيع علاقاتها مع الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته في المستقبل القريب.
ما يعزز ما نقوله آنفا، ثلاثة تصريحات صدرت عن ثلاث شخصيات فاعلة ومؤثرة في سياسات وأحداث منطقة الشرق الأوسط والعالم:
الأول: صدر عن الرئيس أردوغان نفسه قال فيه: «إن هناك احتمالا كبيرا بتورط تنظيم «الدولة الإسلامية» بالهجوم الذي استهدف مطار أتاتورك»، وأضاف «أن هذا التنظيم الإرهابي يزعم أنه يفعل ذلك باسم الإسلام وهو أبعد ما يكون عنه، فهؤلاء مأواهم الجحيم لقتلهم الأبرياء والأطفال والشيوخ»، واختتم تصريحه الذي نقلته وكالة «الأناضول» الرسمية، بالقول إن بلاده عازمة على مواصلة مكافحة الإرهاب»، «وإن محاولات من يسعون لتقسيمنا ستذهب سدى ولن تصل إلى أهدافها».
هذه هي المرة الأولى، على حد علمنا نحن الذين نتابع الملف التركي جيدا، التي يشن فيها أردوغان هذا الهجوم، وبهذه الشراسة، وبالاسم، ضد «الدولة الإسلامية».
الثاني: تصريح السيناتور مايكل ماكول، رئيس لجنة الأمن القومي في الكونغرس، الذي قال في مقابلة مع محطة «سي إن إن»، إن «العقل المدبر لعملية مطار أتاتورك الإرهابية هو أحمد شاتاييف المعروف بلقب «أبو ذراع»، المقرب من وزير الحرب في «الدولة الإسلامية» في الرقة، ويعتقد أنه أبو محمد الجولاني، وينتمي إلى إقليم الشيشان، ويعتبر العدو الأول لروسيا ودولة الشيشان».
الثالث: تصريح أدلى به بن علي يلدريم، رئيس وزراء تركيا الجديد، في مأدبة إفطار في إقليم هاتاي (أنطاكية) قرب الحدود السورية، حضرها مجموعة من الأتراك والمهاجرين السوريين، قال فيه: «تركيا طبعت علاقاتها مع دول اختلفت معها في الفترة الماضية»، في إشارة إلى روسيا وإسرائيل، معربا عن أمله «في انتهاء الحرب في سورية وعودة الحياة إلى طبيعتها في مصر والعراق». وأضاف يلدريم: «قتل نصف مليون سوري منذ اندلاع الحرب قبل خمس سنوات يؤكد على ضرورة محاربة العالم بأسره للإرهاب من أجل استقرار المنطقة»، متسائلا: «هل من رابح من سفك الدماء؟ لا أحد.. لذلك يجب أن يتوقف سيل الدماء في سورية والعراق واليمن وفلسطين».
مجلة «الإيكونوميست» البريطانية المعروفة خصصت إحدى افتتاحيات عددها الصادر يوم الجمعة، للحديث عن تفجيرات إسطنبول، لخصت فيها محنة تركيا الحالية من مختلف الجوانب، وكأن أبرز ما فيها أسطر الختام التي تقول: «سياسة الرئيس رجب طيب أردوغان الكارثية في سورية هي التي عرضت بلاده لأخطار الإرهاب وعملياته التسع التي ضربت العمق التركي في الأشهر الستة الماضية، وأدت إلى مقتل 250 شخصا وإصابة المئات».
حكومة يلدريم تتجه في ما يبدو، ومن خلال تصريحات رئيسها، إلى تصحيح هذه السياسات، وتقليص أخطارها، إذا لم تستطع منعها، أو هكذا نستنتج من تصريحاته المتكررة في هذا الصدد، وتجاه سورية خاصة.
التطبيع مع إسرائيل وروسيا قد يكون أغلق أبواب التوتر، وأزال بعض العقوبات الاقتصادية، وأعاد السياح الإسرائيليين والروس إلى المنتجعات التركية، ولكنه ربما يكون قد فتح أبواب الإرهاب، ولو مواربة أيضا أمام سياسة الانتقام».
الحرب على الإرهاب التي تعهد الرئيس أردوغان بشنها دون هوادة، ربما تكون أكثر منطقية، وأكثر شرعية، لو أنه لم يطبع علاقاته مع إسرائيل، لأن هذا التطبيع قد يعطي المبرر، ويوفر الغطاء لهذا الإرهاب، مما يعطي انطباعا بأن الرئيس أردوغان يستجير من الرمضاء بالنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى