شوف تشوف

الرأي

حجاب التنورة

هل تسقط تنورة فتاتين حجابات مدسوسة بعناية داخل أقنعة مجتمع منفصم تماما، يخفي أكثر مما يظهر؟ أم أنها ستكشف عن تحول خطير في بنيات التفكير التي صارت تتقهقر أكثر من أي وقت مضى نحو هاوية السواد المخيف بتمثلاته ودلالاته وحروبه المدمرة؟ ألا يعني هذا أن فتيات المغرب يتعرضن لأكبر حملة تشويه في تاريخه المعاصر؟ هذا التاريخ الذي كتبه شهداء ناضلوا بدمائهم من أجل مغرب حداثي ديمقراطي حر تسوده الكرامة والعدالة الاجتماعية، تلوثه الآن أياد آثمة متسخة بالعهر الإيديولوجي في صوره الجميلة. أسئلة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تترجم هذا الغضب الذي يعتريني، وأنا أتابع ما يمور بداخل مجتمع بدأ يفقد عقله تدريجيا بسبب شيوع نزعات تطرف غريبة عنا، ونحن الذين نتفاخر بقيم التسامح والسلم والتعايش والحوار، لكن يبدو أننا فشلنا فشلا ذريعا في تمرير هذه القيم لهذا الجيل الذي يدعي كل شيء، ونفس الوقت لا يفهم أي شيء.
مرد هذا الكلام مرتبط أيضا بظهور شباب يرتدون سراويل جينز، ويكتبون في لافتات سوداء مخيفة يطلبون فيها من سائحات عدم ارتداء لباس السباحة احتراما لرمضان، وماذا عن الشهور الأخرى؟ لماذا لا يرتدون اللباس الأفغاني، ويطبقون أفكارهم المتطرفة التي تؤشر على تحول خطير في تركيبة الشخصية المغربية الآن، بل تؤشر على شيزوفرينيا مغربية قُحَّة؟ لماذا نتركهم يتكاثرون أمام أعيننا ولا من رادع؟ بل إن القانون الآن يقف معهم، ويرعى ميولاتهم وأهواءهم، بل إنه ينتصر لهم في حالة الفتاتين المذكورتين في كل الوصلات الإشهارية التي يبدو أنها ستتحول إلى مشجب لإلهاء الشعب عن مشاكله الكبرى: التعليم الذي فقد طراوته، وصار مثل أي طعام مبستر ومعلب في علب الفساد التي فقدت مدة صلاحيتها، التعليم الذي عجز لحد الآن عن تنمية الشخصية المغربية، ومنحها سمة التوازن بدل هذه الاختلالات الرهيبة التي تكشف في كل حين ودهر عن دمار شامل لها، وثقوبها الرهيبة لاسيما في ما يتعلق بالتعبير عن الرأي، ومصادرة كل فكر يسعى لتخليصه من هذه الارتدادات الجهنمية التي تشيطن المرأة، وتنسى تماما أنها كائن جميل يناضل في كل مكان من أجل أبناء هذا الوطن. عوض محاكمة ناهبي المال العام، وناهبي الأحلام الطرية، وناهبي السياسات النفعية، والذين يمثلون هذا البلد عبر وساطات الهواتف غير الذكية.. لا أعرف لماذا نراقب مستقبل هذا البلد على حافة الوجيعة ولا نحرك ساكنا؟ ومازلنا نرغب في التوالد والتكاثر، أحتى ننجب ضحايا جددا لمجتمع مفترس مريض؟ أم أن النضال من أجل الحق في الحرية أصبح عملة نادرة؟ ألا نسهم في زراعة قنب التطرف بسبب هذه السلوكات اللامفكر فيها أصلا؟ أم أن الأمر يتعلق بخرجات مدروسة كي ندرس زوابعها، ونترك زوابع القهر في العناية المركزة؟ لقد بات الأمر مركبا جدا، وهو يستفز كل إنسان بعيدا عن تاء التأنيث الساكنة في مخيلة الذكورة بوصفها عورة حتى وهي ترتدي البرقع، فيتم تعريتها بشتى أشكال الكبت الذي يهدد السلم الاجتماعي، ويمكن أن يدمر هذه الكرة المغربية المنتفخة بالأمراض النفسية الفتاكة. أنقذونا من هذا الوعي المريض الذي يجعل الإنسان يفكر في الهجرة إلى أي وطن يحترم حرياته الفردية، ويحترم ذكاءنا..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى