شوف تشوف

الرأي

جلسة سرية للنساء

هذا الحديث ينقل لنا أسرار مجالس النساء وأخلاق الرجال أزواجهن، ولكن على نحو خفي لا تستطيع المرأة أن تصرح به تماما في حضور زوجها، إلا أنها في هذا المجلس باحت كل واحدة بما ترى في زوجها. في مجلس سري خاص، نقلته لنا السيدة عائشة (ر) من الجو العربي القبلي، الذي كانت النساء تعيش في وسطه، وعلينا أن نضع في عين الاعتبار وضع المرأة في الجاهلية بتعبير عمر بن الخطاب (ر) أن المرأة لم تكن تعني لهم شيئا بل يتم توارثها مثل المتاع، بل ويصل الأمر إلى درجة الدفن على قيد الحياة كما حصل مع عمر (ر) ثاني الخلفاء الراشدين نفسه، الذي ينقل عنه وهو يبكي أنه دفن ابنته وهي تنفض التراب عن لحيته، ويكفي أن نقرأ في سورة التكوير حشد حزمة من المشاهد الكونية في سماء تتفجر وبحار تسجر وعشار تعطل وشموس تتكور ونفوس تدمج ببعضها مع غضب الكون على وأد المرأة في هذه المظاهر الصاخبة الكونية لرد الاعتبار للمرأة.
وهو أيضا يلقي الضوء على تطور وضع النساء في المجتمع الإسلامي، والذي لم يكن بالضرورة نحو الأفضل؛ فمع حقنة الانحطاط الحضاري؛ فإن أول ما يصيب الانحطاط هي الشريحة الأضعف؛ فتسقط النساء في هاوية الدونية، كما هو حاليا في مشاهد شتى في طول وعرض العالم الإسلامي، بدءا من اللامعقول كما هو في منع النساء من قيادة السيارة، كمن يتصور رئة لا تتنفس وقلبا لا يضرب وعروقا لا تنبض، إلى تحريم تولي الإمامة عند معظم الفرق الإسلامية، تحت طائلة حديث أعرج أبرص أصم يقول فيه صاحب كتاب تدوين السيرة إبراهيم فوزي عن حديث لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، عن بنت كسرى وتوليها، وهو الموضوع الذي ناقشته أيضا المغربية المرنيسي وشرحت حديث أبي بكرة الناقل لتفنيده، أما فوزي فيقول لم ينقل التاريخ لنا أي قصة عن أي امراة في أي وقت تولت منصب قيادة مجتمع فارس القديم. ويمكن مراجعة المشكلة برمتها في الكتاب المذكور.
ويعتبر هذا الحديث من ينابيع الأدب، وتأريخا لحقبة ما قبل الإسلام، كما يقوم بتشريح خاص لأحاديث النساء الداخلية الخصوصية، ورأي كل أمرأة في زوجها، كما يروى أوضاع البيوت، ونوعيات الأزواج، وأنا شخصيا استمتعت جدا به حينما حفظته من كتاب الشنقيطي (زاد المسلم في ما اتفق عليه البخاري ومسلم) وأعتبره مع مجموعة أحاديث أخرى من ينابيع الفكر الجميلة.
وسوف أحاول فك معنى الكلمات الصعبة التي جاءت كما وردت في الكتاب (زاد المسلم).
تروي السيدة عائشة (ر) قصة 11 امرأة روت كل واحدة وضعها مع زوجها فقالت: (جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً). ويبدو أن هناك علاقة حميمة بين تلك الزوجات. (قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث (مهزول) على رأس جبل لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقى) ويظهر الذم فيه فلا فائدة منه.
ولم تكن الأولى التي ذمت فقد أكملت الثانية ففضلت أن لا تنشر فضائحه (قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره إني أخاف أن لا أذره إن أذكره أذكر عجره وبجره (أي عيوبه). أما الثالثة فيبدو أنها تتحمل على مضض زوجا لا يحتمل (قالت الثالثة: زوجي العشنق (أي الطويل المذموم سيء الخلق) إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق).
ولكن حظ الجميع ليس كذلك حيث يبدو على الرابعة أن عندها زوجا عجيبا لا تمل صحبته (قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة)، وأنا أعرف تهامة من جنوب المملكة وهي عند الساحل تماما، كما ذكرتها المرأة، ولكن ليس في الصيف، وفعلاً فإن النوم على شاطئ البحر هناك فيه متعة وارتخاء وهدوء لا يعرفه إلا من ذاقه، ويبدو أن المرأة كانت محظوظة بهذا الرجل.
ولكن الخامسة عندها زوج من نوع بين بين (قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد وإن خرج أسد ولا يسأل عما عهد)، والرجل الذي لا يسأل المرأة كثيرا في أمور المنزل يبقى مريحاً نسبياً. إنها مع رجل ملتفت لأعماله وتجارته، وقد ترك لها حرية التصرف في البيت وهو لا بأس به.
أما السادسة فعندها زوج يحمل من الصفات غير المشجعة سواء في صوت الفم أو الالتفات إلى زوجته ليضمها أحياناً، ونحن هنا نرى شيئا من الصراحة التي لا نتجرأ في الخوض فيها حسب ثقافتنا الإسلامية، وقرأت في علم النفس أن كلا من الزوجين يحتاج إلى العناق والضم أربع مرات في اليوم على الأقل، للتهدئة النفسية والروحانية والراحة والحميمية. ولكن عائشة (ر) تنقل لنا هذه الصور بأمانة (قالت السادسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف، وإن اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث).
أما السابعة فقد حظيت بزوج كارثة فهو عيي النطق ومزعج ويستخدم يديه في الضرب فيكسر الرأس أو الفك (قالت السابعة: زوجي عياياء غياياء (الخيبة) عياياء (ربما عاجز جنسيا) طباقاء (أحمق) كل داء له داء، شجّك أو فكّك أو جمع كلاً لك) يبدو أن هذا الزوج كان شرسا جدا وفاشلا جنسيا. يضرب زوجته فإما جرحها في رأسها أو رض فكها وكسره، فظ التعامل وحشي الطباع، ولقد ورد في الحديث أن خيركم هو من كان خيرا لأهله، وكان رسول الرحمة (ص) في حاجة أهله دوما، أي في خدمتهم، وكان يرقع ثوبه ويخصف نعله ويصوم فيضع الحجر على بطنه، وحين أوقفته امرأة في السوق تسأله بقي واقفا يسمع الشكوى حتى انتهت فأجاب، بل إن سورة نزلت في امرأة تشكو الله من زوجها والله يسمع تحاورهما فدخلت معمل المطلق تتلى السورة باسم المجادلة إلى قيام الساعة.
أما الثامنة فقد وصفته على نحو معكوس فهو طيب الرائحة ناعم الملمس (قالت الثامنة: زوجي، المس مس أرنب والريح ريح زرنب).
أما التاسعة فقد وصفت زوجها بالمركز الاجتماعي المرموق والكرم (قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد (عمود الخيمة) طويل النجاد (السيف) عظيم الرماد (من كثرة الضيافة) قريب البيت من الناد). كذلك وصفت العاشرة زوجها بالكرم (قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك؟ مالك خير من ذلك له إبل كثيرات المبارك قليلات المسارح وإذا سمعن المزهر (ربما الدف أو عود الغناء فرحا بالضيوف) أيقن أنهن هوالك).
وفي النهاية يأتي وصف الحادية عشرة لزوجها وهو بيت القصيد حيث تصف أم زرع زوجها على هذه الشاكلة في وصف مطول (أناس (من نوسان الحلي في الآذان) من حلي أذني وملأ من شحم عضدي.. عنده أقول فلا أقبح وأرقد فأتصبح وأشرب فأتفنح.. أم أبي زرع عكومها رداح وبيتها فساح.. بنت أبي زرع طوع أبيها وطوع أمها وملء كسائها وغيظ جارتها). وكانت عائشة (ر) تقول إن الرسول (ص) كان يقول لها كنت لك كأبي زرع لأم زرع.
ويبدو أن صفات الرجل الكريم الحليم المثالي كان الناس يتناقلونها يومها في هذه القصة وكان حظ عائشة هو هذا الرجل عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى