الرأي

تفجير القنصلية الإيطالية في القاهرة يقرب السيسي من إعلان الأحكام العرفية

التفجيرات، سواء كانت بالسيارات المفخخة أو غيرها، لم تعد بالأخبار المثيرة في مصر، فالبلاد تخوض حربا فعلية ضد الإرهاب، حسب توصيف وسائل الإعلام المصرية القريبة من السلطة، ومعظمها إن لم تكن كلها، كذلك هذه الأيام، لكن أن يستهدف تفجير لسيارة مفخخة تحمل 250 كيلوغراما من المتفجرات القنصلية الإيطالية في قلب القاهرة فجر السبت (السادسة والنصف صباحا)، فإن الرسالة هنا واضحة، تقول مفرداتها إن السفارات الأجنبية لن تعد آمنة، وإن عليها الرحيل.
انقسمت الآراء في وسائل التواصل الاجتماعي، وهي الوحيدة شبه الموثوقة هذه الأيام في ظل «اللون الواحد» على معظم وسائل الإعلام المصرية التقليدية، انقسمت بين تيارين:
الأول: يؤكد أن التفجير من فعل أجهزة المخابرات المصرية والهدف منه التمهيد لإعلان قوانين الطوارئ، أو تنفيذ قوانين مكافحة الإرهاب التي صدرت قبل بضعة أيام، ولا تقل في قسوتها وتشددها عن الأحكام العرفية نفسها، بل لا تختلف عنها إلا بالتسمية فقط، فكان لافتا أن التفجير وقع في الساعات الأولى من الصباح لتجنب وقوع ضحايا من المدنيين أو حتى الدبلوماسيين، على عكس معظم التفجيرات السابقة، وآخرها الذي استهدف النائب العام هشام بركات.
الثاني: أن يكون الانفجار بالفعل من تنفيذ جماعة إرهابية تريد التأكيد على انعدام الأمن في مصر، ووصول التفجيرات إلى السفارات والمؤسسات الأجنبية التي من المفترض أنها تخضع لحماية أمنية خاصة من قبل الدولة.. وكان لافتا أيضا أنه لم تعلن أي جماعة أو منظمة مسؤوليتها عن هذا التفجير، مثل منظمة «أنصار بيت المقدس» التابعة لـ«الدولة الاسلامية»، مثلما كان عليه الحال في تفجيرات مماثلة، حتى كتابة هذه السطور.
وبغض النظر عن الجهة التي تقف خلف هذا التفجير، فإن أصواتا في مصر مقربة جدا من النظام بدأت تطالب بإعلان حالة الطوارئ وتطبيق الأحكام العرفية، «لتمكين السلطات المصرية من الإمساك بزمام المبادرة»، وأبرزها الكاتب مصطفى بكري، رئيس تحرير صحيفة «الأسبوع»، الذي اتهم الحكومة بالرضوخ لعملية ابتزاز بترددها في تطبيق قوانين مكافحة الإرهاب التي أصدرتها في صيغتها الأولى قبل أربعة أيام وأثارت اعتراضات واسعة، خاصة من قبل نقابة الصحافيين، ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان.
قوانين الأحكام العرفية مطبقة فعليا في مصر، جزئيا أو كليا، وأي إعلان رسمي لصدورها هو اعتراف بأمر واقع، مع فارق بسيط، وهو إلغاء المحاكم المدنية، واستبدالها بالعسكرية، وصدور أكثر من ألف حكم بالإعدام في حق أعضاء من القيادتين الأولى والثانية في حركة الإخوان المسلمين، يقبعون حاليا خلف القضبان، وعلى رأسهم الرئيس محمد مرسي والسيد محمد بديع، المرشد العام للحركة.
لم يكن من قبيل الصدفة أن يكون السيد بكري الأعلى صوتا للمطالبة بإعلان حالة الطوارئ، في محاكاة ما حدث في تونس، التي فعلت الشيء نفسه بعد جريمة الهجوم التي استهدفت منتجعا سياحيا في مدينة سوسة، وأسفرت عن مقتل 37 سائحا معظمهم من البريطانيين. فالسيد بكري من أكثر الأصوات المؤيدة للرئيس عبد الفتاح السيسي، وسياسة القبضة الحديدية التي يطبقها لمواجهة أعمال العنف والإرهاب في سيناء والعمق المصري، مثلما يؤيد أحكام الإعدام الصادرة في حق قادة الإخوان، ويطالب بسرعة تنفيذها.
الرئيس السيسي بارتدائه للبزة العسكرية مجددا، أثناء تفقده للقوات المصرية في سيناء، بعد المجزرة التي أدت إلى مقتل 70 جنديا في هجمات لمقاتلي تنظيم «الدولة الاسلامية»، انتقل من الحكم المدني إلى الحكم العسكري، وأعلن رسميا حالة الطوارئ في البلاد.
مصر تقف على حافة «حمام دماء» إن لم تكن في قلبه، ولن نستغرب أن نرى أول إرهاصاته تنفيذ أحكام الإعدام في «الوجبة» الأولى من قيادات الإخوان في غضون أيام، وربما بعد عيد الفطر، وإن كنا نعتقد أن التوقيت يحمل أهمية ضئيلة في هذه الحالة، ألم تعدم السلطات العراقية الطائفية الرئيس العراقي صدام حسين صبيحة عيد الاضحى قبل بضعة أعوام؟
العراق لم ير الاستقرار منذ تنفيذ عملية الإعدام تلك التي صدمت العالم بأسره، ولا نعتقد أن إعدام الرئيس مرسي ورفاقه قبل العيد أو بعده، ستحمل نتائج مختلفة لمصر على الصعد كافة، ولذلك نتمنى أن لا تقع السلطات المصرية في الحفرة نفسها، وتستمع لأصوات التحريض، وما أكثرها هذه الأيام، داخل مصر خاصة، مصر تحتاج إلى العقل والتعقل، مثلما تحتاج إلى الحلول السياسية وليس الأمنية، لأن الدم لا يقود إلا إلى المزيد من سفك الدم، وهذا ما أثبتته معظم التجارب السابقة في هذا المضمار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى