شوف تشوف

الرأي

جعجعات زيدان وعدنان

أصبح من العسير حصر العدد النهائي للمهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية بالمغرب، نظرا لتناسلها الرهيب وغير المبرر، مادام أن الأعداد الهائلة لهذه المهرجانات لا تعكس بالضرورة نهضة ثقافية أو فنية حقيقية أو قفزة نوعية، تجعل من الثقافة والفنون خبزا يوميا للمواطن ومجالا للتربية والتكوين والترفيه السليم، بل إن الانطباع السائد هو أن تلك الميادين والمجالات تعرف انتكاسة وردة وتمييعا لم يسبق له مثيل. لكن هذا لم يمنع المئات من منظمي المهرجانات والتظاهرات من تقديم ترشيحهم لنيل دعم وزارة الثقافة، برسم الدورة الثانية، تم خلالها منح الدعم المالي لـ41 مهرجانا و37 تظاهرة ثقافية بمبلغ 2.180.00 درهما، فيما وصل المبلغ المخصص لدورتي الدعم لهذه السنة إلى حوالي 10 ملايين درهم، تقاسمته 241 جمعية وتظاهرة.
وخلال الأيام القليلة الماضية، طفت على السطح بعض الأحداث التي تؤشر على أن منظمي المهرجانات لم يستفيدوا من أخطاء الماضي، بل هناك ربما إدمان على إعادة إنتاجها، خصوصا حين يصرون على استضافة «نجوم» شرقيين يحولون هذه التظاهرات إلى مجال لتفجير عقدهم الدفينة ضد المغرب، أو في أحسن الأحوال استعراض نرجسيتهم المريضة بتضخم الأنا، على اعتبار أنهم المثقفون الأفذاذ الذين قبلوا على مضض أن يتحاورا مع المثقفين المغاربة «المغمورين الفاشلين» الذين يتملكهم الحسد والغيرة، مما وصل إليه المثقف الشرقي من أمجاد وفتوحات ملأت الدنيا وشغلت الناس، كما لو تعلق الأمر بأبي الطيب المتنبي الذي تقمص دوره هذه المرة المصري يوسف زيدان صاحب رواية «عزازيل»، الذي يرى أن له الحق في أن يحتكر لنفسه مجالات الرواية والفلسفة والتصوف، لكنه لم يظهر لمضيفيه في مهرجان «تويزة» بطنجة سوى التعالي والنجومية، وذلك منذ وصوله إلى مطار طنجة، فطالب بسيارة فخمة تقله لوحده إلى الفندق، مهددا بأن يعود أدراجه إلى القاهرة في حال عدم تلبية طلبه على وجه السرعة. وحين تفضل زيدان بحضور ندوة حول موضوع «في الحاجة إلى التنوير»، كانت مداخلته عبارة عن نكت «بايخة» حاول بها إضحاك الجمهور عوض تنويره، كما أنه لم يتقبل «ملاحظة» من منشط الندوة المغربي، الذي فشل فشلا ذريعا في تسييرها وقصد خلق ضجة بلهاء غير محسوبة، حين تحدث بصوت عال وبصيغة الأمر بضرورة إطفاء سيجارته أمام الجمهور، الذي لم يبال ولم يلاحظ أن زيدان يحمل سيجارة بين أصابعه، رغم وجود مطفأة للسجائر فوق الطاولة، متعمدا إهانته بعيدا عن «الأدب» و«بلا فلسفة»، فانتفض زيدان في وجهه وغادر القاعة وهو ينفث دخان سيجارته بعصبية ولم يعد إليها إلا بعد أن توسل إليه المتوسلون. في المقابل احتج الجمهور على منشط الجلسة، ولم يكتف زيدان بذلك، بل كتب تدوينة على صفحته في «الفايسبوك» وصف فيها مقدم الندوة المغربي بـ«الشاب المغمور»، وأضاف أن قاعة الندوات عرفت بفضل مشاركته فيها «حضورا حاشدا غير مسبوق مما أثار غيرة الفاشلين»، قائلا بالحرف: «فلمّا كانت الندوة الثالثة التي يديرها شاب مغمور قيل لي إنه مذيع راح يصخب في الميكروفون صارخا بهستيرية أن التدخين ممنوع! مع أننا في فندق سياحي ليس فيه إشارة واحدة تحظر التدخين! كان ينتظر مما فعله أن أغضب، لكنني استوعبت الحال وقابلته بسخرية خفيفة.. ومرّ الأمر».
لو صدرت هذه التصرفات الرعناء عن المغنيات الكاسيات العاريات، كما حصل منذ أيام خلال مهرجان أكادير للضحك لهان الأمر، لكن أن تصدر عن شخص يدعي أنه نابغة العصر في العديد من مجالات المعرفة، فالأمر يطرح الكثير من التساؤلات حول وعي منظمي المهرجانات بضرورة النأي عن دعوة كل من يأكل الغلة ويسب الملة من شرقيين يحضرون إلى المغرب محملين بنظرة تحقيرية للبلاد، التي تستضيفهم بكرم حاتمي.
إنها ليست المرة الأولى التي يسقط فيها المنظمون في هذا الخطأ الجسيم وهذه المازوشية الحمقاء، لذلك لم يعد أمامنا من مجال لنكتفي بشعار «شوف وسكت»، أمام هذا السيل الجارف من الحقد والكراهية والاستخفاف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى