شوف تشوف

شوف تشوف

جائزة نوبل للخراب

لا أعرف لماذا لكنني بمجرد ما أسمع أن أحدا تسلم جائزة نوبل للسلام أشم رائحة البارود وأتكهن بأن حربا ما ستقع.
حدث ذلك عندما تسلم الشهيد أبو عمار ورابين جائزة نوبل للسلام، وبمجرد حصولهما عليها تم اغتيال رابين بالرصاص وعرفات بالسم البطيء.
وحصل ذلك عندما تسلم الجائزة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وقبل أن يضع شيك الجائزة في حسابه البنكي أعلن البيت الأبيض الحرب في أكثر من مكان من العالم.
وحدث ذلك عندما تسلمت الجائزة نكرة يمنية اسمها توكل كرمان، وبمجرد ما تسلمتها غاص اليمن السعيد إلى اليوم في الحرب الأهلية وتحول إلى مستنقع تعيس لاستهلاك الذخيرة والأسلحة.
وقبل أيام تسلم الرباعي التونسي جائزة نوبل للسلام بينما تونس الجريحة تتخبط في الإرهاب والانفجارات وتغوص أقدامها كل يوم في مستنقع الحرب الأهلية.
عليهم إذن أن يغيروا اسم هذه الجائزة من نوبل للسلام إلى جائزة نوبل للخراب.
وكما قلنا سابقا، فهذه الحروب التي اندلعت في الشرق الأوسط، وخصوصا في «مثلث الرعب» الذي يمتد من العراق إلى سوريا، وإلى اليمن مرورا بليبيا ومنطقة الساحل، لا علاقة لها بأية معركة إيديولوجية أو عقائدية، بل الدافع الرئيسي الذي يحرك الأطراف المتحاربة هو الطاقة والسيطرة على الثروات الباطنية في المنطقة، وذلك من خلال صفقات مبيعات الأسلحة وتهريب النفط.
وبعبارة أخرى، فإن القوى الكبرى تسعى لتطوير مجمعاتها صناعيا وعسكريا من خلال إثارة بؤر التوتر في جميع أنحاء العالم.
وفي الوقت الذي تجتهد فيه وسائل الإعلام الغربية في تقديم داعش كجماعة إرهابية إسلامية، يجب أن نعرف أن هذه «الدولة الإسلامية» هي في المقام الأول شركة متعددة الجنسيات قبل أن تكون جماعة دينية كما يريدون منا تخيلها.
والواقع أن داعش هي الزبون الأول وبامتياز لشركات صناعة الأسلحة. وليس داعش فقط، بل هناك أيضا هؤلاء الذين يقاتلون داعش والذين يجب أن يسلحوا أنفسهم، وبالتالي يصبحون زبائن أوفياء لشركات وسماسرة ووسطاء تجارة السلاح.
بدعم من الخبراء الإسرائيليين، وفقا للعشرات من التقارير الإخبارية ومراكز البحوث المتخصصة، نعلم أن داعش تتحكم الآن تقريبا في كل المسار الذي يعبر سوريا لتأمين إمدادات النفط من العراق، وتتحكم أيضا في النفط المتواجد بمنطقة كركوك. وحسب ما تداولته وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن عملية بيع هذا النفط يتم تأمينها من قبل شركة «أرامكو» السعودية من خلال محطات بحرية أمريكية وإسرائيلية، لكن هذه العملية يتم تمويهها من خلال الزيادة في إنتاج النفط الخام في المملكة العربية السعودية.
ويبقى أكبر الخاسرين في العملية هو شركات النفط البريطانية والتركية والصينية التي كان عليها حزم أمتعتها، بعدما كانت إلى وقت ليس ببعيد الزبون الأول للعراق.
أما الدول الرابحة في هذه العملية فهي الولايات المتحدة وإسرائيل.
الآن يمكننا أن نفهم لماذا بريطانيا والصين تدخلا عسكريا في المنطقة، فالهدف كان عدم تفويت حصتهما من «الكعكة» كما هو الشأن بالنسبة للتدخل الروسي والفرنسي والأمريكي.
والآن بعدما اندلعت هذه الحرب العالمية الثالثة اللعينة، والتي من المنتظر أن تستمر لأكثر من ثلاثين سنة حسب ما أكده مسؤولون بالبنتاغون، ستصبح الدول حقلا خصبا بالنسبة لشركات بيع السلاح. وللذين قد يتهموننا بالبارانويا عليهم أن يطالعوا خبرا نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، بخصوص اجتماع هام تم الأسبوع الماضي في «بالم بيتش» في فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية، جمع عددا كبيرا من مسؤولي «كريدي سويس»، وأصحاب الأسهم الكبيرة في «الهولدينغات» المتخصصة في منتجات ومعدات الدفاع، مثل «ريثيون» و«لوكهيد مارتن» و«أوشكوش»، والذين أكدوا جميعهم أن العنف المتصاعد في الشرق الأوسط كان سببا في نمو وازدهار أرقام معاملات شركاتهم، والأخطر في الأمر أن تجار الحروب هؤلاء شجعوا صانعي القرار السياسي على اتخاذ قرارات لإدامة هذه الحرب لتحقيق الازدهار الاقتصادي في الولايات المتحدة.
اليوم، أكبر مروجي الأسلحة لداعش، وجبهة النصرة والجيوش النظامية في العراق وسوريا وتركيا، من الولايات المتحدة وروسيا والصين. ودائما وفقا لصحيفة «نيويورك تايمز»، يتم تصنيع 20 في المائة من الذخيرة التي بحوزة داعش في مصانع شركات سلاح بالولايات المتحدة الأمريكية.
وعلاوة على ذلك، فداعش تستخدم كميات كبيرة من الأسلحة المصنعة في روسيا تحت العلامة التجارية «وولف» وتوزع من قبل الأمريكيين للدول الحليفة في الشرق الأوسط. في حين أن تحديد مواقع بيع الأسلحة الصينية صعب للغاية، لأن هذه المواقع عموما ليست واضحة، وتقريبا لا يتم ترك أي أثر في مسار جلبها حتى ولو وجدنا أسلحة مكتوبا عليها «Made in China» في الميدان، لا يمكننا معرفة الطريق الذي سلكته لجلبها.
ولقد قالها «بروس تانر»، نائب رئيس مؤسسة «لوكهيد مارتن»، التي تصنع وتبيع الطائرات الحربية، خلال المؤتمر الشهير في ولاية فلوريدا، إن شركته سوف تجني فوائد كبيرة بفضل الحرب في سوريا، ورحب بالتشاحن الأخير بين تركيا وروسيا، لأن هذا الخلاف سيصبح مجالا خصبا لممارسة الأعمال التجارية وفرصة لتسويق نماذج جديدة من صنع شركته، مثل F22 وF35، الطائرتين المقاتلتين، واللتين يصل سعر الواحدة منهما إلى 200 مليون دولار، أي ما يعادل 200 مليار سنتيم، سيما للبلدان التي من شأنها أن تشعر بأنها مهددة، مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة التي تدخلت مسبقا في اليمن، وأيضا تركيا.
والشيء نفسه بالنسبة لأصحاب الشركات متعددة الجنسيات، مثل شركة «ريثيون» و«أوشكوش»، والتي تلقت من جميع دول الشرق الأوسط تقريبا طلباتها لمدها بمركبات مدرعة من نوع M-ATV وبالصواريخ، أو بحلول معلوماتية لإدارة الدفاع.
إنها في النهاية ليست حربا ضد الإرهاب، بل هي سوق حرة لبيع الأسلحة العالمية المملوكة من قبل تجار الحروب عديمي الضمير.
أما الحرب ضد الإرهاب فقد بدأت قبل 14 عاما في عهد جورج بوش وفشلت في شكلها الأصلي، والإدارة الأمريكية هي التي خلقت جماعات مسلحة لزعزعة استقرار بعض الأنظمة في المنطقة، من خلال تقديم الدعم اللوجستي من وكالة المخابرات المركزية والمخابرات البريطانية MI6، وهذا كلام لا نقوله من عندنا تحت تأثير مشاهدتنا لسلسلة «هوم لاند»، أو «هاوس أوف كاردز»، بل وفقا لشهادات من وكلاء الجيش الأمريكي وعملاء سابقين متقاعدين.
وهذه الجماعات المسلحة نفسها هي التي انقلبت ضد سيدها، دون أن يمنعها ذلك في نفس الوقت من الاستمرار في القيام بأعمال تجارية مع سيدها.
مجلة «Foreign Policy»، التي لا تنطق عن هوى، قالت إن داعش تستمر في زيادة وتنويع مصادر توريد أسلحتها ومعداتها العسكرية، إذ نجد في قائمة الدول التي تبيع داعش الأسلحة تقريبا جميع الدول الكبرى.
فنجد أن الخراطيش من روسيا والولايات المتحدة، والبنادق من بلجيكا وبلدان الكتلة السوفياتية السابقة، أما الصواريخ المضادة للدبابات فهي مصنعة من طرف MBDA، الرائد الأوربي في هذا المجال.
وحتى بالنسبة لنا في المغرب، فإن التهديدات التي تتلقاها المملكة يوميا من دولة البغدادي جعلت الجيش يسارع لتسليح نفسه بآخر المعدات الحربية.
فهناك الغواصة الروسية من نوع «آمور-1650» التي تحاول موسكو بيعها لنا، وهناك 200 دبابة من نوع «أبرامس» أمريكية الصنع والتي سيحصل عليها المغرب سنة 2016.
ثم هناك طائرات الاستطلاع العسكرية والحربية من نوع MQ-9 ريبر، القادرة على حمل أربعة صواريخ تزن أكثر من طنين، والتي يتفاوض الجيش الأمريكي على بيعها للمغرب.
المصيبة هي أن غبار الحرب المرتفع إلى عنان السماء يخفي عن الرأي العام أرباح هذه الشركات العملاقة التي تتاجر في مصائر الأمم والشعوب.
وظيفتنا نحن كصحافيين هي أن نرى ما وراء هذا الغبار لكي نشرح لدافعي الضرائب الذين يؤدون من جيوبهم فواتير هذه الحروب ما يقع فعلا، لا ما يريدون أن يقنعوهم به في وسائل إعلامهم المضللة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى